الروائي السّعوديّ  آل زايد: طموحي أن أبلغ القمر، وإذا لم أصل سأبقى بين النّجوم

حوار: د.هناء الصاحب

-من لا تاريخ له، لا حاضر له، والتاريخ يعيد نفسه، ومع ذلك الأخطاء تتكرر، فلماذا لا نكتب عن التاريخ؟، الروايات التاريخيّة مشاريع سينمائيّة مرغوبة.

-ماء العينين القلقمي، من ذرية النبي محمد، من سلالة بني هاشم، وهذا الانتماء له اعتبار عند الكثير من المسلمين.

– من المتوقع أن يتضخم الاتجاه الصوفيّ في الرواية العربيّة، ويسحب البساط من أقدام الشعر.

**

ضيفنا الروائي السعوديّ عبد العزيز آل زايد، كاتب وروائي نشر العديد من المقالات والنصوص في العديد من الصحف، منها: (صحيفة الوطن السّعوديّة، وصحيفة الرياض، وصحيفة البلاد البحرينيّة، وصحيفة دنيا الرأي، وجريدة الحرية، وصحيفة النّهار اللّبنانيّة، وسواها)، بالإضافة إلى عدد من المجلات، منها: (مجلة المعرفة، ومجلة سحر الحياة، ومجلة أسرة مغربية)، وقد حصل على جائزة الإبداع عن مؤسَّسة ناجي نعمان الأدبيّة في بيروت، بروايته (الأمل الأبيض) لعام ٢٠٢٠م، الروائي آل زايد له العديد من الكتب والروايات، نشر حزمته الأولى عبر دار البشير للثقافة والعلوم، وكانت باكورة الإنتاج (رواية البردة)، ألحقها بسلسلة روائية (مهاجرون نحو الشرق)، حوارنا عن الجزء الثاني من هذه السلسلة وهي (رواية رائحة العندليب).

 

أهلًا وسهلًا بكَ ضيفًا كريمًا..

 

س١: الروائي المبدع عبد العزيز آل زايد، نبدأ معك بسؤالك، حول: الكيفية التي انتخبت بها أسماء روايات الثلاثية؟، وهل تعمدت الانتهاء بقافية الباء، وضح لنا سر اختيار هذه الأسماء؟

ج١: ليس الأمر سرًا، ولهذا نطرحه على الملأ، كانت الروايات عارية بلا أسماء، حتى بعد انجابها، وكان لزامًا على الأب الشرعي أن يسمي أبناءه، فكانت البداية للوسطى (رائحة العندليب)، التي اُسْتل اسمها من طائر العندليب الذي تتحدث عنه الرواية، ولطبعنا التنسيقي بزغ الاسم الثالث (شذا الحبيب)، إشارة للنبي الكريم محمد، أما الأولى (كرائم الطيب)، لتجتمع كل الأسماء بلازمة العطر، وقد ألزمناها قافية (الباء)، ليبقى جرسًا جميلًا في الآذان.

 

س٢: من الملاحظ أنّك تنتخب لكل رواية شخصيّة مقاومة تكافح الاستعمار، وفي رائحة العندليب، تخيرت شخصيّة الشيخ ماء العينين، وابنه الشيخ أحمد الهيبة، لماذا ركزت على هذين الشخصيتين، دون سواهما من القيادات؟

ج٢: لماذا ماء العينين وابنه؟، هذا السؤال يحتاج لتوطئة، ففي ظل الترويج الهابط كان من اللازم علينا أن نقارع الرموز بالرموز، فأيّ الرموز سننتخب؟ وأيّها سنختار؟، في بداية المشروع جمعتُ رتلًا من القيادات المقاومة التي تستحق أن تكتب بماء الذهب، ولأنه من الصعب علينا الكتابة عن الجميع، لمع في عيني صاحب الاسم المميز (ماء العينين)، ووقر في النفس، فهرعتُ للقراءة عنه، لأحيط به خُبْرا، رغم قلة السطور إلا أنه وقع فينا موقع الاستحسان لصفاته وخصاله، ورأيناه أهلًا للتكريم، ويستحق أن يصدر رمزًا للأجيال، فلماذا لا نُشِيْع محبته التي يغرق فيها محبوه لبقية الأقطار؟، وأقد تبعنا به سيرة ابنه وخليفته الشيخ أحمد الهيبة، الذي نحى منحى والده، كلتا الشخصيتين شكلت رمزًا مقاومًا لطرد المحتل الغاشم، ولهذا وجب الحديث عنهما وعن سيرتهما الطيبة.

 

س٣: لا ريب أنّك طالعت العديد من الصفحات في سيرة الشيخ ماء العينين، ما الذي جذبك في شخصيّته، حتى استحق منك كل هذا الاهتمام؟

ج٣: الصراحة تقول أنّ الأدباء عادة لا يتعرض للشخصيات المريتانيّة، والانعزال الجغرافيّ ليس مسوغًا لهذا الاجحاف، فمن منا سمع عن (مامينا وقلقم)، وهم من أجداده، ومن منا سمع عن (مدينة السّمارة وتزنيت)، وهي مناطق تاريخيّا هامة، ولعلّ ما لا يعرفه الكثيرون أنّ ماء العينين القلقمي، من ذرية النبي محمد، من سلالة بني هاشم، وهذا الانتماء له اعتبار عند الكثير من المسلمين، والمرء يُحْفَظ في ولده، وإنّ لهذا النسب دور كبير في الزعامة العربيّة، فما الجاذب في شخصيّة ماء العينين؟، الجواب، أنّه من العلماء النوادر، الذين لا يخافون في الله لومة لائم، يقاتل العدو رغم قلة العدد والعتاد، مؤمنًا أنّ النّصر من عند الله وحده، له العديد من الخصال الحميدة؛ فرغم ثروته كان سخيًا متواضعًا مع الجميع، يعد أبًا روحيًا للكثيرين، وهو رمز من رموز المقاومة في بلاد المغرب العربي ضد الفرنسيين والاسبان، حمل السلاح والمسبحة في ذات الوقت، وقد أحببت هذه الشخصية، فمن يقرأ تاريخ التحرير والمقاومة، سيدرك أهميته وأهمية ابنه الشاعر المجاهد الشيخ أحمد الهيبة، والغريب أن هذه الشخصيات غير معروفة إلا في محيطها، وهذا تقصير، رأيت أنه من الواجب علينا أن نشير لجهدهما وجهادهما، وهذا أقل القليل، لتقدير هذه الرموز الجليلة.

 

س٤: في روايتك رائحة العندليب، تتحدث فيها عن مولانا جلال الدين الروميّ، هل لك أن تحدثنا عن العلاقة بينه وبين المستشرقة الألمانية أنّا ماري ميشل؟

ج٤: لا صلة زمانية بين جلال الدين وأنّا ماري ميشل، فكلاهما من حقبتين مختلفتين، الرواية تزعم أنّ هناك علاقة صوفيّة روحيّة تمت بين الطرفين، ولعلّها طريقة مستحدثة في الأدب الصوفيّ، إذ لم نر علاقة صوفيّة وقعت بين شخصين بهذه الكيفية، ولعلّ رواية البردة هي من أفرزت لنا هذا الاتجاه المستحدث، أظن أنّ الأدباء يتأثرون ببعضهم، ومن الطريف أن يتأثر الروائي بنفسه.

 

س٥: لماذا هذا التوجه الصوفيّ؟، وهل تأثرت برواية قواعد العشق الأربعون؟، ثم هل تتوقع أن نرى توجهًا أدبيًا صوفيًا على الساحة العربيّة؟

ج٥: أنا من عشاق الأدب الصوفيّ، ومن المتأثرين به، لما يحمل من روحانيات تنعتق منها المادة، وتحلق فيها الروح، الأدب الصوفيّ والعشق الإلهيّ من أجمل صنوف الأدب، وقد أفرز كوكبة من المبدعين، كابن الفارض، والحلّاج، وابن عربيّ، وإنّني أرى أنّ الزعامة الأدبيّة تأول إلى الرواية، وقد تشعبت فروعها، حتّى برز لدينا الآن ما يسمى بالرواية الصوفيّة، والتي يحبذها عدد كبير من القراء حتّى من لا يعنيهم الشأن الدينيّ، لأجوائها التي تسرّي عن النفس منغصات الحياة، فهي تركز على القلب والحبّ والروح، في الآونة الأخيرة حلّقت عدّة أعمال صوفيّة متنوعة، من أبرزها قواعد العشق الأربعون، التي أصبح لها عشاقًا يفتشون عن كلّ رواية بذات النغم، ومن المتوقع أن يتضخم الاتجاه الصوفيّ في الرواية العربيّة، ويسحب البساط من أقدام الشعر، فعلى الشعراء أن يتداركوا، وليس مستبعدًا أن نرى أشكالًا متنوعة من هذا الصنف، بالنسبة لي اطلعت على الأدب الصوفيّ ومن قبله العرفان، وطالعت قواعد العشق الأربعون، وكانت تجربة ماتعة، لكن روايتنا بطبيعة الحال مختلفة شكلًا ومضمونًا، مع الإبقاء على النكهة الصوفيّة.

 

س٦: في هذه الرواية تستكمل قصة الشاب الجزائريّ جلال الفارس وصاحبته سيسلي؟، هل لك أن تحدثنا عما سيدور بينهما؟، بما تراه مناسبًا؟

ج٦: الحكاية التي بينهما تقع في جامعة كامبريدج، فكلا الشابين جلال وسيسلي طالبين في ذات الجامعة، بالمصادفة تقع عين جلال على هذه الطالبة الانجليزيّة الرقيقة سيسلي، فتغيب عن ناظريه، في هذا الجزء تعتزم سيسلي تعلم اللغة العربيّة، وتدور بينهما مناقشات جدليّة حول الثقافة الشرقيّة، يدافع فيها جلال عن نظرته أمام انتقادات سيسلي المُبْرحة.

 

ج٧: على صعيد الاستشراق، تتحدث في روايتك رائحة العندليب، على المستشرق الإنجليزيّ (جوزيف بيست)، من هذا المستشرق؟، وما حكايته؟

ج٧: المستشرق (جوزيف بيست)، أو (الحاج يوسف)، رغم كونه صغير السن، إلا أنه يعتبر واحدًا من أبرز المستشرقين، وقد قيد تجربته الشخصيّة في زيارته لمكة المكرمة، وهي تجربة فريدة، غبطه عليها الكثيرون، وسبب هذه الزيارة أنه كان مرافقًا لسيده الجزائريّ الذي يعتزم الذهاب إلى الحج، هذه الحكاية من صنف أدب الرحلات، وهي قصة لطيفة تستحق المطالعة.

 

س٨: كل من يطالع رواياتك، يدرك أن لك توجهًا تاريخيًّا، فهل لك روايات أخرى؟، ولماذا هذا الإسهاب في هذا الجانب؟

ج٨: مقولة شهيرة لا تخلو من الصحة، وهي: “من لا تاريخ له، لا حاضر له”، والتاريخ يعيد نفسه، ومع ذلك الأخطاء تتكرر، فلماذا لا نكتب عن التاريخ؟، أنا من المغرمين بالتاريخ وحكاياته، ففيه الكثير من العبر والمواعظ القيمة التي نستفيد منها، وأظن أن هناك معجبين بهذا الصنف، ولعلّ العدد الكبير للمتابعي المسلسلات التاريخيّة يكشف لنا هذا النهم من قبل الجمهور، ثم أن الروايات التاريخيّة مشاريع سينمائيّة مرغوبة، أما عن بقية انتاجاتنا، فلدينا توجه للكتابة في أدب الأطفال، والكتب الثقافية العامة، ولنا توجه روائي في روايات الخيال، منها رواية الأمل الأبيض التي ينتظرها الكثير.

 

س٩: نرى أنّ لك همة وطموح، ما هو سقف طموحاتك؟، وإلى ماذا تريد أن تصل؟

ج٩: طموحي أن أبلغ القمر، وإذا لم أصل سأبقى بين النجوم، ليس من الصحيح وضع سقف للطموحات، فالناجح له خط بداية، أما النهاية فتكون في الرمق الأخير.

 

المصدر: رأي اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى