بطل أسطوري أم قيادة ناجحة

بشار الحاج علي

ما الذي يحتاجه السوريون للخروج من التشتت والفرقة؟ “البطل الأسطوري” أم “القيادة المنظمة” كيف يمكن إيجاد قائد فذ؟ وهل هو الحل للتخبط الذي يصيبنا؟

دائمًا ما نسمع أصواتًا تريد بعث قادة من التاريخ وأبطال ذوي صفات ومقدرات -مبالغ فيها في أغلب الأحيان- ولا تسند للبيئة العامة المنتجة للقائد البطل من عقيدة وتنظيم ومجموعة تنتمي وتعتنق الرؤية المشتركة وتكون القاعدة الصلبة التي تجعل من القائد مطاعاً سواء عن قناعة أو عن خوف من العقاب أو خوف من الخطر المنظور أو المتوقع.

وهي تعود برأيي لطبيعة الإنسان التي تعشق الأساطير والخوارق والمعجزات كطريق لإيجاد حلول سحرية لمشكلاته وتحقيق أحلامه.

ما يجب معرفته أن التعويل على البطل الخارق هو أقرب إلى الوهم ولم يكن لينجح أي فرد كقائد إلا بوجود تنظيم أو منظومة يستطيع من خلالها الفرد – القائد النجاح بتحشيد الإمكانات وتحويلها لقدرات ومن ثم أفعال.

وفي الماضي كانت رؤية الفرد الحاكم هي الإستراتيجية المتبعة وكان المستشارون أو الأعوان يمثلون المؤسسة بالمفهوم الحديث، ويعمل الجميع لتحقيق أهداف مفهومة، ومتبناة من قبل المتبوعين لما فيه المصلحة العامة للكيان – الدولة – الأمة.

أما البطولات الفردية فهي غالباً إما لمرة واحدة ولظروف تجعل من إقدام الفرد واندفاعه أقرب لأن تكون خيارًا ملزمًا حيث لابد من المواجهة أو لابد من التصرف وهنا يكون للعامل الشخصي، والتقدير الذاتي، والقرار في الوقت المناسب، العامل الحاسم الذي يجعل من نجاح التصرف في تحقيق الهدف منه عملًا بطوليًا، يعود على من تحمل مسؤلية اتخاذ القرار، وتدخل في ذلك الصفات الشخصية بمعنى الكاريزما المميزة التي تجعل من شخص ما قائدًا ناجحًا من شجاعة وجرأة وحسن تقدير وحكمة ودهاء.

ولاداعي من السير في تاريخ البطولات منذ التاريخ المكتوب أو المتداول لنعلم حقيقة أن الكثير من البطولات الأسطورية هي خيال يمزج بين المتخيل الخارق والصفات القريبة من طبيعة البشر مع إضافة صفات تعطي تفسيراً للقدرات الفائقة من حيث شكل الجسم أو قدرته، فمثلا نجد البطل على شكل نصف بشري برأس وجسم حصان، وتارة بجسم أسد ورأس بشري…. الخ.

و(المعجزات) النجاحات في العصر الحالي تقوم على البناء العلمي في تحديد الأولويات ودراسة الإمكانيات المادية والبشرية والفكرية المتاحة، والإدارة الناجحة تقوم على حشد الطاقات ووضع الخطط والبرامج اللازمة، والاستفادة من الأفراد بوضع الشخص المناسب في الموقع المناسب وتهيئة الظروف المناسبة لنجاحه في عمله، بالاعتماد على أساليب العمل المؤسساتية والتكامل بين عناصر المؤسسة بما يعرف بروح الفريق، ويكون النجاح للمجموعة وليس الفرد فقط، وفق القاعدة التي تقول المدير الناجح الذي لديه أعضاء فريق ناجحون.

وفي مقدمة القضايا التي تحتاج قيادة قادرة على إنجاحها وتأتي في رأس سلم الأولويات؛ القضايا السياسية الكبرى بمعنى إدارة الدولة والمجتمع، وهذا يعني أنه لايمكن البدء بأي شكل من أشكال التنمية مجتمعية بمفهومها الشامل، دون بناء نظام سياسي يؤسس لسلطة سياسية، تنشأ من خلال نظام ديمقراطي تداولي يشارك فيه الجميع، يعزز الانتماء ويكون قادراً على استيعاب وتحفيز الطاقات الوطنية لقيادة عملية إعمار شاملة للفرد والمجتمع، وكل المناحي الاقتصادية بشتى أنواعها، والتربوية التعليمية والنظام الصحي، ونظام تكافل اجتماعي يقوم على احترام كرامة الإنسان من خلال ضمان حد أدنى للمعيشة كحق من الحقوق الأساسية التي على الدولة تأمينها للعيش الكريم لكل فرد إما من خلال تأمين العمل المناسب للقادر عليه ومراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة وغير القادرين على العمل.

ومن نافلة القول أن العمل في البناء السياسي من أسمى الأعمال وخاصة في الدول أو المناطق الخارجة حديثًا من النزاعات أو التي ماتزال تعاني منها، في مرتبة أعلى وفوق أي أولوية أخرى، ولا تسبقها سوى أولوية الأمن والاستقرار التي هي نتيجة مرافقة للاتفاق السياسي الذي يفضي لما بعده من مراحل يتطلبها الانتقال من النزاع إلى الهدوء والاستقرار.

ولخصوصية الحالة السورية المتداخلة بين الدولي والإقليمي والمحلي الوطني، في ظل طرفين سوريين ثورة ومعارضة مع النظام، وما أفرزته من وجود أجسام رسمية (معترف بها دولياً كممثلة للشعب السوري) الائتلاف الوطني السوري، والمنصات المعارضة وما نتج عنها كهيئة التفاوض واللجنة الدستورية.

يمكننا كسوريين نعمل في الشأن العام السياسي خاصة التمييز بين أجسام سياسية هي أدوات للحل السياسي يتوافق مع الرؤية الدولية، وقوى سياسية منظمة تكون الحامل للحل السياسي المتوافق عليه وحاملة للمشروع الوطني الذي يجب العمل على خطوات تؤدي بالنتيجة لاستقلاله.

وباتباع استراتيجية العمل المنظم والجماعي يمكن لنا أن نصنع المعجزات وأن ننتج قادة للحاضر والمستقبل، وإتاحة الفرص لظهور كوادر جديدة متسلحة بالعلم والمعرفة، ومؤمنة بسورية وطناً للجميع وبحاجة للجميع، فالقيادة الرائدة بالمفهوم الحديث تصنع صنعًا بتظافر جهود مشتركة من خبرات وتخصصات، ويتم الدفع بها والالتفاف حولها لتشكيل وزن نوعي يناسب قيم القضية التي تتبناها وتسعى لتحقيق أهدافها.

وفق هذا المنظور نبعث الأسطورة السورية، أسطورة طائر الفينيق الذي يولد من الرماد، في ظل هذه الفوضى المدمرة حتى الآن.

حيث أن مفتاح البطولة وتحقيق المعجزات يكمن في تقريب المسافات وتجسير الهوة بين القوى الوطنية الوليدة والناشئة ذات الهم المشترك والرؤية الجامعة لتكوين كتل سياسية وازنة قادرة على كسب ثقة الشعب والقوى الدولية الداعمة للنوء بالمرحلة الانتقالية ومتطلباتها والتي لابد هي آتية.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى