على مقدمة العربة طفلٌ لا يتعدى الخامسة أو السادسة عشر من عمره، مربوطاً ومصلوباً هناك، قدماه لا تمس الأرض ولكن أحشاءه كلها خارج جسده” أنتم يا سادتي تحققون بجرائم حدثت في فرع الخطيب، ولكن هناك الكثير من الجرائم التي حدثت على الطريق لا أحد يعرف عنها شيئاً”.

لونا وطفة

حضر بتاريخ 30/06/2021 مدعي بالحق المدني كان قد اعتقل في فرع الخطيب بتاريخ 14/02/2012 عندما قام الأمن بحملة مداهمات على منطقته في الغوطة الشرقية. ألقى الأمن القبض عليه أثناء ذهابه إلى عمله صباحاً واقتادوه بعربه مدرعة نصب عليها رشاش. في بلدة النشابية أُنزل الشاهد من العربة ووُضِع في باص كبير. كان يستطيع أن يرى ما يحدث حوله، لأن القميص الذي غطوا به وجهه لم يكن يحجب الرؤية بشكل كامل كما قال.

على الطريق توقف الباص أمام مزرعة في إحدى قرى منطقة الغوطة الشرقية، ونزل العساكر منه باتجاهها وسارت معهم المدرعة، سمع الشاهد صوت إطلاق رصاص كثيف مدة ربع ساعة، بعد ذلك عادت المدرعة، وهنا وصف الشاهد للقضاة ما رآه فقال: “توقفت العربة على يمين الباص، يميني أنا، شاهدت على مقدمتها أنها عربة روسية الصنع من طراز BMP. لقد شاهدت منظراً تقشعر له الأبدان، لا أستطيع أن أنسى هذا المشهد حتى أموت! على مقدمة العربة طفلٌ لا يتعدى الخامسة أو السادسة عشر من عمره، مربوطاً ومصلوباً هناك، قدماه لا تمس الأرض ولكن أحشاءه كلها خارج جسده”. أكمل الشاهد بعد أن اختنق بكلماته وهو يصف المشهد فقال: “صعد بعد ذلك إلى الباص ثلاثة أطفال، الصغير منهم لا يتعدى الخمس سنوات والكبير عشر سنوات، كلهم يبكون ويرتجفون من الخوف، أجلسوهم بجانبي، فوضعت يدي على رأس أصغرهم وسألته عن سبب بكاءه فأجاب: أخي قُتل!. أنتم يا سادتي تحققون بجرائم حدثت في فرع الخطيب، ولكن هناك الكثير من الجرائم التي حدثت على الطريق لا أحد يعرف عنها شيئاً”.

تم تجميع المعتقلين في مشفى ابن الوليد لمرضى الجذام في دوما، حيث يتخذ الأمن من هذه المشفى نقطة تجمُّع قبل التوجه إلى أفرع أمن الدولة. حوالي الساعة الحادية عشر ليلاً نُقل الشاهد ومعتقلون آخرون إلى فرع الخطيب. قال الشاهد بأنه عرف فوراً أنه فرع الخطيب لأنه كان يتردد على مشفى الهلال الأحمر ومشافي أخرى بحكم عمله كمهندس طبي. وصف حفلة الاستقبال هناك وما نالهم من الضرب الشديد قبل دخولهم الزنزانات، ووصف بعد ذلك التفتيش الجسدي وإجبار المعتقلين على التعري الكامل.

الزنزانة كما وصفها لاحقاً كانت لا تتعدى 25 م² وضع فيها ما لا يقل عن 100 معتقل، رطوبتها وحرارتها عاليتان، لا يمكن للمرء أن يجلس بشكل مريح كما أن الاستلقاء مستحيل، كمية الطعام قليلة جداً ويحتاج أحدهم أن ينتظر عدة ساعات ليستطيع الدخول للمرحاض بسبب الازدحام.

تحدث الشاهد عن صديق له جلس بجواره وكان مصاباً بداء السكري، رفضوا إعطاءه الدواء حتى بدأ العفن ينتشر في أصابع قدميه. وآخر أُتي به وقد تكسرت أصابع يده بالكامل، وآخر فقد عقله بالكامل لدرجة أنه كان يتغوط ويتبول على نفسه ولا يستطيع الوقوف على قدميه لأنه شُلَّ من شدة التعذيب.

تهمة الشاهد الأساسية كانت المشافي الميدانية، إذ شَهد مجزرة حدثت في قرية العبَّادة في الغوطة الشرقية عام 2012، حيث تم إطلاق الرصاص المباشر على المتظاهرين ومُنعت سيارات الإسعاف من الوصول إليهم و تجاوز عدد القتلى ثمانية أشخاص والجرحى أكثر بكثير. قام الشاهد وأطباء آخرون بإنشاء مشافي ميدانية لمساعدة الجرحى، و لأجل ذلك تعرض أثناء التحقيق معه للصعقات الكهربائية، والضرب بالكابل والرفس بالأرجل والأيدي أثناء الاستجوابات التي استمرت لعشرة أيام. ضُرب في إحدى المرات بقوة على أعضائه التناسلية لدرجة أنه بقي يتبول دماءً لمدة عشرة أيام بعد ذلك ولا يزال حتى اليوم أي بعد تسع سنوات يعاني من آلامٍ أثناء التبول. تحدث أيضاً عن الحشرات في الزنزانات والأمراض الجلدية وأيضاً التعليق بباب الزنزانة لساعات. خرج من المعتقل بعد 18 يوماً.

أما عن سوء المعاملة والتعذيب في المستشفيات فقال الشاهد، إنه وبحكم عمله زار الكثير منها لأنه كان يجري بعض الإصلاحات فيها. تحدث خصيصاً عن مشفى دمشق أو ما يُعرف بإسم مشفى المجتهد فقال: “في إحدى المرات كان هناك عطل في مصباح الجراحة، دخلت إلى الغرفة وإذ بي أرى جثة مفتوحةً أمامي، كنت متأكداً أنها لمعتقل، ما لفت نظري أن الأحشاء كالكلية لم تكن موجودة، فيما بعد سمعت من بعض الأشخاص أن هناك اتجار بالأعضاء، ولكني لستُ متخصصاً لأؤكد ذلك. عندما ترى مشفى المجتهد لن تظن أبداً أنه مشفى مدني، لأن المسلحين في قسم الإسعاف أكثر من المدنيين. المصابون من المعتقلين يتم نقلهم إلى هناك، ومن ثم يختفون إلى الأبد، أحد الذين أعرفهم جيداً اختفى بهذه الطريقة”.

المصدر: المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى