في معرض ذمّه برئيس النظام السوري بشار الأسد، فيما كان يُنظر إليه على أنه رسائل روسية، خرج رامي الشاعر في مقال جديد في صحيفة روسية، ليتحدث عن ما وصفه بالتزام موسكو بالقرار الأممي 2254 واحترام إرادة الشعب السوري، وأيضاً عن عدم فهم النظام لإرادة السوريين وللدبلوماسية الدولية.
يتفق معظم المتابعين على عدم رغبة النظام بالبحث عن حلول وربما انفصاله عن الواقع. لكن إذا كان الموقف الروسي ينبع من علاقة تاريخية بين البلدين فمن المناسب أيضاً البحث عن نقاط ضعف السياسة الروسية في الملف السوري والتي قادت لتفريغ القرار الأممي 2254.
والحقيقة أن الفريق الروسي المسؤول عن الملف السوري لم يسبق أن رفض القرار نفسه أو القرارات المؤدية له ابتداءً من دعم نقاط كوفي عنان الست لحل الصراع عام 2012. وسواء كانت موسكو فعلًا تعيد النظر في سياستها السورية أو أن الخبراء أخطأوا بفهم بعض التصريحات، فإننا كمدنيين بحاجة لإعادة النظر بنتائج السياسة الروسية على القرارات الأممية وتأثيرها على المواطن السوري.
في أروقة الأمم المتحدة
يتضمن القرار الدولي 2254 التأكيد على سلسلة من القرارات والمراسلات الأممية في الملف السوري التي تشكل نقاط إرتكاز هذا القرار. المجموعة الأولى من القرارات تتمحور حول نقاط الحل الست التي طرحها كوفي عنان عام 2012. تتضمن هذه المجموعة ثلاث محاور رئيسية:
– أولاً وجوب وقف القتال، وقف التحركات العسكرية نحو المراكز السكنية، وإطلاق آلية فعالة لمراقبة وقف إطلاق النار بإشراف الأمم المتحدة. يكفي المراقب اليوم النظر إلى درعا المحاصرة ليتأكد بأن مقومات 2254 لم يتم احترامها في أي اتفاق حالي أو سابق. كما أن آليات العمل التي طرحت بما فيها أليات أستانة لخفض التصعيد وما نجم عنها لاحقاً من تهجير المواطنين من مدنهم فشلت جميعها في تحقيق هذا المحور. أضف على ذلك خروج آلية الأستانة عن مسارات الأمم المتحدة مما يضعف مرجعيتها ويجعل السوريين دوماً عرضة للاتفاقات البينية بين الدول.
-المحور الثاني يتمركز حول حماية المدنيين وإيجاد أقصر الطرق لتقديم المساعدات الإنسانية في كل سوريا ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان من جميع الأطراف. من أكثر الأمثلة وضوحًا على انتهاك هذه الكتلة هو حصار حلب وقصف المشافي واستهداف القوافل الأممية المتوجهة إلى حلب الشرقية. تستمر محاولات تفخيخ هذا المحور ب”فيتوهات” متتالية لإيقاف المساعدات عبر الحدود وأي محاولة لتحييد المشافي والتحقيق باستهداف عمال الإغاثة.
-أما المحور الثالث فيرتكز على إطلاق سراح المعتقلين والوصول لأماكن احتجازهم كحد أدنى. ورغم تبني هذا المحور في كل القرارات الأممية إلا أنه لم يسجل فيه أي تقدم خلال السنوات العشر الماضية، ولم نسمع عن أي وساطات أممية أو روسية للتواصل مع المعتقلين أو كحد أدنى لمعرفة وضعهم الصحي والقانوني.
مبادئ العملية الانتقالية
لاحقاً في جنيف تابع عنان عمله لتبني المجموعة الثانية من الخطة الأممية والتي وافق عليها مجلس الأمن بالإجماع. فالعملية الانتقالية “تشمل إقامة هيئة حكم انتقالي بسلطات تنفيذية كاملة، وأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلد، وعلى هذا الأساس يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية وأن تعرض نتائج الصياغة على الاستفتاء العام.
من الممكن تصور هذا الطرح حينها في حالة حصول نوع من التوازن بين طرفين سياسيين أو عسكريين، لكن حجم التدخل العسكري والدبلوماسي الروسي، وهو الأكبر منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، قد أخلّ تمامًا بهذا التوازن وهمّش نقطة منع التصعيد العسكري. بالمقابل تبنت موسكو طروحات دمشق بالكامل، وبالتالي فإن الحديث الآن عن عملية انتقالية طوعية لطرف يعتقد أنه منتصر هو حديث من دون معنى. وطبعاً تتناسب هذه الحلقة المفرغة مع ترديد موسكو أنها غير قادرة على الضغط على النظام سياسيًا أو عسكريًا أو حتى ضمان تصرفاته.
لا تخرج اللجنة الدستورية الحالية عن هذا السياق. فغياب التكليف الشعبي أسقط أي مصداقية عن اللجنة بغض النظر عن الشخصيات المشاركة. غياب الوضوح عن هذه المنصة التي يفترض أن تكون فقط إحدى منصات التفاوض السياسي قد خلق فوضى أفرغت محتوى التصور الأممي للعملية الانتقالية .
بين سطور القرار الأممي
يشير البند الثامن من القرار 2254 إلى ضرورة بذل كل الجهود لمكافحة التنظيمات الإرهابية وعلى وجه التحديد داعش والنصرة وسائر الجماعات والكيانات المرتبطة بهما والقضاء على ملاذها الآمن في سوريا. ويلاحظ القرار أن وقف إطلاق النار لن يشمل الأعمال الدفاعية أو الهجومية ضد هذه الكيانات.
اعتمدت روسيا على هذا البند لشن حرب واسعة واتباع سياسة الأرض المحروقة وتهجير مدن على أنها بيئة حاضنة لهذه الجماعات. يرى بعض الخبراء أن إخراج المعارضين مدنيين وعسكريين من مدنهم قد أنهى أي احتمال لتواجد هذه التنظيمات فيها. ولكن تقابل هذه القراءة نظرة معاكسة بأن تدمير هذه المدن وتهجير سكانها المعارضين لم يكن مُبررًا تحت هذا البند. فليس من المقبول أن يهجر عشرات الألاف من المدنيين الدمشقيين مثلاً بسبب وجود بضع مئات من أفراد هذه التنظيمات في ريف دمشق. وبالنتيجة فإن أفراد هذه التنظيمات تجمعوا ضمن كتلة أكبر في بعض مناطق شمال سوريا في فشل واضح للمقاربة الروسية دفع ثمنها المدنيون ونجمت عنها أكبر عمليات تهجير في التاريخ السوري الحديث.
من المستحيل التصور أن هناك أي تقدير جديد في موسكو بالنظر لحصار سكان درعا الحالي والتصعيد المستمر لتهجير سكان جنوب إدلب. لكن إذا كان ما ينشر عن الرغبة بالبحث عن حل بناء على صداقة تاريخية بين الشعبين السوري والروسي فإن على مسؤولي الملف السوري في موسكو الاستماع للشعب السوري بوقف العسكرة، وحماية المدنيين، والعودة الفعلية لمفردات القرارات الأممية كوسيط وليس كطرف محارب.
المصدر: المدن