محمد خليفة.. اذا كنت حاضراً إلى هذا القدر معنا فلماذا الغياب؟!

حسن صبرا

يأبى طيفك ان يغيب،  ترفض خطوات الحوار معك غروب كل نهار ان تتابع السير من دونك، تظل لهجتك الحلبية عالقة تطن في اذني ناقلة السير والاخبار والتعليقات والضحكات كالحسرات والتوافق كالإختلافات… وهذه طقوس كل يوم بين بيروت وستوكهولم وبينها والقاهرة او اي مكان ارتحال مؤقت.
الشراع تدين لك بأكثر مما تظن واكبر من المال وابعد من الصداقة واعمق… فهل يسأل المؤسس على حساب معنوي او مادي وهو الذي يدين له حتى قارئ الشراع بفكرة ولمعة وواقعة وإبداعاً من شاعر مرهف لا يظن الذي يقرأ حدة في مواقف محمد خليفة انه هو نفسه الشاعر الرقيق الذي تحمر وجنتاه خجلاً وهو يحي صديقاً اما اذا كانت صديقة فربما احتاج أبو خالد دقائق قبل ان يرى وجهها فعيناه تغوصان في بحر من الخجل حتى في لحظة تعارف او تعريف، هذا الانسان الخلوق الهادىء الطيب الكريم ينقلب الى بركان ثائر  عندما يجهر بتمسكه بقضايا يؤمن بها وبقدرته على العطاء من غير حدود:
هو من اجل العروبة سيف ممشوق لا يعرف المهادنة دفاعاً عنها وما تحدث عن العروبة مرة او كتب الا وكان خير فارس  يقدمها على كل ما عداها يراها والاسلام صنوان، يسعى الى المعرفة ويقدمها  مثقف والثقافة به تزداد ..
محمد خليفة السياسي العروبي
هذا الشاب النحيل الممشوق امضى نصف قرن على الاقل في الجهاد الفعلي والنظري والسياسي وليس الشكلي فقد كان من اوائل الشباب السوريين الذين التحقوا بأول معسكر لتدريب الشباب السوري والعربي في غوطة دمشق بعد هزيمة 1967 وكان تواقاً لفتح جبهة الجولان للقتال ضد العدو الصهيوني المحتل وكان اللواء صلاح جديد متحمساً لذلك لكن وزير الدفاع حافظ الاسد ممانعاً للمقاومة من الجولان وربما كانت هذه احدى اسباب انقلابه على رفيقه جديد عام 1970.
كان محمد خليفة تواقاً للقتال في الاردن بعد معركة الكرامة ضد العدو في ربيع 1968 .. لكن الشاب الثائر لم يعتبر عدم انخراطه في القتال نهاية المطاف بل بداية نحو الثقافة بكل امواجها شعراً ونثراً وادباً وصحافة برع فيها اينما كان … وقد كنت اعترف بحقيقة لا مجاملة فيها ان محمد خليفة هو رئيس تحرير نصف الشراع وكنت انا رئيس تحرير النصف الثاني حيث كان ابو خالد مسؤول القسم الثقافي وقد شهد هذا القسم في عهده ازدهاراً ونجاحاً كبيرين ، كما كان مسؤولاً عن مجلة مصر داخلها وكانت عبارة عن 16 صفحة مميزة بالمادة ونوع الورق القريب من الاصفر كما كانت مميزة بمادتهاالمصرية كلها في السياسة والثقافة والفن والاخبار والتحقيقات المختلفة ..
كما انها غير مسبوقة في الصحافة العربية كلها حيث كنا وما زلنا نتلو فعل قناعة بأن مقياس صحة الامة العربية كلها هو صحة مصر.
ومن ذكرياتي المميزة مع محمد، اننا اتفقنا على ان نزور الجنوب اللبناني يوم السبت في السادس من يونيو حزيران 1982 فإذا العدو الصهيوني يجتاح الجنوب، بدءاً من الجمعه في الخامس منه ممهداً لذلك بتدمير مدينة كميل شمعون الرياضية في بيروت وما تسنى لمحمد زيارة الجنوب وبلدتي حداثا الا بعد ذلك بخمسة وثلاثين سنة.
محمد خليفة السياسي تميز بعلاقات انسانية سياسية مع خالد جمال عبد الناصر اسر له فيها ابن القائد الزعيم بأدق الاسرار عن منظمة ثورة مصر التي اسسها خالد وقادها سياسياً  وكان قائدها العسكري المناضل محمود نور الدين وقد لاحقت الصهاينة في مصر بعمليات عسكرية ناجحة كلها.
وقد لاحق الموساد خالد، الذي اقام لفترة في لندن لمتابعة دراساته العليا فدعته يوغسلافيا للإقامة فيها حماية له وهي التي شهدت علاقاتها في عهد زعيمها جوزيف بروز تيتو افضل العلاقات مع مصر جمال عبد الناصر.
وكان محمد خليفة الذي ترك بيروت بعد الاجتياح الصهيوني لها عام 1982 على تواصل مع القيادات الفلسطينية في الداخل والخارج وهو رحل وفي ضميره ان فلسطين هي قضية العرب القومية الاولى، ومثلما كان الزعيم احمد بن بله معشوقه بعد جمال عبد الناصر..
فقد كان محمد ابرز واهم من حاور بن بله الذي كان يعتبر محمد عينه على سورية وفلسطين ولبنان بل وميزانه في الحكم على اوضاع تلك البلدان، يستحق محمد خليفة المزيد في كل مناسبة تفرض نفسها في الحديث والكتابة عنه .. ومثلما كان هو بحد ذاته موسوعة سياسية وادبية وثقافية فإنه يستحق الحضور في كل المناسبات.

 

المصدر: مجلة الشراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى