لمحمد خليفة وعنه..حين كان ” بكرا أحلى ” عنوان الرفقة والمشوار والحلم

محمود خزام

عرفت محمد خليفة صحفيا وكاتبا عبر مجلة ” الشراع ” اللبنانية التي كانت تشكل منبر “الناصرية ” المنيع بمؤسسها ورئيس تحريرها الاستاذ حسن صبرا…ومن ثم عبر كتاباته في صحيفة ” الراية القطرية” ….
وتعرفت على صديقي ورفيق دربي ” أبو خالد ” بعد وصولي أثينا بشهور قليلة برفقة رفيق دربي الفدائي الصحفي الشهيد خليل الزبن \ الذي أغتيل بغزة 2003 بأيدي فرق الموت الفلسطينية\ للإشراف ورئاسة تحرير مجلة ” النشرة ” الصوت الأبرز والمتفرّد بالدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الانسان وحركات التحرر في الوطن العربي والعالم اثر اغتيال مؤسسها ورئيس تحريرها الصحفي البارز ” ميشيل النمري في 18-9-1985 في العاصمة اليونانية أثينا بأيدي عملاء مخابرات النظام السوري حينها…
من اللحظة الاولى لتعارفنا أخذني بالأحضان مرحبا بالقول : خسرنا فدائي فلسطيني أردني..وكسبنا فدائي فلسطيني سوري….حماك الله ونحن معك..
لم يتأخر ابو خالد كثيرا حتى جاءني الى مكتب ” النشرة ” التي كان مجرد الاقتراب منه حينها كمن يقترب من ” صفيح ساخن ” طالبا مني مرافقته الى بيته لتناول الغداء ..من فوره شاهد الحيرة والخجل في وجهي وباغتني : اسماع خيوو , مافي اعتذار سوسن ” زوجته ” و روبا ” طفلته ” بانتظارنا..الأكل الحلبي في انتظارك..
خرجنا من مكتب ” النشرة ” في وسط العاصمة أثينا وتوجهنا الى بيته في ” كليفاذا” احدى ضواحي العاصمة..
على مدخل البيت استقبلتنا سوسن \ ولها من اسمها نصيب \..ثم ربا التي قفزت الى حضني مرحبة بوجهها الطفولي الباسم ” اهلين عمو “..ثم مسكت يدي وأجلستني على الكنبة وجلست بحضني….بدون أدنى تردد ” حسيت اني بين أهلي ..
حتى أكسر حاجز الخجل لدي قلت للسيدة سوسن : شامم ريحة أكل حلبي بس مش عارف شو الطبخة..أجابت : كبّة لبنية ولك خاي…أجبتها : ياااه ما احلاها منك خاااي وما أطيب هالاكلة من زمان ، الله يسلم اديكي…..من يومها دخلت بيت محمد وسوسن وربا ” الآمن ” ولم أخرج منه….!!
لم يتأخر الصحفي والكاتب والباحث محمد خليفة كثيرا حتى يعطي لقلمه “شهوة ” الكتابة وشهيتها وينساب حبرها ” الأحمر ” عبر صفحات ” النشرة” من أفكار ورؤى بحثية يزدحم بها عقله وقلبه ووجدانه تجاه ” سوريا وفلسطين ومصر واليونان ” ….وياله من عقل وقلب وفكر مميز…وكأنه وجد ب”النشرة ” تلك الحبيبة التي يخطّ على صفحاتها مايليق بعاشق الحرية والكرامة والديمقراطية…
سألني, من أين تريدني أن أبدأ…من ” سوريانا ” أجبته…وقل ماتريد…وأول الكلام كان : منذ البدء كانت الخطيئة
عزيزي رئيس التحرير..
تطلب مني أن أكتب ” للنشرة ” في ذكرى تأسيسها..هل تعلم مايعنيه تماما طلبك هذا ايها العزيز ؟
نحن في غابة كبيرة من الصحف والمجلات العربية…كل واحدة لها نكهة ومذاق..كل منها لها ثمرها ولونها وزهرها..انها بحق غابة جميلة فسيحة الارجاء متعددة الألوان , ونحن الصحفيين العرب لنا مطلق ” الحرية” ان نكتب هنا أو هناك..وأن نقرأ هذه أو تلك …باستثناء مجلتك ..فهي الشجرة الوحيدة المحرمة في هذه الغابة..وكل آلهتنا حذّرونا من الاقتراب منها كتابة أو قراءة , أو اتصالا, أو لقاء..
اذن فان دعوتك ايها الصديق الرجيم مثل دعوة ابليس لآدم؟؟………………..
……فاعذرني عن الكتابة في مجلتك المحرمة، ان الكلمة حقا قاتلة..ولكنها أيضا مسؤولية ثقيلة.
تقول لي: اكتب بلا توقيع ..فنحن في ” النشرة ” لا نذيّل المقالات بأسماء كتابها!!
وأجيبك: اسمح لي أن أقول لك ها قد عدت الى وسوستك الشيطانية..ألا تعلم أن الأنظمة العربية وأجهزة المخابرات فيها سبقت كل الأبالسة في معرفة كل شيء..وهم يعرفون من يكتب في ” النشرة “..ومن يقرأ..ومن يرسل مجرد تحية..أو يتصل بالتليفون؟!
فاعذرني لن أكتب..لن أكتب!
والقلم لايطيع صاحبه…” النشرة ” تبادر وتفتح أواخر منتصف العام 1988 واحداً من أهم وأعمق ملفاتها حينها ألا وهو ملف ( أزمة المعارضة السورية ) الذي سيشارك فيه ثلّة من الكتاب والباحثين المعا رضين السوريين من بينهم محمد خليفة بالاضافة الى مساهمات عدد من القوى والاحزاب المعارضة..ويقيني أن ماتعيشه الآن قوى وأحزاب وفصائل الثورة السورية العظيمة من أزمة بنيوية وفكرية وتنظيمية..في أمس الحاجة لقراءة هذا الملف….
كتب محمد خليفة حينها ” حلقات أربع ” تناول من خلاها ركائز ثلاث هي ” النظام- المجتمع- المعارضة ” ..
وتحت عنوان ” سوريا المريضة وليس الأسد “….فند خليفة طبيعة النظام وأكد:
أحد أهداف الأسد بناء ” جيش طائفي ” يحمي النظام من خطر الجيش الوطني ..
باستلام الأسد السلطة دخلت سوريا مرحلة اضفاء الطابع الشخصي عل السلطة..
الرئيس الأسد ماهو الا ” فيروس ” خطير أصاب سوريا بالمرض..
النظام تحول لأول مرة في تاريخ سوريا من حكم عسكري الى حكم بوليسي..
وتحت عنوان : المجتمع المدني في حقبة الأسد ” ..كتب خليفة :
سوريا فقدت في الدرجة الأولى انسانها المبدع…
انهيار الطبقة المتوسطة التي كانت عماد المجتمع والدولة في سوريا دائما..
الطبقة الطفيلية التي تكونت تفوق في ثرائها الأسر الحاكمة في دول النفط الخليجية أحيانا..
وعن شكل المعارضة في سوريا يجيب محمد خليفة الذي كتب دراسته الهامة باسم ” خالد العربي ” بالقول : يوجد ثلاث أشكال رئيسية للمعارضة حاليا :
أولها المعارضة السياسية المنظمة ( احزاب ومنظمات ) وثانيها : المعارضة النخبوية ( أفراد وفئات وجمعيات عديدة )..وثالثها : وتشكل الغالبية وهي المعارضة الشعبية غير المؤطرة…ويفند:
المعارضة الفردية للكتاب والباحثين والمفكرين والادباء والفنانين تتطور وتتقدم…
حجم المنخرطين في العمل السياسي والحزبي المعارض لايزيد عن 1% من مجموع الشعب..
الشعب السوري يعاني من الوحدة والعزلة ولا يرى احدا يعبر عنه أو يدافع عنه..
أزمة قوى المعارضة هي أزمة صيغة وأوعية تنظيمية ولغة سياسية وايديلوجية…
يجب الحرص على عودة الطائفة العلوية التي أقحمها وضللها النظام..
وينهي محمد خليفة دراسته ويؤكد:
بأن على القوى السياسية المعارضة وهي تبحث عن تحالف وطني عريض وجبهة تجمعها وتوحد قواها في مواجهة النظام ، يجب أن تدرس اقتراحات غير عادية وتبحث عن أشكال غير تقليدية تناسب حجم وضراوة المعركة المفروضة عليها من النظام السوري..لذلك فهي مطالبة باحداث ثورات عديدة دفعة واحدة ..ثورات على نفسها وفي أفكارها وأساليب عملها..ثورات في علاقاتها ببعضها وبعلاقاتها بالجماهير….ويقترح حينها صيغة ” حركة فتح سورية”…!
وفي هذا السياق يأتي موضوعه الميداني الخاص بأول عملية تهجير ممنهجة قام بها النظام السوري بحق ابناء مناطق معينة في وسط وشمال سوريا طالت عشرات الآلاف اواخر الثمانينيات وصل جلهم الى اليونان..وتعاونا سويا بهذا الملف وطفنا اليونان من جنوبها لشرقها لنلتقي بالعشرات من هؤلاء وكان ملفاُ ” مرعباُ ” وان نشره بمجلة اليوم السابع التي اسسها الكاتب الكبير بلال الحسن امد الله في عمره في باريس.وقدتعرضت اليوم السابع بالتهديد من قبل المخابرات السورية بالتفجير وبلال الحسن بالاغتيال وغيره من الصحفيين..
وأيضا تبقى الدراسة الهامة والاستثنائية التي قدمها ” للنشرة ” عن تنظيم ” ثورة مصر ” الذي أسسه نجل الزعيم جمال عبد الناصر الدكتور خالد والضابط الوطني محمود نور الدين لمهاجمة المصالح الأمريكية والاسرائيلية في مصر
وكما ذكرت هي الدراسة الأهم والأبرز…
ولعلي هنا أشير أن رفيق الدرب محمد هو من عرفني على الصديق العزيز الغالي الراحل الدكتور خالد عبد الناصر الذي ربطتني به علاقة انسانية عميقة استمرت الى يوم رحيله ( سآتي عليها لاحقا )…
وأرى من الضرورة بمكان أن أشير أن محمد وأنا من قاما بانشاء لجنة الدفاع عن ثورة مصر وخالد عبد الناصر هنا في أثينا…
يطول الحديث عن محمد خليفة الباحث والصحفي والكاتب والمعارض العربي الفلسطيني السوري..
أما الحديث عن الصديق والرفيق والشريك والانسان الذي تقاسمت واياه رفقة درب مشيناه على الأمل والدفا والحنان والألم والشوك والقهر والحرمان.
يعطيني الثقة كما كنا نردد سويا وفي تلك الظروف…” بكرا أحلى”…وأعاهدك بأننى سنبقى..في انتظار انتصار الثورة السورية العظيمة…في انتظار تأسيس ( دولة العشاق )….
مجد الذكرى لك يا صاحبي…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى