شدّ الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” سالم المسلط، المنتخب حديثاً، وجمع الهيئتين الرئاسية والسياسية للائتلاف بالحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع فيها، أول من أمس الأحد، الأنظار بشأن احتمال حدوث جديد على جبهات ريفي حلب وإدلب، التي تتبع لـ”منطقة خفض التصعيد الرابعة” (إدلب ومحيطها)، وتسيطر عليها قوات المعارضة والجيش التركي، لا سيما أنه جاء بالتزامن مع طلب تركي من فصائل المعارضة رفع الجاهزية على نقاط التماس مع قوات النظام والمليشيات الحليفة لها المدعومة من إيران وروسيا. وكذلك لأن الاجتماع جاء بالتزامن مع التصعيد الخطير للنظام وحلفائه في جنوب إدلب، ما أوقع مجازر راح ضحيتها مدنيون في منطقة جبل الزاوية خلال الأيام والأسابيع الماضية.
لكن مصدراً عسكرياً في المعارضة السورية أشار، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إلى أن رفع الجاهزية يأتي في معرض “الاستعداد لأي احتمال ليس أكثر”، موضحاً أن “فترة عيد الأضحى قد تدفع بعض العناصر للتراخي في نقاط الرباط، مع احتمال استغلال قوات النظام وحلفائها لذلك”. ولفت المصدر إلى أنّ التطورات الحالية تجعل الأمور في إدلب ومحيطها أكثر تعقيداً، لجهة إمساك زمام المبادرة من قبل المعارضة العسكرية المدعومة من أنقرة، مشيراً إلى أنّ الوضع الإقليمي يرخي بظلاله على الميدان في سورية، لا سيما في شمالها.
وأوضح أن “هناك خلافاً بين روسيا وتركيا حول من سيملأ الفراغ الذي سيتسبب به انسحاب الأميركيين من أفغانستان، وهذا الخلاف انعكس سلباً على منطقة إدلب، وكأن روسيا تذكّر تركيا بأنه بإمكانها الانقلاب على التفاهمات المتعلقة بالمنطقة إن لم تراعِ أنقرة مصالحها في مناطق أخرى”. أما بخصوص الاجتماع الطارئ للائتلاف بالحكومة المؤقتة ووزارة الدفاع، فأشار المصدر (الذي لم يحضر الاجتماع)، إلى أن “الاجتماع ليس اعتيادياً، لكنه تشاوري أكثر من كونه محطة لاتخاذ قرارات جديدة”، مضيفاً أن “الجميع يعلم أن أغلب القرارات ليست بيد المجتمعين، لارتباط المنطقة بتركيا نظراً لوجود قوات لها فيها، وبالتالي قرار رفع الجاهزية والحرب والسلم ليس سورياً بامتياز، بل هناك شركاء فيه”.
ولم يخرج عن الاجتماع، بشكل رسمي، سوى بيان طالب الأمم المتحدة بالوقوف عند مسؤولياتها لحماية السكان في إدلب وريف حلب من الانتهاكات التي يرتكبها النظام وحلفاؤه بحقهم. ودانت الهيئة السياسية في الائتلاف في البيان “القصف الممنهج الذي يهدف إلى استمرار التهجير القسري، ويتسبب بتدفق موجات جديدة من النزوح واللجوء ويزيد من المعاناة الإنسانية للمدنيين في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها أصلاً، نتيجة الحرب التي يشنها النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون منذ أكثر من عشر سنوات عليهم”، وطالبت “الأمم المتحدة بتطبيق مبدأ المسؤولية عن حماية السكان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك تطبيق الفصل السابع من ميثاقها”.
لكن مصدراً في الهيئة السياسية للائتلاف، من الذين حضروا الاجتماع، فضّل عدم الكشف عن اسمه، قال في حديث مع “العربي الجديد”، إن الاجتماع ناقش ثلاث نقاط رئيسية؛ الأولى تتعلق بتكليف العسكريين المنخرطين في الهيئة السياسية والهيئة العامة للائتلاف، بدراسة جدوى عمليات الرد العسكري على النظام وزيادة قوتها، بمعنى أن النتيجة المطلوبة من الدراسة هي معرفة قدرة المعارضة على الصمود في حال زادت حدة الرد وحدث اجتياح من قبل النظام وحلفائه. أما النقطة الثانية، فتتعلق بتحريك الأمم المتحدة للوقوف عند مسؤولياتها لحماية المدنيين، كما جاء في البيان. والنقطة الثالثة، هي تكليف دائرة العلاقات الخارجية بمراسلة الدول الفاعلة في الملف السوري والحليفة للمعارضة، لاستدراج مزيد من دعمها في مواجهة التطورات والتحديات الحالية، وبشكل رئيس التواصل بشكل رسمي مع الجانب التركي، سواء مع جهاز المخابرات التركية أو الخارجية، للوقوف على موقفهم كحلفاء رئيسيين، وأيضاً معرفة ما إذا كانت هناك تفاهمات سرية بينهم وبين الروس حيال إدلب.
وأكد المصدر أن “الجانب التركي رد بشكل فوري على هذا الاستفهام بأن لا تفاهمات ولا اتفاقات سرية بينهم وبين الروس، وأنهم (الأتراك) يؤيدون وقف إطلاق النار، وسيدافعون عن الخطوط التي يقفون عليها مع المعارضة، ويواجهون أي اجتياح محتمل من قبل النظام وحلفائه”. وأشار المصدر إلى أنّ الجانب التركي “طمأن بأنه لا يمكن أن تكون هناك تفاهمات سرية، لكنه برر عدم الرد الكبير بأنه لا يريد ترك ذريعة للنظام وحلفائه بكسر وقف إطلاق النار، والبدء بعمليات اجتياح جديدة، وأنهم يردون عندما يكون الوقت مناسباً للرد”.
من جهته، قال النقيب ناجي مصطفى، المتحدث الرسمي باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، وهي إحدى فصائل المعارضة الفاعلة في إدلب والحليفة لتركيا، إنّ “النظام وروسيا لم يتوقفا عن استهداف المدنيين بالشمال السوري، والفصائل ترد بشكل مستمر”. وأضاف في تصريحات نقلتها صفحات الجبهة على الإنترنت: “رفعنا الجاهزية على جبهات القتال للتصدي لأي سيناريو يقوم به النظام والروس، ونتوقع السيناريوهات كافة على جبهات الشمال السوري”، مؤكداً أنه “سيستمر ردنا حتى نردع النظام والروس عن استهداف المدنيين”.
وفي اتصال مع “العربي الجديد”، أكد مصطفى أن قوات المعارضة “ردت على خروقات الأيام الماضية من قبل قوات النظام باستهداف مواقعه وثكناته في كل من جنوب إدلب وريفي حماة وحلب، وحققت إصابات مباشرة في صفوف قوات الأسد والمليشيات الحليفة لها”، مشدداً على أن “أيّ تصعيد سيقابله رد بالمستوى نفسه حتى يتم الردع وإيقاف الخروقات”.
وواصل النظام خروقاته في إدلب، أمس، حيث جرح نتيجة قصفه خمسة مدنيين، بينهم طفلان. وقال الدفاع المدني السوري في بيان له، أمس، إن قوات النظام السوري قصفت بالمدفعية منازل المدنيين في قرية أورم الجوز بناحية أريحا في ريف إدلب الجنوبي، ما أسفر عن إصابة 5 مدنيين بجروح، بينهم طفلان وامرأة. وأشار الدفاع المدني إلى أن القصف طاول بلدتي بليون والرامي وقرية كفرحايا وأطراف جبل بزة في ريف إدلب. من جهته، قال الناشط مصطفى المحمد، في حديث مع “العربي الجديد”، إن قوات النظام كثفت، صباح أمس، قصفها على قرى الفطيرة وسفوهن وفليفل في جبل الزاوية، حيث أطلقت أكثر من 200 قذيفة تسببت بأضرار مادية في ممتلكات المدنيين.
ودائماً ما يلوّح النظام وحلفاؤه بأحقية البدء بعمل عسكري للتوسّع أكثر في محافظة إدلب لردها إلى سلطته، الأمر الذي يشار إليه على أنه يرتبط بالتفاهمات التركية – الروسية حول إدلب ومحيطها، والتي لم تخرج بكل تفاصيلها إلى العلن، أو أنها غامضة وغير مفهومة، حتى بالنسبة للطرفين، في جميع التفاهمات والاتفاقات المتعلقة بإدلب، لا سيما اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين موسكو وأنقرة في مارس/ آذار من العام الماضي. ودفع المدنيون في إدلب ثمناً باهظاً للتجاوزات الروسية للاتفاقات، قتلاً وتهجيراً، إذ ضرب النظام بدفع روسي وإيراني، كل التفاهمات والاتفاقات السابقة عرض الحائط، وتوغل في إدلب ومحيطها، أو ما يعرف بـ”منطقة خفض التصعيد الرابعة” ليقضم أجزاء واسعة من جنوبها وغربها، ما أدى لنزوح حوالي مليوني مدني يواجهون الآن ظروفاً مأساوية في مخيمات النزوح، وسط اتهامات شعبية لأنقرة بالتراخي في الدفاع عنهم، على الرغم من وضع نفسها كضامن لتنفيذ الاتفاقات وحماية إدلب بنفوذها.
المصدر: العربي الجديد