الأسد يستخدم اللاجئين في لبنان لإضفاء الشرعية على الانتخابات

أمل رنتيسي

في سعي للنظام السوري لإضفاء شرعية على الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 26 من أيار الحالي، تضغط أذرعه السياسية في لبنان على اللاجئين السوريين، وسط تهديد للتصويت في موعد أقصاه 20 من أيار الحالي بالسفارة السورية في لبنان.

أُثيرت القضية مؤخرًا بعدما نشرت صحيفة “lorientlejour” اللبنانية، في 30 من نيسان الماضي، تقريرًا ذكرت فيه أن أجهزة سياسية لبنانية بدأت بدفع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى صناديق الاقتراع.

وقالت الصحيفة، إن منظمات سورية وأحزابًا سياسية لبنانية وشخصيات موالية لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، أغرت السوريين للتصويت وتسجيل أسمائهم في قوائم الانتخابات، ووصل الأمر إلى حد التهديد.

وبحسب التقرير، أصدرت “نقابة العمال السوريين في لبنان”، وهي جماعة موالية للأسد تعمل بالتنسيق مع السفارة السورية، بيانًا حثت فيه السوريين على التصويت في الانتخابات، التي وصفتها بأنها “علامة بارزة في تاريخ سوريا المعاصر، المنتصر على الإرهاب والحصار والعقوبات”.

وخرجت، في 3 من أيار الحالي، مسيرات مؤيدة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في جبل محسن بطرابلس، وردد المشاركون “الله سوريا بشار وبس”، ما أثار غضب ناشطين وصفوها بـ”مسيرة تشبيح”.

تهديدات تطال الناشطين بالمقام الأول

وسط مخاوف من التواصل مع الصحافة، خاصة في مناطق تشهد نفوذًا لمصلحة حلفاء النظام السوري، تحدثت عنب بلدي إلى أربعة ناشطين سوريين أكدوا تهديدات وضغوطًا يتعرض لها السوريون، بينما نفى ناشط آخر أي تهديدات من هذا النوع.

وليد محمد (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهو أحد الناشطين في مجال حقوق الإنسان بمنطقة بعلبك، قال لعنب بلدي، إن الضغط بدأ منذ منتصف نيسان الماضي تقريبًا من قبل أنصار النظام السوري في لبنان، كـ”حزب الله” و”حركة أمل” والحزب “القومي السوري” وحزب “البعث” و”رابطة العمال السوريين” وغيرها.

الضغط يجري بالترغيب عن طريق توزيع مساعدات تضمنت شعارات وحملات في المخيمات، أو عبر الأشخاص الناشطين في المخيمات والمعروفين على الأرض الذين يثق بهم اللاجئون، أو بالترهيب عبر التهديد بحرق مخيمات أو الإخلاء القسري والخطف والضرب.

وتجري العملية عبر الاتصال بالناشطين في المخيمات السورية، والإملاء عليهم لتوزيع استمارات لتعبئتها، بحسب الناشط وليد، الذي فسر الاعتماد على الناشطين بأن لهم حرية التنقلات بين المخيمات، سواء من أجل المساعدات أو لإعطاء جلسات حول التوعية في أي موضوع، كفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) مثلًا، ليمرروا الاستمارات عبر هذه الجلسات.

“أعطوني استمارة لأملأها، لكنني رفضت ذلك، ثم بدؤوا بتهديدي عبر الهاتف. أخشى الآن الخروج من منطقتي، لكنني لن أغيّر موقفي”، قال الناشط لعنب بلدي.

“برود” من المنظمات الدولية

أخبر وليد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) بالتهديدات التي وصلته عبر الهاتف، وأجابوه أن عليه فقط تغيير رقمه.

وتواصلت عنب بلدي مع ناشط آخر في البقاع، وهو متطوع في منظمات دولية، تعرض لتهديد أيضًا في 19 من نيسان الماضي.

سجّل الناشط القضية ورفعها إلى مفوضية الأمم المتحدة، وأطلع عنب بلدي على رسالته للمنظمة، التي تفيد بتلقيه اتصالًا من رقم غير معروف أخبره بمعلومات الناشط ومكان عمله وإقامته، ومنحه مهلة أسبوع لتعبئة استمارة أسماء اللاجئين السوريين في المنطقة للانتخابات.

بعد أسبوع من الاتصال الأول، عاود ذات الشخص الاتصال بالناشط، وبدأ بشتمه وتهديده بالعقاب على عدم تعبئة الاستمارة، وقال الناشط لعنب بلدي، “أخاف على عائلتي وعلى نفسي بسبب هذا التهديد. أقفلت هاتفي لمدة يومين ولم أخرج من المنزل”.

اتصل الناشط بمفوضية اللاجئين في زحلة مرارًا لإبلاغهم بالحادثة، ولم ترد المفوضية على رسالته إلا بعد أسبوع، بالطلب منه تغيير رقم هاتفه وسكنه.

قلّل الناشط في مجال حقوق الإنسان وليد محمد من قدرة المفوضية على حماية اللاجئين، بالنظر إلى سلطاتها المحدودة مقارنة بوضع البلد حاليًا وتوزع نفوذ القوى، لكنه يرى أنه بإمكان المفوضية إخراج الأشخاص المهددين خارج لبنان، أو التنسيق مع الحكومة اللبنانية لتأمين الحماية داخل الأراضي اللبنانية.

تحركات من جهات حقوقية

المدير التنفيذي لمركز “وصول” لحقوق الإنسان، محمد حسن، قال إن المركز رصد العديد من محاولات الضغط على اللاجئين لإجبارهم على المشاركة في الانتخابات الرئاسية في سوريا.

وتبرز تلك الممارسات من تيارات سياسية مناهضة لوجود اللاجئين ومؤيّدة لحكومة النظام السوري، وهي عبارة عن ممارسات تهديد بالترحيل أو الاعتقال للأشخاص غير الراغبين في المشاركة بالانتخابات الرئاسية السورية.

يجري الضغط في الناحية الأولى على اللاجئين في المخيمات، وهذا استغلال لأوضاعهم الصعبة، فقد يكون معظمهم مجبرًا على الخضوع لمثل هذه الضغوطات، وغالبًا يُهدد المسؤولون عن المخيمات ما يُسمّى بـ”الشاويش”.

وحمّل المركز السلطات اللبنانية كامل المسؤولية في حال تعرض أي من اللاجئين لأي انتهاك مباشر أو غير مباشر، ويجب على السلطات التدخل بشكل عاجل، وعلى المفوضية العمل على توعية اللاجئين بحرية اختياراتهم والتأكيد على حمايتهم من التهديدات.

إضفاء شرعية وترويج إعلامي

وكان المتخصص في الشؤون السورية بوكالة أبحاث الدفاع السويدية، آرون لوند، قال إن الإقبال على الانتخابات مهم للسلطات السورية، لأن المشاركة الكبيرة سيُنظر إليها على أنها “دليل مرئي على قوة الأسد حتى بعد كل هذه السنوات من الحرب”، بحسب تصريحه لصحيفة “lorientlejour“.

وأشار لوند إلى أنه نظرًا لوجود عدد كبير من الدبلوماسيين والصحفيين الأجانب في لبنان، فإن مثل هذه المشاهد هناك أكثر وضوحًا من داخل سوريا، إذ كانت صور الحشود الكبيرة من اللاجئين المتجمعين للتصويت في السفارة السورية بلبنان في عام 2014 قيّمة بالنسبة لحكومة النظام السوري.

وعلاوة على ذلك، قال لوند، إن البصريات الانتخابية يمكن أن تفيد المناقشات المستقبلية حول عودة اللاجئين، إذ سيسوّق النظام نفسه كشريك ضروري وموثوق في تنظيم عودة اللاجئين.

رفض دولي للانتخابات

تقابَل هذه الانتخابات برفض أممي ودولي، بينما تدعمها الدول الحليفة للنظام السوري، وأبرزها إيران وروسيا.

وأعلنت الأمم المتحدة، في 21 من نيسان الماضي، أنها غير منخرطة في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في سوريا، مؤكدة أهمية التوصل إلى حل سياسي وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم “2254”.

وحول موقف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من الإعلان عن إجراء هذه الانتخابات وترشح بشار الأسد إليها، قال المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، في مؤتمر صحفي، “نرى أن هذه الانتخابات ستجري في ظل الدستور الحالي، وهي ليست جزءًا من العملية السياسية، لسنا طرفًا منخرطًا في هذه الانتخابات، ولا يوجد تفويض لنا بذلك”.

وأكد المسؤول الأممي أهمية التوصل إلى تسوية سياسية للصراع الدائر في سوريا عن طريق المفاوضات قبل البدء بإجراء انتخابات.

ومنذ بداية العام الحالي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي عدم اعترافهما بإقامة انتخابات رئاسية في سوريا، وتوعدا النظام بالمحاسبة.

وقال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، جوزيب بوريل، في مقابلة إلكترونية مع عنب بلدي، “إذا كنا نريد انتخابات تسهم في تسوية الصراع، يجب أن تعقد وفقًا لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (2254)، تحت إشراف الأمم المتحدة، وتسعى إلى تلبية أعلى المعايير الدولية”.

وأضاف، “يجب أن تكون حرة ونزيهة، ويجب أن يسمح لجميع المرشحين بالترشح وإجراء الحملات الانتخابية بحرية، وهناك حاجة إلى الشفافية والمساءلة، وأخيرًا وليس آخرًا، يجب أن يكون بإمكان جميع السوريين، بمن فيهم مَن في الشتات، المشاركة”.

وأكد بوريل أنه “لا يمكن لانتخابات النظام في وقت لاحق من العام الحالي أن تفي بهذه المعايير، وبالتالي لا يمكن أن تؤدي إلى تطبيع دولي مع دمشق”.

سوريون في لبنان تعرضوا للترهيب والتهديد في انتخابات عام 2014

نشرت مؤسسة “هاينريش بول” في عام 2014 مقالًا بعنوان “الرئيس السوري يصنع في لبنان: أثر الشائعات على الانتخابات الرئاسية السورية في لبنان”، للمستشار الأول في مركز الأبحاث البريطاني “تشاتم هاوس”، حايد حايد.

وبحسب المقال، شكّلت الانتخابات الرئاسية السورية في عام 2014 حدثًا خاصًا بالنسبة للسوريين واللبنانيين على حد سواء، إذ إن إجراء انتخابات رئاسية يعني إطالة أمد الأزمة الإنسانية والسياسية بالنسبة للسوريين وبالنسبة للمجتمعات والدول المضيفة لهم.

وذكر المقال أنه في حين أن دافع بعض المشاركين في الانتخابات ناجم عن رغبة داخلية، فإن دافع البعض الآخر كان الخوف من تبعات عدم المشاركة فيها، حيث انتشرت مجموعة من الشائعات التي تحض على المشاركة وتتوعد بنزع الجنسية أو عدم السماح بدخول سوريا في حال عدم المشاركة.

وعدّد المقال العوامل والظروف التي انتشرت في عام 2014 حول الانتخابات الرئاسية حينها، منها: هاجس إسقاط الجنسية بناء على قوانين أسهمت بإعطاء دفع قوي للإشاعات المحرضة على المشاركة في الانتخابات، والتخويف والترهيب من قبل رجال ضخام البنية تجولوا في المخيمات بسيارات داكنة النوافذ، وطلبوا الهويات من اللاجئين بشكل مفاجئ، في محاولة لإيصال رواية تقول إن اللاجئين في لبنان لا يزالون بمتناول الأسد.

 

المصدر: عنب بلدي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى