تورشتين وورن باحث نرويجي مختص بالشأن السوري، بدأ زيارته لسورية منذ عام ٢٠٠٢، على التوالي، ومكث فيها فترات مختلفة متعلما اللغة العربية، استمر ذلك لسنوات تتوجت عبر انتاجه كتابه هذا، الذي نشره عام ٢٠٠٧م ثم تأخرت ترجمته ومن ثم نشره لأكثر من عشر سنوات.
كتاب العلويون – الخوف والمقاومة، له عنوان متمم وهو: كيف بنى العلويون هويتهم الجماعية في سورية؟.
يتحدث الكاتب عن اهتمامه في سورية، وأن بحثه عن العلويين في سورية، هو تتمة لبحثه الأكاديمي لنيل شهادة الماجستير، حيث زاد الاهتمام بسورية بعد هجمات الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١ على أمريكا، وردة فعل أمريكا باحتلال افغانستان ثم العراق، وتهديد الامريكان للنظام السوري بمصير صدام حسين وسقوط نظامه بالعراق. وان سورية أصبحت في فترة زمنية وجيزة مركز اهتمام عالمي.
- حساسية الموضوع المبحوث وخطورته.
جاء الباحث إلى سورية، وهو مدرك أنه أمام نظام استبدادي، يمنع الحصول على المعلومات إلا عبر قنوات رسمية تمثل وجهة نظر النظام الحاكم. خاصة أن الموضوع الذي يراد بحثه عن العلويين، موضوع من صميم السلطة السورية، وهو موضوع مسكوت عنه، فيه الكثير من التورية والتجهيل والتعمية، وهو بالصميم يتعلق بأمن النظام الحاكم، الذي يصفه البعض بأنه نظام علوي استبدادي طائفي يحكم سورية. لذلك اعتمد الباحث على الدخول الموارب وغير المباشر مع الذين التقى بهم، خاصة انه اجنبي، وهناك تشكيك دائم بنوايا الأجانب واعتبارهم مشاريع جواسيس دومًا. استقى الباحث معلوماته عن العلويين في سورية، من شبكة علاقات متنوعة، بعضها اعتمد الرصد المباشر، وبعضها اعتمد الأحاديث التي تظهر أنها عرضية وغير رسمية، لكنها جزء من خطة الباحث، والبعض الآخر اعتمد على مقابلات مرجعية منظمة ومتكررة، لتغطية البحث من جوانبه المختلفة.
- المنهجية المعتمدة.
تناول الباحث منهجيته العلمية التي اعتمدها في دراسته عن العلويين، حيث اعتمد المنهجية البنائية التي تعتمد البنية المدروسة كمرجع أول للمادة البحثية، وأنه رجع لكثير من المراجع المتداولة عن العلويين عبر الانترنت، فوجد أن أغلب المتحدثين عن العلويين كانوا من خارجهم، كما أن الطابع السري للأفكار والعقائد هو الغالب، مما يعطي مبررًا للقول عنهم ما ليس فيهم، سلبا وايجابا، دون أي درجة من اليقين، لذلك كانت منهجية الباحث تعتمد على دراسة العلويين من داخلهم وعبر خطابهم هم بما يرونه عن أنفسهم. مع ذلك كان البحث صعبا، لأن العلويين يعيشون ظاهرا متعايشا مع مجموع الناس المختلفين عنهم دينيا ومذهبيا وسلوكيا، وباطنا مختلفا. إضافة للطابع السري لعقائد العلويين، والطابع النخبوي في الاطلاع على الدين داخلهم. اول خطوات منهجية البحث هي دراسة البنية الاعتقادية المعتمدة عند العلويين، يعني ما يقولون هم عن انفسهم، وهنا نحن امام قوس واسع من الأفكار والاعتقادات عن انفسهم. لم يكونوا موحدين بالرؤية حول أنفسهم، كما أن درجة البوح كانت متفاوتة.
- العلويون اعتقادا وتاريخا.
- وقف الباحث كثيرا عند ندرة المراجع الموثقة عن العلويين، وخاصة الصادرة عنهم، فهم يعتمدون كتابات داخلية لا يتداولها إلا قلة، تتحدث عن الدين عندهم. وعاد الى المستشرقين الغربيين وكيف تحدثوا عن العلويين، كان أهم مرجع لهم وعنهم كتاب “الجموع” الذي نشره أحد العلويين منذ ايام العثمانيين، كان قد غير دينه الى الإسلام والمسيحية واليهودية، وجاء اخيرا من قتله من العلويين عقابا له عن فعلته.
- تاريخهم:
حول وجودهم التاريخي هم كما يتحدثون عن انفسهم عرب مسلمون يتبعون المذهب الشيعي الاثنى عشري، تمايزوا عن الآخرين باتباعهم ابن نصير أحد أتباع الإمام الحادي عشر الشيعي. يعتبر العلويون أن مرحلتهم الذهبية كانت في عصر سيف الدولة الحمداني حاكم حلب في القرن الثالث الهجري. وأنهم كانوا متواجدين بالمدن خاصة حلب ولهم مساجدهم وعباداتهم وسلوكياتهم العلنية. عاشوا احساسا بالمظلومية اتجاه المسلمين السنة، وأنهم كانوا ضحية مذابح متتالية لاختلافهم العقائدي عن المسلمين السنة، وتحالفاتهم السياسية في مراحل مفصلية من التاريخ. يتحدثون عن تعامل إيجابي بينهم وبين المسيحيين اجتماعيا وحتى عقائديا، رحبوا بالصليبين في القرن العاشر ومابعد، كما بعض المسيحيين حين جاؤوا الى المشرق العربي، وتحالفوا معهم بعمق الى درجة التزاوج بينهم، وهذا ما يفسر لون بشرتهم البيضاء وشعورهم الشقراء والعيون الزرق بكثافة بينهم. كانت انتكاستهم الواقعية وبداية اضطهادهم الجدي في عهد السلطان المملوكي بيبرس وقبله صلاح الدين الأيوبي، الذي طرد الصليبيين من بلاد الشام، وعاقب العلويين على تحالفاتهم مع الصليبيين، حيث استندوا في ذلك على فتوى ابن تيمية، الذي أنكر إيمانهم وإسلامهم وتحالفاتهم مع الصليبيين وهدر دمائهم. كانت ذروة اضطهادهم ومذابحهم يوم توسع العثمانيون باتجاه بلاد الشام ووصولهم الى حلب حيث كثافتهم السكانية، بدءً من عام ١٥١٦م، ووقعوا ضحية مذبحة في مراكز تجمعاتهم وجوامعهم. هرب منهم من تبقى الى جبال الساحل السوري، وسميت جبال النصيرية. واستقروا هناك محتمين بـ وعورة الجبال، يعيشون ضنك الحياة، متمسكين في اعتقاداتهم. استمر هذا الحال حتى بداية العصر الحديث وعودة الغرب مجددا الى بلادنا عقب الحرب العالمية الأولى وإسقاط الخلافة العثمانية، وخضوع سورية للنفوذ الفرنسي، بعد اتفاقية سايكس بيكو التي اعطت لبنان وسورية للفرنسيين، وفلسطين والعراق للانكليز، وبداية تنفيذ وعد بلفور لليهود بفلسطين واستيطان اليهود فيها، مقدمة لإعلان دولة الصهاينة لاحقا. في سورية استقبل العلويون الوجود الفرنسي بالترحيب، خاصة بعد تقسيم الفرنسيين سورية لخمسة دول، واحدة منهم للعلويين في الساحل السوري، وكيف بعث مشايخهم وزعماء عشائرهم برسالة للمسؤولين الفرنسيين رافضين فيها الالتحاق بالدولة السورية، معللين ذلك باختلافهم عقائديا مع المسلمين السنة وأنهم اقرب للغرب المسيحي منهم للمسلمين في سورية. كما اعتمد الفرنسيون في بناء الولاء له في الادارة والالتحاق بالخدمة العسكرية على أبناء الطوائف غير المسلمين السنة، من العلويين والدروز والإسماعيليين. ثم ينتقل الباحث للتحدث عن سورية بعد الاستقلال، ودور الطوائف وخاصة العلويين في حركة آذار ١٩٦٣م وبعدها استقرار الحكم بيد حافظ الأسد العلوي، وتوسع الوجود والنفوذ العلوي في الدولة والمجتمع السوري. وكيف ينظرون الى ذلك باعتباره ميزة ام مأزق جديد سيعيدهم للمواجهة مع الاغلبية السنية آجلا أو عاجلا.
- عقائدهم:
يعود تأسيس العقائد العلوية الى المؤسس ابن نصير، وحسب كتاب الجموع المتسرب عنهم، وغيره من الوثائق، فإن الاعتقاد عند العلويين يتشبه التثليث عند المسيحية، الآب والابن والروح القدس، ليكون الثلاثي الظاهر محمد ص والباطن علي والرسول سلمان الفارسي، حيث يكون لعلي صفة الالوهية، ومحمد ص هو صورته صاحب النبوة، وسلمان الفارسي هو المبلغ. لذلك كانت تسميتهم بالعلويين، مقبولة منهم ضمنا، كما أنها الأقرب لحقيقة اعتقادهم. كما انهم يعودون ببعض اعتقاداتهم الى الفلسفة اليونانية.
هناك خطابان علويان أساسيان حول الاعتقاد:
*الاول الخطاب العلوي الإسلامي، الذي يؤسس رأي مفاده أن الرؤيا العلوية هي تفسير للقرآن والسنة التي يعتمدونها، أنهم مذهب شيعي مختلف ببعض التفاصيل عن المذهب الاثنى عشري.
* الثاني الخطاب العلوي النقدي، الذي يرى أن الاعتقاد العلوي يكاد يكون دين جديد، يأخذ من الإسلام والمسيحية والفلسفة اليونانية.
هناك اختلافات كثيرة في المسلك العبادي للعلويين، لهم طريقتهم الخاصة في الصلاة، يؤمنون بالأداء القلبي، وكذلك الصوم الذي لا يلتزمون به، والحج عندهم روحي وجداني، كما أنهم مرنين اتجاه المشروبات المسكرة، يتداولونها علنا ولا يوجد حالة تحريم لها بينهم، والعلاقات مع النساء فيما بينهم. وهكذا في اغلب المسلكيات الاسلامية.
- المرتكز النفسي الوجداني للعلويين مجتمعيا.
ينطلق العلويون في علاقتهم مع محيطهم المجتمعي، من حالة عداء عميقة الجذور تجاه المسلمين السنة، يعتبرونهم المسؤولين مباشرة عن مذابحهم السابقة ومظلوميتهم واقصائهم في الجبال، وهامشية في الحياة. مع ذلك هم يمارسون تقية شديدة حيث يتواجدون، يتعايشون مع الاختلاف الديني والاعتقادي، ليستطيعوا الاستمرار بالحياة وسط مجتمع معادي لهم وهم اقلية. يعتبرون المسيحيين أقرب إليهم عقائديا ومجتمعيا من المسلمين السنة، لذلك لا ينتظرون فرصة لمحاولة التمايز عنهم والانفصال إن أمكن، كما حصل في زمن الاحتلال الفرنسي لسورية.
- حضور العلويين في الواقع السوري الان.
لقد كان لإسقاط الخلافة العثمانية التي يراها العلويون دولة اضطهدتهم كل الوقت، قبولا وترحيبا من قبلهم، كما رحبوا بالوجود الفرنسي في سورية بعد ذلك، وطالبوا باستمرار دولتهم المستقلة التي انشأها الفرنسيون بداية احتلالهم لسورية. واحسوا بتميزهم عندما اعتمد الفرنسيون عليهم وعلى غيرهم من الطوائف في التجنيد في الجيش الفرنسي في سورية. كما استفادوا من الحق في الالتحاق بالجيش أيام الاستقلال الاولى، وبعد حركة آذار/مارس ١٩٦٣م اصبحوا جزء من البنية العسكرية للحكام الجدد. أما بعد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه عام ١٩٧٠م فقد اصبح الحكم ضمنا بيد العلويين. هناك اختلاف بين العلويين حول كون الحكم علويا أم لا؟. البعض يراه حكم عائلي متحالف مع غيره من الفئة الثرية المتنفذة في سورية من عموم طوائف سورية، والعلويين لم يصبهم اي تغيير ايجابي متميز، فهم ككل السوريين في حال نظر الى تبدل حياتهم نحو الأفضل. كما ان البعض يرى أن محاولة النظام ان يستثمر الطائفة العلوية لصالحه، ينعكس سلبا عليهم كطائفة، حيث يؤسس لمظلومية جديدة عندما يعود السنة لقوتهم والحكم، انهم يخافون من مذابح جديدة، اغلب العلويين كما يراهم الباحث صامتين عن فعل النظام بحق الشعب السوري عبر عقود، والبعض يتكلم باحثا عن حجج تبرر افعاله. فعندما يتم الحديث عن الصراع بين النظام والإخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي، يحيلون الموضوع إلى عدوانية أهل السنة وبالتالي كانت السلطة والعلويين في حالة دفاع عن النفس، وعندما يسألوا عن تصرفات جماعة رفعت الأسد وسرايا الدفاع ومجازر حماه وغيرها في سورية، يتحدثون عن اخطاء فردية لا تعبر عن العلويين كلهم. لقد تماهوا بالسلطة وبرروا تصرفاتها من جهة، واستثمروها لمصالحهم من جهة أخرى، كما أنهم خافوا من تبعيات فعلها عليهم مستقبلا.
ركز الباحث على دور النظام في تمييع موضوع التنوع الطائفي في سورية، فقد عمم المعتقدات الدينية السنية، وكذلك العبادات، خلق منهاجا تعليميا دينيا سنيا، ترك اعتقاد الطوائف الاخرى مجهّلة العلوية والدرزية والاسماعيلية، وسمح لبعض الدراسات ان تنشر، التي تعتبر الطوائف الأخرى قريبة من السنة وأن الاختلاف بينهم بسيط وشكلي. كانت ردة فعل العلويين مختلفة بين القبول والرفض، عن تركهم دون تعريف وفي المسكوت عنهم اعتقادا وسلوكا دينيا. كان هناك توافق مجتمعي علوي مع رجال الدين عندهم على قبول إدماجهم في العقائد القومية العليا لسورية والعروبة، وكأن الانتماء للعروبة وسورية يجعلهم يتجاوزون احساسهم باقليتهم ومظلوميتهم الكامنة في نفوسهم دوما. كل ذلك لا يغطي على واقع أصبح معاشا في سورية بعد عقود من استلام الأسد للسلطة وانتقالها للابن وهيمنة العلويين واقعيا على مفاصل الدولة والجيش والأمن والاقتصاد في سورية، واقع لم يتطرق له الكتاب.
الكتاب يعطي انطباعا أن العلويين مسكونين بهاجس العدائية بينهم وبين السنة وأنهم مهيمنين الآن لكنهم ينتظرون جولات صراع أخرى، واحتمالات مظلوميات جديدة تتراكم على مذابحهم في التاريخ.
هنا ينتهي الكتاب، وفي تحليله نقول:
- الكتاب مهم في موضوعه، فهو دراسة علمية في موضوع طائفي سوري ممنوع التفكير به، أو التكلم عنه. خاصة أننا أمام نظام يعتبر في الواقع الاجتماعي السوري، استبدادي قمعي طائفي علوى، يتغطى بكونه وطني سوري وقومي عربي. هناك ممارسات سلطوية طائفية، وادعاء إعلامي نقيض ذلك. الكتاب صدر ماقبل الثورة السورية باربع سنوات، وقبل الآن بما يزيد عن عشر سنوات، سنختم رأينا بقراءة دلالات الكتاب والموضوع في سورية عام ٢٠١٩م.
- الباحث يركز كمنهجية تحليل على فكرة البنية الاجتماعية للعلويين. كيف يرون انفسهم، وكيف يرون الآخرين، ويصل الى استنتاجات، هذه رؤية مطلوبة لكن ليست كافية. هناك رأي الآخرين الاديان والطوائف لنفسهم ولغيرهم سواء السنة السوريون والشيعة والاسماعليين والدروز، لكل معاناته ومظلوميته وسردياته الخاصة، منها الصواب ومنها الخطأ. كما يجب تسليط الضوء على الجانب السياسي بمعنى سلطة الحكم في سورية الحديثة منذ ما قبل العثمانيين الى الان. هناك فرق بين حكم شمولي لانظمة متحكمة بكل البنى الاجتماعية، على أصحاب الديانات المختلفة وعلى كذلك كل الطوائف، لم يكن الأمويين او العباسيين او سيف الدولة الحمداني او الفاطميين والمماليك والعثمانيين وحتى السلطة السورية الحالية، لم يكونوا معبرين واقعيا عن الاسلام السني او الشيعي او الاسماعيلي او العلوي، بل كانوا يعبرون عن مصالح شبكة الحكم وتوسعها العائلي والفئوي. كان الكل المجتمعي ضحية هذا الحكم الشمولي الاستبدادي ، وليكن مثلا الحكم العثماني، صحيح انهم اضطهدوا العلويين بداية، لكنهم اضطهدوا المختلفين معهم من كل الاعتقادات، كما أنهم استثمروا واستغلوا كل الشعب لمصالحهم، ولم يحم شعوب العالم الإسلامي تحت حكم العثمانيين أن أغلبهم كانوا مسلمين سنة. وهذه اهم نقطة ضعف في الكتاب، وأن الجانب السياسي ونوع الحكم هو الذي يزكي الاختلافات الاجتماعية والدينية، أو يحولها لنوع من التنوع المثمر والمطور للمجتمع. نريد القول ان الدول الاستبدادية الطغيانية تحافظ على تشتت المجتمع وتجزئته لأجل استمرار الهيمنة، بينما الدولة الديمقراطية، فهي تحول التعدد والتنوع الى عنصر بنائي إيجابي، كما هو الحال في المجتمعات الأوروبية العريقة بالديمقراطية. شعوب مرت بحروب اهلية ودينية وقومية تعيش الان في توافق اجتماعي سياسي مجتمعي داخل كل أمة ودولة وضمن الاتحاد الأوروبي. نؤكد أن تعددنا وتنوعنا الديني والقومي والطائفي، ليس عيبا خلقيا لا حل له. بل هو مادة بناء حضاري ايجابي في مجتمع ديمقراطي يحترم الشعب وتنوعه وحقوقه في الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والبحث عن الحياة الافضل وتحقيقها.
- أخيرًا:
الحديث عن العلويين في سورية منذ القدم الى الان، يماثل الحديث عن أي مكون ديني او طائفي او قومي في سورية، مع اختلاف تموضع هذا المكون في المعادلة الاجتماعية، وفي اللحظة التاريخية، الكل عاش مظلوميات، الكل يحتاج الى انصاف والى تحصيل الحقوق المادية والمعنوية، مرة اخرى ان كل مكونات الشعب السوري ضحية حكم سياسي استبدادي قمعي استغلالي، استثمر التعدد والتنوع المجتمعي ورعاه احيانا لمصالح استمرار الاستبداد والاستغلال. في سورية الحديثة ومنذ حركة آذار/مارس ١٩٦3م ثم بعد ١٩٧٠م وسيطرة حافظ الأسد على الحكم في سورية، سعى لخلق بنية عسكرية امنية سياسية واقتصادية مهيمنة ممن ينتمون له ولعائلته وعصبته الطائفية العلوية، كما عمل على التوسع في تجنيد شباب الطائفة ودفعهم ليكونوا في عصب الدولة على كل المستويات، وهذا خلق عند اغلب العلويين احساسا بأن هذه الدولة لهم وعليهم حمايتها ليحموا مصالحهم، كما انهم كانوا أدوات السلطة الاستبدادية السورية، سواء بالقمع او الاستغلال او بتنفيذ اجندة النظام داخلا وخارجا، لذلك كان هناك حراك وطني سوري ضد النظام القمعي بصفته الاستبدادية القمعية بشكل أساسي، وكان البعض ينظر له من خلفية طائفية. ولذلك كانت احداث الصدام بين النظام والقوى المعارضة له، تحوي كل القوى الوطنية الديمقراطية بتنوعها الديني والطائفي وتشمل كل سورية. هذا لا يغطيه الصراع الذي حصل بين النظام وحركة الإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة، كان ذلك رد طائفي على فعل طائفي ظالم، لكن الأصل هو الحراك الوطني الديمقراطي الذي قمع بشدة ووئد في ثمانينات القرن الماضي. ولا يغيب عن المشهد السوري دور النظام السوري في رعاية مصالح الدول العظمى، توافقات على أدوار في القضية الفلسطينية، ولبنان والحرب العراقية الايرانية، وتجميد الصراع السوري “الاسرائيلي”. كل ذلك يأخذ بعين الاعتبار، دور النظام كزبون مع هذه القوى العظمى وحمايته من السقوط في مواجهة الحراك الثوري الداخلي قديما وحاليا. الآن بعد ثورة الشعب السوري أعطي النظام الصلاحية ان يستعمل اعلى درجات القتل والتدمير والتشريد للشعب السوري، برضى دولي من القوى الدولية التي ترعاه، وتستثمر وجوده، وكان عماد النظام عسكريا المخزون الطائفي من شباب العلويين الذين أقنعهم وألزمهم بأنهم يدافعون عن دولتهم أو وجودهم. وكان ذلك مقدمة اصطفافات طائفية حتى من جهة بعض الثوار الذين انحرفوا ليكونوا في صفوف القاعدة وداعش والنصرة، وينحرفوا عن الثورة تماما.
لا مخرج لنا في سورية، إلا بالعودة لاصل انطلاقة ثورة الشعب السوري، ثورة لاسترداد الحرية والكرامة وتحقيق العدالة والديمقراطية، في أجواء من المساواة على قاعدة المواطنة والحقوق المشروعة لكل السوريين الذين يعتزون في انتماءاتهم الدينية والطائفية والقومية، ويرونها جزءً من إغناء المجتمع، ويمارسون حقوقهم الانسانية كاملة في مجتمع ديمقراطي عادل.