يُمثل إصرار النظام السوري على عقد الانتخابات الرئاسية في مناطق سيطرته ترسيخاً لواقع التقسيم غير المعلن في سوريا، فضلاً عن سعيه لتجاوز القرار الأممي 2254 حول الحل السياسي في سوريا.
لعل ضغط النظام وحلفائه في لبنان على اللاجئين السوريين هناك من أجل مشاركتهم في التصويت بالانتخابات يُبرز أحد نوايا النظام التي سيُكشف عنها خلال فترة ما بعد الانتخابات، فالعودة لترويج إعادة اللاجئين لبلدهم “بغض النظر عن الظروف المناسبة” ستكون حاضرة طالما أن العقبة السياسية الأبرز تجاوزتها موسكو ودمشق من خلال إعادة الانتخاب “المنتظرة” للأسد لفترة رئاسية جديدة يمكن لها أن تتجاوز الفشل الذي وقعوا فيه الروس خلال مناسبتين دعوا من خلالها أطراف المجتمع الدولي لإعادة اللاجئين بوجود نظام الأسد وفي أصعب مراحله على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
يبدو أن الانتقال السياسي الذي أشار إليه القرار الأممي 2254 ستترجمه روسيا عبر مسرحية الانتخابات الرئاسية 2021، فتسعى للقول بأن تثبيت حكم الأسد لسبع سنوات قادمة يُلزم الأطراف المتدخلة في الملف السوري الجلوس على طاولة التفاهم حول شكل الحل الذي تقدمه روسيا كـ “مادة خام” ويجري التعديل عليه وفق تناغم مصالح تلك الأطراف.
سيطوى ملف الانتخابات الرئاسية وتفتح بعده صفحة بيضاء يكتب الروس حروفها الأولى لبداية مرحلة جديدة، بعد رفع الأمم المتحدة المسؤولية عنها في أي دور ينظم مشهد المرحلة المقبلة في ظل الإصرار على عقد الانتخابات، وكذلك كان للولايات المتحدة موقف مشابه، بغض النظر عن أي مواقف رفض معلنة يمكن استخدامها للاستهلاك الإعلامي فقط.
ما تريده موسكو الدخول في مرحلة إعادة الإعمار، وهذا يتطلب مستويين من التحركات بعد إتمام الانتخابات، يكون المستوى الأول فيها التقارب أكثر مع الدول الأوروبية الرئيسية في حلف الناتو وبناء شراكة قائمة على تجديد ملف مكافحة الإرهاب في سوريا والتعاون من خلاله، وكذلك العمل على عقد شراكات أعمق مع الدول الخليجية وتركيا فضلا عن تقريب وجهات النظر بينهم ما يساعد في جعلهم بصف واحد يتماهى مصالحياً مع الاستراتيجية الروسية في سوريا.
بالمقابل فإن المستوى الثاني من التحرك الروسي يتمثل في تقديم أوراق جديدة تطرح للجانب الأميركي بغرض تقريبه أكثر من طاولة المفاوضات، لا سيما وأن العائق الأكبر أمام مرحلة إعادة الإعمار يتجلى من خلال عقوبات “قانون قيصر”، لذا فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن المتشددة إعلاميا خلال حملة بايدن الانتخابية تجاه روسيا وتركيا ودول الخليج العربي، ستكون أمام أوراق روسية مُغرية، قد يمنح فيها الروس أوراق اعتماد جديدة للأسد أمام واشنطن من خلال صفقة سلام مع إسرائيل، مقابل دور ونفوذ إسرائيلي غير مباشر في الجنوب ومثله للولايات المتحدة في الشرق تحت غطاء الفيدرالية على النموذج الروسي الذي تتسيد فيه موسكو فعلياً المشهد بسوريا. في حين أن مخرجات القرار الأممي 2254 قد تُطوى صفحتها بشكل يتناسب وشكل المرحلة الجديدة بعد الانتخابات.
التغاضي عن فرض عقوبات جديدة على النظام السوري وداعميه، وتحويل آلية فرض العقوبات لشكل يتيح تحويلها إلى “عقوبات ذكية” هو أساس ما تنتظره موسكو قبل الانطلاق بمرحلة إعادة الإعمار، وهو ما ترى بإمكانية تحصيله بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية ودفع عجلة الاستقرار وفق رأيها بتحقيق معادلة السلام مع إسرائيل مقابل حفظ سلطة الأسد والشروع في إعادة ترميم البنى التحتية المهدمة بالانطلاق من مبدأ العقوبات الذكية، بالتزامن مع الانتهاء من ملف مكافحة الإرهاب المشترك، والشروع لاحقاً بالعمل على رسم مخطط زمني لعودة اللاجئين السوريين.
اللجنة الدستورية أبرز تلك المُخرجات التي وُلدت قبل أوانها، وقد يُلغى دورها خلال الفترة المقبلة، في ظل عدم إنتاجية اللجنة التي كان يدعي الأسد بعدم اكتراث حكومته به طيلة الفترة الماضية، معتبرا أن أي حراك سياسي دستوري لا بد أن ينطلق من دمشق.
ارتكبت المعارضة السورية أخطاء جسيمة خلال السنوات الماضية، إلا أن أخطاءها في التعامل مع إصرار النظام وحليفها الروسي على عقد الانتخابات كانت أخطاء لا تغتفر، ابتداء بالإعلان المشبوه حول مفوضية الانتخابات، وامتدادا بآلية التعاطي. مع هذا الملف وقراءة تبعاته السياسية. ويجب على المعارضة بدلا من إعلان رفض الانتخابات والاعتماد على الحملات الإعلامية التي لن تقدم بل ستؤخر، أن تعمل على وضع خطة عمل لمواجهة الواقع السياسي خلال الفترة المقبلة على سوريا، ووضع السبل الممكنة لمواجهة التهميش لكل القرارات ذات الصلة بتطبيق حل سياسي في سوريا، بدلاً من النحيب فيما بعد على اندثار اللجنة الدستورية وضياع كل ما بني “مهما كان حجمه” خلال السنوات الماضية.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا