أي مستقبل للعلاقات الجزائرية الأميركية؟

علي ياحي

أدى قرار ترمب بـ “اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء الغربية” إلى توتر بين البلدين. ولم تختلف رسالة الرئيس الأميركي جو بايدن عن تلك التي أرسلها سابقه المثير للجدل دونالد ترمب والموجهة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إذ أكد بعد أن هنأه بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 49 لـ عيد الاستقلال، “قوة رمزية عيدي استقلال البلدين بتاريخيهما المتقاربين وتقديره للشراكة والجهود الثنائية لدعم الاستقرار في المنطقة، خصوصاً في ليبيا والساحل”، متمنياً “توسيع التعاون وتعميقه مع الجزائر اقتصادياً وثقافياً”.

رسالة ككل الرسائل

وسجّلت الرسالة الأميركية اهتماماً بالقضايا الأمنية في العلاقات مع الجزائر، عكس ما يحدث مع بقية الدول التي تتمسك بالتعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي، الأمر الذي يجعل خط “الجزائر – واشنطن” فاتر سوى في مجالات الأمن ومحاربة الإرهاب.

وكانت رسالة ترمب في المناسبة ذاتها، تتمحور حول التعاون للقضاء على الأعداء المشتركين، في إشارة إلى ظاهرة الإرهاب العالمي وجائحة كورونا وحل الأزمات المشتعلة في القارة الأفريقية. وأعرب عن أن الولايات المتحدة مصممة على الاستمرار في العمل معاً، بما فيه الحرب على الإرهاب لاستعادة الاستقرار إلى شمال أفريقيا ومنطقة الساحل.

نوايا بايدن

وتعليقاً على الاهتمام الأميركي، يقول الدبلوماسي محمد خدير لـ “اندبندنت عربية” إن “العلاقات الدولية تُبنى على المصالح. وعليه، فإن واشنطن التي تعي جيداً أن الجزائر دولة قوية في المغرب العربي وأفريقيا تقريباً، من ناحية الموقع، وكذلك الجيش، وغيرهما من الاعتبارات، تسعى إلى أن تمنع ميلها إلى روسيا بشكل كامل”، مضيفاً، “المصالح مع الولايات المتحدة يجب أن تحركها الجزائر التي تحتاج إلى الاستثمارات وإنعاش التجارة الخارجية”.

وتابع، “من غير المعقول أن تنتظر الجزائر تحركاً أميركياً في هذا الاتجاه، على اعتبار أن واشنطن تستهدف تحريك الأمور سياسياً وأيديولوجياً وعسكرياً فقط، أما دون ذلك، فعلى الجزائر القيام بما يجب”، وأوضح أن “نوايا بايدن إزاء البلاد ستظهر خلال الأشهر المقبلة، لست متفائلاً بأن يكون هناك بين الجزائر وواشنطن أي تقارب من الناحية الاقتصادية، بسبب مشكلات عدة تعيق التعاون في هذا الإطار”.

وأردف خدير، “ليس هناك أي بوادر تشير إلى اتجاه الجزائر نحو تجاوز التوتر الخفي الذي تسبب فيه الرئيس السابق ترمب، لأن الولايات المتحدة لم تتراجع عن قرار مغربية الصحراء الغربية، وهذا أكبر دليل، وغيره حديث أميركي للتسويق فقط”.

إرث ترمب

وأدى قرار ترمب بـ”اعتراف بلاده بسيادة المغرب على الصحراء الغربية” إلى توتر بين البلدين، وإن لم يبلغ درجة تبادل التصريحات والاتهامات بسبب ضبط النفس.

غير أن القرار “أغضب” الجزائر التي ردت في بيان لوزارة الخارجية، قائلة إن القرار “ليس له أي أثر قانوني”، لأن “النزاع في الصحراء الغربية مسألة تصفية استعمار لا يمكن حله إلا من خلال تطبيق القانون الدولي والعقيدة الراسخة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بهذا الخصوص”.

وتابعت أن هذا يعني “الممارسة الحقيقية من قبل الشعب الصحراوي لحقّه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال، وفقاً لأحكام اللائحة الأممية رقم 1514 المتضمنة منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة”.

وشددت الجزائر على أن اعتراف ترمب “يتعارض مع كل قرارات الأمم المتحدة، بخاصة قرارات مجلس الأمن بشأن مسألة الصحراء الغربية، وآخرها القرار رقم 2548 الصادر بتاريخ 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2020، الذي صاغه ودافع عنه الجانب الأميركي”، معتبرة أن “هذا الإعلان من شأنه تقويض جهود خفض التصعيد التي بُذلت على مختلف الأصعدة من أجل تهيئة الطريق لإطلاق مسار سياسي حقيقي وإقناع طرفي النزاع، المملكة المغربية وجبهة البوليساريو، بضرورة الانخراط في الحوار من دون شروط، تحت رعاية الأمم المتحدة وبدعم من الاتحاد الأفريقي”، وختمت أن “موقفها يستند إلى الشرعية الدولية ضد منطق القوة والصفقات المشبوهة”.

14 ملياراً في ثمانية أعوام

الفتور بين واشنطن والجزائر ترجمه ضعف الاستثمارات الأميركية التي لم تتعدَّى 14 مليار دولار منذ 2014، وفق إحصاءات رسمية، بسبب المنافسة الشرسة للصين وروسيا وحتى تركيا التي دخلت على الخط في الأعوام الأخيرة.

وعلى الرغم من ترقب تغيير في “حرارة” العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد فوز بايدن، فإن رسالة هذا الأخير بمناسبة استقلال الجزائر واستمرار العبارات والإشارات والاهتمامات ذاتها، يؤكدان أن واشنطن لا تزال تريد الجزائر كـ “دركي” في المنطقة، خصوصاً أمام الميل كل الميل نحو الدب الروسي والعملاق الصيني.

وفي السياق ذاته، نشر معهد واشنطن دراسة تحت عنوان “روسيا تشق طريقها في شمال أفريقيا”، أوصى فيها إدارة البيت الأبيض بضرورة منح الجزائر أولوية من ناحية تحقيق انفتاح اقتصادي وسياسي، ودعاها إلى التخلي عن الحذر التقليدي في العلاقات مع الجزائر، ونبّهها إلى التوسع الروسي المتنامي في كل دول المغرب العربي، وهو ما يُعتبر “التحدي الكبير للمصالح الأميركية الاستراتيجية”.

أمل وآفاق

إلى ذلك، يرى السياسي أمين الصادق في حديثه إلى “اندبندنت عربية” أن بايدن ينتمي إلى جناح العولمة الذي يؤمن بالتكتلات الإقليمية والتحالفات الاستراتيجية الكبرى، خصوصاً الاقتصادية والعسكرية، ولعله يستثمر في بعض القرارات الصعبة التي اتخذها سلفه في منطقة شمال أفريقيا، لا سيما الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

وقال، “الإدارة الأميركية تحاول أن تخفف التوتر من خلال فتح آفاق للتعاون، وتراهن على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في حلحلة المشكلات الأمنية بمنطقة الساحل وليبيا”، معتبراً أن الجزائر تحتفظ بعلاقات قوية واستراتيجية مع الغريمين الروسي والصيني اللذين أصبح لهما دور كبير في القارة السمراء بعد انحياز الدور الفرنسي إلى الأنظمة الديكتاتورية في عدد من الدول الأفريقية التي أصبحت تشكل تهديداً لاستقرار المنطقة والعالم.

وأضاف الصادق أن “إدارة بايدن تحاول أن تستغل العلاقات التاريخية المتميزة مع الجزائر للولوج لأدغال أفريقيا تحت مظلة الديمقراطية والعولمة الاقتصادية والتكنولوجية، وهي تعلم أن الجزائر هي مركز توازن مهم بين “العم سام”، و”الدب الروسي” و”التنين الصيني” في منطقة الساحل وشمال أفريقيا”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى