في نهاية القرن الماضي برز على الساحة الدولية مصطلح النظام الدولي الجديد ليعبر عن حقبة جديدة في العلاقات الدولية والتي بشر بها الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب مستغلًا حرب الخليج الثانية بتاريخ ١٦يناير ١٩٩١ بما أسماه New World Order.
لاحظوا هنا كلمة order والتي تعني الأمر العالمي الجديد وليس النظام العالمي الجديد. معتمدًا (بوش) على ظهور القطبية الأحادية فارضا الهيمنة شبه الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولي الجديد من الناحية العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية والسياسية (أذرع القوة حسب تسلسلها) للتفرد بقيادة العالم والتصرف بفردية دون حاجة الحلفاء ودون موافقة هيئة الأمم المتحدة ومجلس أمنها وجمعيتها العمومية.
لم تكمل الولايات المتحدة الامريكية في تفردها وهيمنتها على العالم عقدًا من الزمن وإذ هناك ثنائية جديدة تخرج بالضد مما خطط له راسمو ومهندسو الأمر العالمي الجديد حيث كانت أحداث١١ سبتمبر والتي اعلنت وبوضوح عن نشوء ما سمي بالإرهاب الدولي وحلفاءه متهمة العراق زورا بالدولة الراعية للإرهاب مع بعض الدول الاخرى في الإقليم.
أذنت الولايات المتحدة لنفسها أن تمارس دورها بفردية واستقلالية ودون موافقة الشرعية الدولية لتجتاح أفغانستان أولا ومن ثم العراق، كاشفة بذلك التفرد عن عجز أوروبا والتي وصفها (أي أوروبا) أحد المخططين الأمريكان لاجتياح العراق بالعملاق الاقتصادي والقزم السياسي.
قامت الولايات المتحدة باجتياح العراق (وتدميره دمارا شاملا وانهاء تجربته المتقدمة علميا وتكنولوجيا واقتصاديا وعسكريا وبشريا) معتمدة على قوتها العسكرية والنووية لفرض زعامتها على العالم، مستغلة مرحلة حل حلف وارسو وتفكيك العلاقة بين دول الحلف الاشتراكي الدولي وإقامة قواعد عسكرية في مناطق مختلفة من العالم وخصوصًا دول الخليج العربي.
في البعد الاقتصادي : بعد ان اصبح الصراع العالمي الاقتصادي متركزا على أسباب الابتكار العلمي والتكنولوجي والكفاءة المهنية نتيجة تحول مكونات الثروة الاقتصادية من مكونات مادية وخدمية الى مكونات مادية وخدمية ومعرفية متطورة، مما رفع نسبة المنافسة بين الأقطاب الاقتصادية العالمية الثلاث (أوروبا، اليابان، الولايات المتحدة الأمريكية) مضافا لها القطب الرابع اَي الصين وذلك بعد انضمامها الى منظمة التجارة العالمية وقبولها باليات اقتصاد السوق والتبادل الحر وبما ان الصين حقيقة تمثل ثقلا سكانيا واستهلاكيا واقتصاديا يخولها لعب الدور المؤثر والفاعل لتحجيم هيمنة الولايات المتحدة الامريكية وخطتها لإدامة سيطرتها على العالم .
في بداية العمل على تسويق العولمة وتمدد أذرعها الاقتصادية انتهجت الولايات المتحدة سياسة غض الطرف عن الدول ذات الاقتصاد القوي والصاعد، حتى بدأ التأثير السلبي ينعكس عليها بعد أن وجدت اقتصادها عالقا بين قوة الشركات المتعددة الجنسية والمنظمات عابرة القومية والمنظمات غير الحكومية والتي أصبحت تشكل تحديًا لسيادة الدولة وسلطتها، وذلك نتيجة عولمة الاقتصاد.
وأمام عولمة الإرهاب والذي أصبح لاعبا مهما كوليد سيء لأيديولوجية العولمة وممثلا حقيقيا وفاعلا للعولمة المضادة وهو اَي الإرهاب كما الشركات عابر القومية والجنسية والجغرافيا السياسية ويمتاز بالاستقلالية ويحوز على تعاطف جماهيري ليس بقليل.
إضافة لما سبق وإذ بظاهرة التنمر الاقتصادي بقيادة الصين وداعمها الرئيس الاتحاد الروسي يأخذ دوره في التحدي، ناهيك عن الدول الصاعدة اقتصاديا كالهند والبرازيل وجنوب أفريقيا كدول منافسة أيضا وهو ما أخاف الولايات المتحدة بأن ينزلق نظام القطب الواحد ليصبح نظاما تعدديا وليس ثنائي القطبية وليكون على شكل تحالفات اقتصادية سياسية.
ولذلك سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتتلاقى مصالحها مع مصالح القوى المتنامية اقتصاديا وسياسيا أملا في احتوائها وخصوصا الصين والهند وحلفائهم وقامت بدعوة الصين لمفاوضات اقتصادية ولم تستجب الصين لكل الدعوات، مما أجبر المخططين الاستراتيجيين الأمريكان القبول ب دونالد ترامب كعقل اقتصادي فقط وليس بارعا سياسيا ليقود مجموعة عمل استراتيجية لتنفيذ مخطط جديد أطلقوا عليه جديد النظام العالمي الجديد (عماده الاقتصاد ) والذي يعتمد على عدة ركائز ، أولها وأهمها الوصول إلى اتفاق تجاري مع الصين ودول الحلف الاقتصادي معها يتيح للولايات المتحدة أن تبقى على قمة الهرم لإلزام العالم بأن يبقى الدولار الأمريكي هو العملة الدولية الثابتة world monetary fund متناغما مع سحب الفائض من الدولار الأمريكي من خزائن الدول المودعة بعقود شراء منتجات صناعية أمريكية (صفقات أبرمت مع السعودية والإمارات ب ٥٠٠ مليار دولار ).
على المستوى الاستراتيجي إنهاء عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، لتكون حرة طليقة اليدين للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية أمام التحالف الواضح بين الصين وروسيا الاتحادية.
على المستوى الإقليمي (الشرق الأوسط):
منع إيران من حيازة سلاح نووي دون الوصول إلى حرب. وفرض حل للقضية الفلسطينية (صفقة القرن) ليتسنى للمخططين الاستراتيجيين تنفيذ خطتهم الاستراتيجية بما أسموه التعاون الإقليمي، بعد أن قدم مشروع استراتيجي لتقسيم مناطق نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية إلى مناطق إقليمية متعاونة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا فيما بينها. وخاضعة لأوامر – جديد النظام الدولي الجديد – لترفع العبء البشري والمالي عن كاهل الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا أريد الدخول في تفاصيل الخطة ولكن بالعودة إلى ما حصل ويحصل في الإقليم من دمار وتراجع ونهب (الفوضى الخلاقة) وما زال يحصل ما هو إلا لترتيب واقع جديد للجغرافيا السياسية لتكون في خدمة جديد النظام العالمي أو الدولي الجديد وهذا يحتاج إلى حل ولو لمدة خمسين عاما للقضية الفلسطينية وهنا أراد الرئيس دونالد ترمب فرض خطة الحل (صفقة القرن ) كآخر مدماك ليكمل به خطته للإقليم متجاوزا الرفض الفلسطيني العلني والواضح والجريء ومتناسيا أن الرفض الفلسطيني أقوى من كل الضغوطات التي مارسها ويمارسها وسوف يزيد من حدتها إذا قدر له أن يعود وطاقمه كرئيس منتخب لفترة ثانية وذلك بفضل الوباء الفيروسي الحديث والذي أوقع الرئيس ترمب وحليفه بورس جونسون رئيس وزراء بريطانيا في فخ ذو بعد إنساني أفقدهم مصداقيتهم وعَرًى إنسانيتهم أمام شعوبهم وشعوب حلفائهم التاريخيين (شعوب أوروبا العتيقة- إيطاليا وأسبانيا إلخ) بعد أن حاول الصيد في الماء العكر لإضعاف الصين أصبح يستجدي طالبا المساعدة.
لقد أفقد الرئيس الأمريكي ترامب قيمة مكتبه البيضاوي وفعله الدولي بفقدانه وحليفه البريطاني قيم الإنسانية وقيم السماء مما صدم المواطن الأمريكي المؤيد لعنصريته وتبجحه وستكون هذه الصدمة هي المقياس لتغيير البوصلة في الانتخابات القادمة والتي على الأبواب وسيفشل أصحاب صفقة القرن ومن أيدهم في السر أو العلن وسيبقى هذا الوباء صاحب الفضل ببعده السياسي وسيجمد المخططون خططهم ولو إلى حين وسيفشل من سار في ركبهم ومن سار معهم في صفقة القرن.
المصدر: الموقع الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية