إدارة بايدن تتنفس الصعداء وبينيت سيغير نهج سلفه المدمر في التعاطي مع واشنطن. بعد التأكد من نجاح اليميني نفتالي بينيت من تشكيل حكومة ائتلافية يرأسها بالتناوب مع الوسطي يائير لبيد لإزاحة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو عن السلطة في إسرائيل بعد 12 عاماً من الحكم، تباينت التحليلات السياسية في واشنطن حول انعكاس ذلك على سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وما إذا كان رحيل نتنياهو سيكون عاملاً مساعداً يشجع على انخراط الأميركيين أكثر للدفع بمسيرة السلام مع الفلسطينيين؟ أم أن بينيت الذي يعارض قيام دولة فلسطينية ويؤيد الاستيطان ولا يتمتع بخبرة دولية، لن يكون في وضع يسمح له بتحريك ملف السلام أو التعاون بشكل أفضل مع الولايات المتحدة؟
علامات ارتياح
يتصور مارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل والمبعوث الخاص السابق للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتنفس الصعداء الآن بشكل جماعي تعبيراً عن الارتياح من صعود دماء إسرائيلية شابة جديدة إلى السلطة يمكن التعامل معها بشكل أفضل.
لكن من الناحية العملية، تمثل الاختبار المبكر للحكومة الجديدة في لقاء بيني غانتس وزير الدفاع الحالي، الذي سيكون جزءاً من التحالف الإسرائيلي الجديد مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في البنتاغون، إذ تتطلع إسرائيل إلى تجديد مخزونها من صواريخ نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي، وهو ما جدد أوستن التأكيد على التعاطي الإيجابي الأميركي مع هذا الطلب مشيراً إلى دعم الرئيس بايدن تجديد نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي الإسرائيلي، والذي يطالب الإسرائيليون بمليار دولار من الولايات المتحدة لمزيد من الصواريخ الاعتراضية بعد مواجهة استمرت 11 يوماً مع حركة “حماس”، الشهر الماضي.
ترقب أميركي
وفي حين أوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال لقائه غانتس أن الحديث تطرق إلى العمل الذي يجب القيام به للمضي قدماً في المساعدة الإنسانية وإعادة الإعمار لغزة وللفلسطينيين، إلا أن إدارة بايدن لا تزال تترقب مدى تماسك الحكومة الجديدة التي تبدو في تنوعها مقلقة للكثيرين وهشة بطبيعتها وغير متماسكة أيديولوجياً، وتتفق الأحزاب الثمانية التي تشكل هذا الائتلاف على القليل بخلاف قناعتها المشتركة بضرورة طرد بنيامين نتنياهو من منصبه، وقد يكون من الصعب رؤيتها تتعامل مع التحديات المنهجية، بل يكاد يكون من المستحيل تخيل توصل الحكومة الجديدة إلى اختراق مهم مع الفلسطينيين في أي وقت قريب بينما يتكهّن السياسيون الإسرائيليون والأميركيون علانية بعدد الأشهر التي ستمضي بها هذه الحكومة قبل إجراء الانتخابات مرة أخرى.
نفوذ بايدن يتزايد
ومع ذلك، إذا صمد هذا التحالف بقيادة زعيم المعارضة يائير ليبيد، وزعيم حزب “يمينا” اليميني نفتالي بينيت الذي سيتولى رئاسة الوزراء في الفترة الأولى لمدة عامين، فقد يرى الرئيس الأميركي جو بايدن أن نفوذه على إسرائيل يتزايد مع عدم رغبة الحكومة الجديدة الهشة التدخل في واشنطن.
وحسب جويل روبين، نائب مساعد وزير الخارجية السابق خلال إدارة أوباما، فإن الحكومة الهشة الجديدة ستكون مترددة في إضعاف العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن المرجح أن يكون لدى بايدن مساحة أكبر الآن مع الحكومة الإسرائيلية أكثر مما فعل مع نتنياهو حينما كان على رأس السلطة.
ولكن إذا أمكن للتحالف أن يظل متماسكاً، يظل السؤال هو: إلى أي مدى يمكن لهذا التحالف أن يتعاطى إيجابياً مع أية جهود أميركية يمكن أن تجري مستقبلاً للدفع بمسيرة السلام من جديد؟
من قماش نتنياهو
بالنسبة لكثيرين، يبدو بينيت الذي ينتظر أن يتولى رئاسة الوزراء أولاً وكأنه متشدد مقطوع من قماش نتنياهو، فعلى الرغم من توتر العلاقات بين الرجلين، إلا أن بينيت ينتمي لحزب قومي يميني متشدد، وأول يهودي أرثوذكسي يتولى هذا المنصب، وهو يدافع عن الاستيطان الإسرائيلي ويرغب في ضم الضفة الغربية ولا يؤمن بالدولة الفلسطينية.
لكن الائتلاف الذي يغطي أطيافاً مختلفة من التيارات السياسية الإسرائيلية، بما في ذلك القائمة العربية الموحدة، الذي سيكون أول حزب سياسي عربي في الحكومة منذ عقود، قد يُجبر بينيت على الابتعاد عن اليمين والاقتراب باتجاه الوسط، وهو ما يتوقعه أيضاً مارتن إنديك الذي يتوقع أن يتعرض بينيت للضغط من قبل المستوطنين لتقديم المساعدة لهم، إلا أنه لن يكون قادراً على متابعة أجندته السابقة.
ولن يكون هذا التغير إن حصل غريباً بالنظر إلى تجارب رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين من ذوي الميول اليمينية الذين انخرطوا في عملية السلام مع الفلسطينيين، بمن فيهم مناحيم بيغن وإسحاق رابين وشمعون بيريز.
متعصب أم برغماتي؟
وفي حين يعتقد الناس أن بينيت متعصب، إلا أن السياسيين المقربين منه يقولون إنه متسامح خلف الأبواب المغلقة، وبراغماتي في القلب، فهو الابن الثري لمهاجرين أميركيين وأمضى جزءاً من طفولته في الولايات المتحدة وكندا، ونشأ محاطاً بثقافة علمانية، وأمضى جزءاً كبيراً من حياته في عالم الأعمال العلماني في نيويورك حين أسس شركة برمجيات باعها لاحقاً مقابل 145 مليون دولار ليعمل كرئيس تنفيذي لشركة أخرى.
وبينما دخل بينيت البرلمان الإسرائيلي لأول مرة قبل ثماني سنوات وهو غير معروف نسبياً وعديم الخبرة على الساحة الدولية، إلا أنه حقق إنجازاً استثنائياً حتى بمعايير السياسة الإسرائيلية، فقد وصل إلى المنصب التنفيذي الأعلى في إسرائيل على الرغم من أن حزبه فاز بسبعة مقاعد فقط من أصل 120 مقعداً في الكنيست الإسرائيلي، ولهذا سيكون بينيت حريصاً على الحفاظ على التحالف والحكومة في مواجهة الذين ينتظرون انهيارها السريع.
بداية جديدة
وعلى الرغم من أن بينيت وكثيرين من الائتلاف الجديد يعارضون قيام دولة فلسطينية، إلا أنه يمكن للحكومة الجديدة، من ناحية إصلاح بعض الأضرار التي وقعت بين المجتمعات اليهودية والعربية داخل إسرائيل، بعدما انخرطت في اشتباكات عنيفة أثناء القتال في غزة، ومن ناحية أخرى يمكن لبينيت أن يمنح إسرائيل بداية جديدة مع إدارة بايدن، بعدما سمم نتنياهو علاقاته مع الديمقراطيين من خلال الانحياز بقوة إلى الحزب الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب، ومن خلال شنّ حملة ضد الاتفاق النووي مع إيران الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما، وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لن ترحب بتجديد هذا الاتفاق الذي يسعى إليه الرئيس بايدن، إلا أنها على الأقل قد تمتنع عن محاولة تخريبه.
ولعل أبرز القضايا التي ربما تعمل حكومة بينيت على علاجها هي تنشيط دعم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإسرائيل في الولايات المتحدة بعدما رفض نتنياهو الابتعاد عن الصراع الحزبي الضار للعلاقة الأميركية الإسرائيلية والذي وصل إلى ذروته خلال فترة ولايته.
مصالح مشتركة
لعقود من الزمان، أدرك رؤساء الوزراء الإسرائيليون الضرورة الاستراتيجية لضمان أن تكون العلاقات الثنائية الأميركية الإسرائيلية مدفوعة بالمصالح والقيم المشتركة، حينما تجنبوا أن تصبح إسرائيل قضية حزبية سياسية داخلية مثيرة للانقسام في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من الصخب الذي أثاره اليسار الليبرالي في الحزب الديمقراطي بشكل متزايد بشأن إسرائيل والذي تصاعد بقوة خلال الحرب الأخيرة مع “حماس” في قطاع غزة، فقد ظل موقف القطاع الأوسع من الأميركيين إيجابياً إزاء إسرائيل قبل أن تتغير العلاقة وتصبح مسيسة بشكل مفرط بسبب الاتهامات بالتدخلات المتبادلة في الدورات الانتخابية لكل منهما.
نقطة تحول
وجاءت نقطة التحول البارزة عام 2015، عندما نسق نتنياهو مع الجمهوريين لإلقاء خطاب أمام الكونغرس بمجلسيه من خلف ظهر إدارة أوباما، وهو ما جعل جو بايدن الذي كان نائباً للرئيس آنذاك يتغيب عن الحضور، وغاب عشرات من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس، بمن فيهم العديد من أصدقاء إسرائيل القدامى، الذين نظروا إلى تصرف نتنياهو أنه تدخل فظ غير شرعي في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة.
وبدلاً من تغيير سياساته، ضاعف نتنياهو من تحالف إسرائيل مع الجمهوريين ضد الديمقراطيين، ومع دونالد ترمب ضد بايدن لدرجة أن مستشاري نتنياهو نصحوه بأن تركز إسرائيل أولويتها لدعم الإنجيليين الأميركيين الذين يشكلون العنصر الأكثر صلابة في قاعدة ترمب الانتخابية، على دعم اليهود الأميركيين، الذين كانت استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبيتهم ستصوت لصالح بايدن.
ولأن الديمقراطيين المنغمسين بشدة في السياسة المحلية الأميركية أكثر من الديمقراطيين الذين لديهم وجهات نظر حول ما يجري على بعد آلاف الأميال في الخارج، اعتبر العدد الأكبر من الديمقراطيين أن نتنياهو حليف سياسي لأعدائهم الحزبيين في الداخل، وأصبحت تصورات بعضهم عن نتنياهو بعد 12 عاماً في السلطة هي التي تحدد وجهات نظرهم عن إسرائيل.
أفضل فرصة
ويرى مراقبون أميركيون أن نفتالي بينيت سيكون خلال أول زيارة له إلى واشنطن في أفضل فرصة تسمح له بأن يتعهد علناً بعدم التحالف مع أي طرف في الولايات المتحدة، وتوضيح أن العلاقة الثنائية يجب أن تكون مع الحزبين من دون تفضيل، بخاصة وأن التحالف الناشئ في وضع جيد للغاية لإصلاح تداعيات نهج نتنياهو الحزبي، من خلال إعادة نهج العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مساره التقليدي، وإنهاء نهج نتنياهو المدمر مع واشنطن بما يساعد في وضع معيار جديد يسمح بعلاقات بناءة بين البلدين.
المصدر: اندبندنت عربية