يبدو أن الملف السوري، الذي اتخذ طابعاً دولياً، سيصبح وسط تنافس الغرب والشرق اقتصادياً وسياسياً، عبر زج معطيات الحرب السورية ونتائجها لاستخدامها كأوراق وأدوات ضغط في هذا التنافس المحتدم، بين الصين والولايات المتحدة اقتصادياً، وبين روسيا والولايات المتحدة سياسياً. في السياق، تبرز زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى دمشق، اليوم السبت، وفي جعبته ملفات سياسية واقتصادية، إذ تشير زيارة مسؤول صيني بهذا المستوى إلى دمشق للمرة الأولى منذ اندلاع الاحتجاجات ضد النظام عام 2011، إلى رسائل عدة. وفي مقدمة تلك الرسائل، تجاهل الصين العقوبات الغربية والأميركية تحديداً على النظام، بالإضافة لتمهيدها جدياً للانخراط بعملية إعادة الإعمار التي يروج النظام للبدء بها، بعد إنجازه الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار الماضي والتجديد لبشار الأسد من خلالها لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام. وتوجّه الصين رسائل سياسية في دعم النظام في ظل الحديث عن مشاركة الوزير الصيني في حضور مراسم أداء الأسد اليمين الدستورية.
وحول زيارة وانغ، أعلنت وكالة “سبوتنيك” الروسية أنه “سيناقش حزمة من الملفات الدبلوماسية والاقتصادية، يتعلق بعضها بالمشروع الصيني المعروف بطريق الحرير الجديد”. وأشارت إلى أن برنامج الزيارة ينطوي على استقبال الأسد للوزير الصيني، إضافة إلى عقد اجتماع مغلق مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد. وأضافت أن الوزير الصيني سيطلق ستة مشاريع اقتصادية استراتيجية في البنى التحتية، تتفرّع عن المشروع الصيني العالمي لـ”طريق الحرير الجديد”. كما نقلت الوكالة عن مصادر قولها إنها “لا تستبعد حضور الوزير الصيني مراسم أداء اليمين الدستورية للأسد، إيذاناً ببدء ولايته الجديدة كرئيس لسورية”.
وتأتي هذه الزيارة بعد إعلان صيني سابق من الرئيس الصيني شي جين بينغ بعد إجراء الانتخابات الرئاسية السورية، أن بلاده ستقدّم كل مساعدة ممكنة لسورية في سبيل إنعاش اقتصادها. وفي الوقت الحالي، تقدّم الصين دعماً للنظام لمواجهة فيروس كورونا، إذ سبق أن وصلت إلى دمشق دفعات عدة من المواد الطبية واللقاح الخاص بالفيروس. وتقف الصين إلى جانب نظام الأسد منذ عام 2011، وسبق أن استخدمت حق النقض “الفيتو” إلى جانب روسيا في مجلس الأمن ضد قرارات عدة تدين النظام.
أما بالنسبة لـ”طريق الحرير الجديد” فيعتبر من أبرز المشاريع الصينية الاستراتيجية، إذ تشارك فيه 123 دولة محاكاةً لطريق الحرير القديم، ويهدف إلى تسريع وصول منتجات الصين إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى. وكانت المستشارة السياسية لرئيس النظام السوري بثينة شعبان قد شاركت في إبريل/ نيسان 2019 في مؤتمر “حزام واحد، طريق واحد” في العاصمة الصينية بكين، وقالت إن الدول التي وقفت بجانب النظام خلال سنوات الحرب سوف يسمح لها فقط بالمشاركة في إعادة إعمار سورية. وأعربت عن أملها بأن تكون الصين وإيران وروسيا بين الدول المشاركة في الإعمار، بالإضافة لطلب الأسد ذاته دعم ومساعدة الصين في هذه العملية، مرحّباً بالاستثمارات الصينية في البلاد.
وفي ظل التركيز الأميركي على الملفات الإنسانية في سورية، بالمقام الأول، على الأقل في الوقت الراهن، يصعب التكهن بماهية التعامل الغربي والأميركي مع هذا المعطى الجديد، إذ لا تبدي واشنطن بعد وصول إدارة جو بايدن للسلطة كثيراً من الاهتمام بالضغط السياسي والدبلوماسي على النظام، رغم وجود “قانون قيصر” للعقوبات.
لكن سياسة واشنطن حيال القضية السورية، وبغض النظر عن توجه الإدارة التي تسيطر على الحكم فيها، تشدد على أن عملية إعادة الإعمار لا يمكن أن تتم، أو بالأحرى لا يمكن القبول السماح بها، إلا بإنجاز الحل السياسي الشامل، وفقاً للقرارات الأممية، وفي مقدمتها القرار 2254. وأساساً، فإن بنود “قانون قيصر” تمنع أي شركة أو كيان أو دولة من تقديم أي دعم اقتصادي للنظام في عملية إعادة الإعمار تحت طائلة الشمول بالعقوبات، بالإضافة إلى عقوبات أخرى. وتصرّ الولايات المتحدة على أن هذه العملية يجب أن تتم بعد إنجاز التسوية وإقرار دستور جديد، وإجراء انتخابات بموجبه لتفرز حكومة شرعية معترفاً بها، وإلا فإن تلك العملية (إعادة الإعمار) ستكون امتداداً لنهب ثروات السوريين وتبديدها من قبل النظام الحالي، ما يجعل إمكانية مواجهة هذا المعطى (الصيني) من قبل الولايات المتحدة أمراً وارداً كذلك، من دون التكهن بماهية الإجراءات المتخذة في واشنطن.
ويرى الباحث والسياسي رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، أن هذا التحرك الصيني تجاه الملف السوري والنظام تحديداً، يعتبر بشكل أو بآخر نوعاً من الاستجابة للطلبات الروسية لتعويم النظام، وجزءاً من تحدي الولايات المتحدة التي تصرّ على عزل النظام. ويضيف زيادة في حديث لـ”العربي الجديد”: “ربما ترى الصين في النظام أشبه بالفريسة التي لا شروط لها، وبالتالي تستطيع أن تملي عليه الشروط الاقتصادية التي تريدها. والصين تجيد وتحسن فعل ذلك كما فعلت مسبقاً في سريلانكا، وغيرها من الدول في أفريقيا الخارجة من الحروب الأهلية”. وبالنسبة للتعاطي الأميركي مع هذه الزيارة، يشير زيادة إلى أن واشنطن لا تستطيع الضغط أو منع الصين ومسؤوليها من إجراء مثل هذه الزيارات، لكونها جزءاً من سياسة الصين الداخلية، لكنه يعتقد أن واشنطن ستزيد من أهمية تطبيق قيصر ومنع تعويم النظام بأي شكل، لافتاً إلى أن “هناك صداما أميركياً – صينياً بسبب الاقتصاد، وربما تضاف الساحة السورية إلى هذه الجبهة”.
المصدر: العربي الجديد