عندما نقرأ، نحن العرب، لمثقفين غربيين غالبا ما نركز على أولئك الذين يوجهون أشرس نقد للمجتمع والثقافة الغربيين.. من نعوم تشومسكي إلى شبنجلر وشفتيتزر وعلي عزت بيجوفتش، وميشيل فوكو، وروجيه غارودي ونيتشه… الخ.
نقرؤهم ونعجب بشجاعتهم في نسف أعمق أسس وثوابت مجتمعاتهم وثقافتهم، ونتعاطف معهم لو تعرضوا لأي مضايقة.
لكننا لا نتعامل مع المثقف العربي الذي ينتقد مجتمعه وثقافته وتاريخه بنفس الطريقة.. ننظر إليهم كخونة ومتغربين، ونسمي شجاعتهم انسلاخا، ورؤيتهم النقدية جلدا للذات، وانتقادهم لثوابت مجتمعاتهم خيانة!
مع أن المبدأ واحد والمباديء لا تتجزأ!
أليس من حقنا وجود تشومسكي عربي، أو غارودي مصري، أو نيتشه يمني ينقدون ثوابتنا ويعيدون تفكيكها وتركيبها من الجذور؟
* * *
نخاف الحداثة بسبب تحدياتها وعيوبها، لكننا نتقبل التخلف بكل عيوبه وكوارثه.
وعندما نُخيَّر بين عيوب التخلف وعيوب الحداثة نختار العيوب التي ألفناها وطال تعايشنا معها.
نخاف الحرية بسبب تحدياتها والتزاماتها، لكننا لا نخاف من الاستبداد رغم تبعاته الكارثية.
وعندما نُخير بين عيوب الاستبداد وعيوب الحرية نختار طمأنينة الاستبداد الذي نشأنا معه وعشنا تحت ظلامه.
نخاف من القيم التي جلبها لنا العصر الحديث بسبب بعض سلبياتها وتحدياتها.
لكننا لا نخاف من سلبيات التخلف مع ان نتائجها وكوارثها أخطر.
ليس لدينا أي خطاب نقدي ضد التخلف.. أغلب خطابنا النقدي ضد الحداثة والتغيير.
*من منشورات للكاتب على صفحته في الفيسبوك.
المصدر: الوحدوي نت