لجنة الحوار الإصلاحي الأردني وجدل الهويات: من «فخخ» ماذا ولماذا؟

بسام البدارين

أقرب وصفة محتملة لتفكيك عمل لجنة الحوار الإصلاحي مسبقا وإعاقتها تتمثل في طرح ما يسميه الإعلامي الأردني عبد الله بني عيسى بـ»الجدل الهوياتي» على الطاولة. ليس سرا ان مستوى التجاذب ارتفع مؤخرا في نقاشات لجنة الحوار بسبب العودة لسردية وقصة تعريف وصون الهويتين الأردنية والفلسطينية قبل الاشتباك مع الإصلاح السياسي الشامل.

وليس سرا بالمقابل أن بعض أعضاء اللجنة تورطوا في مثل هذا الاشتباك خلال التغافل عن حالة الزحام وهي تعيق اتجاهات لجنة بحجم 92 شخصا لا تربطهم أي صلة أو توافقات من أي نوع.

نشطت جهات بصورة مرجحة. ونشط بعض أعضاء اللجنة مؤخرا باتجاه التركيز على المفارقة الكلاسيكية القديمة والتي تتحدث عن تعريف هوية المواطن الأردني قبل الانصراف إلى إجراءات الإصلاح مهما كانت.

لا نحتاج إلى الغوص مجددا في التفصيلات كما قدر سياسي مخضرم من وزن طاهر المصري.

والإصلاح الحقيقي العميق فيه مصلحة للدولة اليوم أكثر من أي مصلحة للمجتمع وفقا لما كرره أمام «القدس العربي» مرارا الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة.

لا أحد حتى اللحظة يريد الالتفات إلى فكرة تنحي جدل الهويات المؤرق ولو مرحليا لأغراض إنجاح مفاهيم تطوير المنظومة السياسية للدولة عشية مئويتها الثانية.

الثلث المعطل لأعمال اللجنة من أعضائها اندفع فجأة لطرح الورقة التي تعيق بالعادة أردنيا أي حوار إصلاحي أو تصالحي وهي ورقة الديموغرافيا والهويات وعلاقة أي وصفة إصلاحية بهما.

بدأ المسلسل في تخفيض سقف توقعات لجنة الحوار باجتهادات لبعض الأعضاء استبقت الأحداث وأعلنت انها لن تقبل تعديلات على قانون الانتخاب على أساس الحصص الديموغرافية. قيل ذلك مع أن أحدا لم يقترب بعد من مسألة التمثيل في نصوص القانون الانتخابي.

وقيل ذلك ردا فيما يبدو على الطروحات التي تبناها أعضاء في اللجنة بعنوان رمي الحق المنقوص والمكتسب معا في سلة المهملات والانصراف إلى مناقشة ثقيلة لمأسسة منهجية الوطنية وهو رأي سمعته «القدس العربي» أيضا من عضو اللجنة محمد الحجوج.

لاحقا تنشر فجأة تلك الدراسة التي تحذر من زعزعة الأمن والاستقرار في حال الإصرار على إصلاح سياسي شامل قبل نمو وتطوير الهويتين الأردنية والفلسطينية ثم بالتوازي محاولات متكررة داخل اللجنة لتخفيض سقف النقاشات مع ان التوجيهات الملكية واضحة وكانت عامة ثم تطرقت إلى التفاصيل في رسالة التكليف التي حظي بها رئيس لجنة الحوار الوطني سمير الرفاعي.

تم تخفيض سقف النقاش عدة مرات ورصد الرئيس الرفاعي يناور ويحاور ماشيا بين الألغام ومحاولا الحد من أي تأثير خارجي على اللجنة في مهمة بدت شبه مستحيلة وصعبة جدا ان لم تكن معقدة.

أول عقبة يمكن رميها في طريق أي حوار تبدأ من عند وضع العربة أمام الحصان على حد تعبير السياسي البارز ممدوح العبادي.

وهذا يبدو انه ما يحصل داخل مناخات اللجنة التي بدأت بطموحات ملكية وعريضة تقلصت الآن إلى إجراءات وتعديلات على نصوص ثم سرعان ما تحولت إلى تجاذبات وهي ترزح تحت وطأة إلقاء ملف الهويات والمكونات بصورة غريبة وغامضة أمام ستائر قنوات الحوار.

ذلك لا يحصل بالصدفة في المشهد السياسي الأردني بالرغم من ان مسألة الهوية الوطنية ليس بالضرورة حسمها الآن. لكن ذلك يحصل بالضرورة بالمقابل عندما تقرر شريحة ما تأزيم وتفخيخ الحوار عبر استنساخ الاسطوانات المكررة المشروخة عن جدل الهويات والمكونات والانتظار مجددا تحت سقف تأثيرات وعناصر يفترض انها مرتبطة بالصراع العربي الإسرائيلي.

المقاربات نفسها تبرز مجددا وتماما كما حصلت في الماضي. والاجتهادات نفسها تحاول عرقلة حوار إصلاحي عبر «كهربة «النقاشات وأسرع طريقة بالعادة لشحن مناخات الحوار بالطاقة السلبية هي تكرار واستنساخ مخاوف وهواجس الديموغرافيا والمكونات.

هنا يحتاج الرفاعي ورفاقه إلى مقاربة أذكى في الاشتباك تحرم التيارات المعاكسة للإصلاح من فرصة تعطيله مجددا حتى ولو داخل اللجنة المطلوب منها توافقات وليس امتثالات أو خلافات أو تجاذب.

وإلى ان يتسنى للرفاعي تنفيذ أي جهد والتقاط الأنفاس للعبور من اللغم الجديد لا بد من منهجية حوارية أقرب إلى البحث عن تفعيل وتنشيط المتفق عليه وتأسيس مسافة أبعد عن المختلف عليه، الأمر الذي يمكن اعتباره مهمة نبيلة وأساسية تقع ضمن مسؤوليات الجميع.

المصدر:»القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى