قراءة في رؤية إسرائيلية لجوانب من الصراع الراهن في فلسطين المحتلة

د. مخلص الصيادي

في عدد 12 مايو من صحيفة هآرتس الإسرائيلية عرض كاتب الشؤون السياسية   في الصحيفة جاك خوري للعوامل الستة التي رأى أنها تؤجج ” الاضطرابات في المجتمع الإسرائيلي”، وذلك جوابا على سؤال رأى أنه حيوي ويختص بنزول “المواطنين العرب في إسرائيل” إلى الشوارع بهذه القوة ؟.

أهمية المقال الذي أعرضه ملحقا بهذا التعليق أنه يحدد ما يمكن أن نعتبره ” أسبابا موضوعية ” دفعت بفلسطينيي 48 إلى المشاركة بالحدث الراهن، وليرسموا بذلك مع فلسطينيي القدس الضفة والقطاع مشهد وحدة الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني.

العامل الأول: هو العنصر الديني، فالإضرار بالرموز والقيم الدينية يؤدي بسهولة إلى اندلاع الحريق، وبمجرد خروج المارد الديني من قمقمه يصعب السيطرة عليه.

العامل الثاني: انكشاف طابع التطهير العرقي واجتثاث العائلات الفلسطينية من منازلها من حي الشيخ جراح بدعم من “الدولة”، وفشلُ الإسرائيليين في تسويق أن الأمر لا يعدو أن يكون شجارا عقاريا.

وهو أمر سمح بتماهي المسلمين والمسيحيين وحتى بعض اليهود مع النضال الفلسطيني بشأن حي الشيخ جراح.

العامل الثالث: الارتباط المكاني بين بوابات المسجد الأقصى، وإجراءات السلطات الإسرائيلية إزاء هذه البوابات في شهر رمضان ” المبارك”، وحي الشيخ جراح، وهذا العامل وحد الفلسطينيين الإسلاميين والعلمانيين ضد الإجراءات الإسرائيلية، فتشكل محور “يربط بين الشيخ جراح وبوابة العامود والأقصى،  وانتقل كثير من المتظاهرين في الصباح في الشيخ جراح إلى درج باب العامود وانتهوا في المساء بالصلاة في الأقصى”.

العامل الرابع: تصدر جيل الشباب هذه الاحتجاجات، وهو جيل ولد على الغالب بعد أوسلو، ولا يخضع للقيادات العربية “جيل غير متأثر بالقيادة السياسية في رام الله، لا يستطيع القادة العرب المحليون منع هؤلاء الشباب من التظاهر”.

العامل الخامس: التمييز ضد “السكان العرب” في المدن المختلطة، وخاصة وسط البلاد’ ف “الاحتجاج على توغل يهود اليمين في أحياء يافا والرملة واللد لا ينبغي أن يكون مفاجأة، يعاني العرب هناك من صعوبات اجتماعية واقتصادية، وهم يرون الاحتجاج في الشيخ جراح نموذجًا لنضالهم”.

العامل السادس: توفر وسائل التواصل الاجتماعي بين الفلسطينيين جميعهم، وهي وسائط اتنقل الحدث لحظة بلحظة وتنقل دعوات التظاهر والانضمام للحراك في القدس والشيخ جراج، بالسرعة نفسها.

لنلاحظ أن المقال يختص بالحديث عن فلسطينيي 48، أو ما يسميهم خوري ب”عرب إسرائيل”.

ونحن لو أعدنا التدقيق في هذا المقال لوجدنا أن العوامل الستة المشار إليها جميعها عوامل موضوعية، أي أنها لا تقوم ولا تخضع لأي اعتبار ذاتي يمكن معالجته، أو تحييده، وأنها في مسارها العام ستبقى متصاعدة التأثير، وستبقى لها قوة الفعل.

فالعنصرية والتمييز ضد فلسطينيي الثماني والأربعين، طبيعة من طبائع الكيان الصهيوني.

هو كيان عنصري لا يستطيع إلا أن يكون كذلك. وبالتالي فإن وضوح غرض “التطهير العرقي” الذي تفجر على خلفية خطة الاستيلاء على بيوت في حي الشيخ جراح، هو استحضار للتطهير الذي مارسه الصهاينة قبل ذلك في العام 48 حين قيام هذا الكيان، وبعد ذلك وفي كل فلسطين المحتلة قبل وبعد قيام هذا الكيان، هذه طبيعة الكيان.

ولهذه الطبيعة فيه يَعتبر الإسرائيليون أن تطبيق قرار الأمم المتحدة بشأن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بلادهم واستعادتهم لأملاكهم (القرار 194 لعام 1948) يعني في جوهرة إنهاء لوجود هذا الكيان.

لا يمكن أن لا يكون هناك تمييز وعنصرية تجاه الفلسطينيين بدءا من  حقوق العمل والتعليم والانتقال إلى الحقوق الثقافية والدينية، إلى حقوق التملك، وهذه كلها من المفترض أن يكفلها الدستور والقانون، لكن بدون هذا التمييز وهذه العنصرية تتخلخل بنية المشروع الصهيوني كله.

والتعدي على الرموز الدينية والمناسبات الدينية والمقامات الدينية أمر لا يمكن لبنية الكيان الصهيوني أن تتخلص منه، لأنها بنية قامت على أساطير دينية، بدءا من فكرة أرض الميعاد، إلى الهيكل، إلى اعتبار “إسرائيل”، وطنا لأي يهودي في العالم، إلى اعتبار العالم خدما لليهود، ومطية لهم.

أما الحديث عن جيل الشباب وعن وسائل التواصل الاجتماعي فهذا أمر لا يمكن فيه العودة إلى الوراء، لا يمكن لأن سلطة التحكم فيه، لا يمكن فرض القطيعة التواصلية والمعرفية واللحظية بين “الناس” جميعا لنقل الحدث، وتداعياته، والتفاعل معه، هذه التطورات المرتبطة بتطور وتوزع الهرم السكاني للفلسطينيين، وبتطور التقنيات وأدوات التواصل باتت خارج حساب العوامل الذاتية التي يمكن السيطرة عليها أو ضبطها، وتحولت بفعل تسارع التطور تقدما وانتشار إلى عوامل موضوعة مستقلة عن قدرة الأفراد والنظم على منعها أو ضبطها، وبات أقصى ما يمكن للعامل الذاتي أن يقوم بها ـ حتى هذه اللحظة وقد لا تطول ـ هو تنظيمها.

إذا كانت قراءتنا هذه للعوامل الستة التي تحدث عنها المحلل الإسرائيلي صحيحة ـ والشواهد كلها تؤكد صحتها ـ فإن الترابط بين فلسطينيي الثماني والأربعين والفلسطينيين في القدس والضفة والقطاع ستمضي إلى مزيد من التماسك والفاعلية  والقوة، وإن عناصر التفكك داخل المجتمع الاسرائيلي سوف تمضي هي الأخرى إلى مزيد الوضوح، وسيكتشف الجميع أن جهود قادة الكيان على مدى عشرات السنين الماضية لإظهار وحدة “المجتمع الإسرائيلي” وتماسكه، كان سعيا وراء سراب، وأن هذا المجتمع في حقيقته مجتمع غير قابل للاستمرار بشكل طبيعي، كما المجتمعات الإنسانية الأخرى، وأن مصيره إلى زوال.

 

 

 

نص مقال جاك خوري كاتب الشؤون السياسية في صحيفة ها آرتس الإسرائيلية يوم 12 / 5 / 2021.

ترجمة غوغل الآلية

إنه سؤال حيوي: لماذا نزل المواطنون العرب في إسرائيل إلى الشوارع بهذه القوة؟  من الواضح أن أكثر من دافع واحد تسبب في الانفجار في عشرات الأماكن هذا الأسبوع ، لا سيما في المدن المختلطة.

 

  1. العنصر الديني.  لا يزال الإضرار بالرموز أو القيم الدينية يُنظر إليه على أنه فعل يمكن أن يؤدي بسهولة إلى اندلاع حريق في المجتمع العربي.  بمجرد خروج المارد الديني من القمقم ، يصعب السيطرة عليه ، خاصة عندما يكون المسجد الأقصى في الصورة.

 

  1. النضال في الشيخ جراح.  يتم تصوير هذه القضية في إسرائيل على أنها شجار عقاري بين المستوطنين والفلسطينيين ، مثل العديد من الاشتباكات المماثلة في القدس.  لكن الفلسطينيين لم يشتروا هذا على الإطلاق.  توفر مصطلحات مثل التطهير العرقي واجتثاث العائلات الفلسطينية من منازلها ، ليحل محلها المستوطنون بدعم من الدولة ، الرواية الموجهة في هذا النقاش.

 

في حي الشيخ جراح نشأ نضال شعبي ، ويمكن للعديد من النشطاء ، مسلمين ومسيحيين وحتى يهود ، إيجاد طريقة للتماهي مع النضال الوطني الفلسطيني.  استمرت الاحتجاجات هناك لأسابيع ، بما في ذلك حوادث عنيفة مثل اعتداء شرطي على عضو القائمة المشتركة عوفر كاسيف.  لم يجتذب الاحتجاج الآلاف ، لكنه انعكس بقوة.

 

  1. رمضان.  مع بداية شهر رمضان ، ساعدت الأحداث التي وقعت على درج باب العامود في تأجيج الاحتجاجات في جميع أنحاء القدس.  وجد كثير من الناس صلة مباشرة بين الشيخ جراح وبوابة العامود.  تذكر أن المسجد الأقصى بالنسبة للفلسطينيين رمز السيادة والوجود الوطني في القدس.

 

وهكذا يمكن حتى للمسلمين العلمانيين وغير المسلمين أن يتعاطفوا بسهولة مع هذه القضية وتشكيل محور يربط بين الشيخ جراح وبوابة العامود والأقصى.  وانتقل كثير من المتظاهرين في الصباح في الشيخ جراح إلى درج باب العامود وانتهوا في المساء بالصلاة في الأقصى.

 

  1. جيل الشباب.  انتشار الشباب في الاحتجاجات واضح – شباب وشابات يرتدون الكوفية الفلسطينية يرددون شعارات مناهضة للاحتلال والحكومة الإسرائيلية ومن أجل النضال الوطني الفلسطيني.

هذا هو جيل اتفاقيات أوسلو في التسعينيات، وقد ولد البعض قبل أو بعد احتجاجات العرب الإسرائيليين في أكتوبر 2000.

وهناك أيضا شباب تعتبر هذه الأحداث بالنسبة لهم تاريخا معاصرا، جيل غير متأثر بالقيادة السياسية في رام الله.  لا يستطيع القادة العرب المحليون منع هؤلاء الشباب من التظاهر.

كان الانطباع السائد في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة هو أن جيل الشباب منغمس في نفسه وتجاهل النضال الوطني، وهو شعور أكده الجدل السياسي وشجعه الأحزاب.  لكن أحداث الأسبوع الماضي تظهر شيئًا مختلفًا.

الشباب الذين لا يقبلون سلطة أحد يتركوا بصماتهم.  لا أحد يستطيع إيقافهم، وإصدار لائحة اتهام بتعكير صفو السلام لن يردعهم.  على العكس من ذلك، فإن وجودهم ينقل رسالة إلى الجميع، سواء القادة المحليين أو الوطنيين.

 

  1. مدن مختلطة في وسط البلاد:  في المدن الإسرائيلية المختلطة، وخاصة في وسط البلاد ، يرى المرء تمييزًا ضد العديد من السكان العرب.

الاحتجاج على توغل يهود اليمين في أحياء يافا والرملة واللد لا ينبغي أن يكون مفاجأة.  يعاني العرب هناك من صعوبات اجتماعية واقتصادية، وهم يرون الاحتجاج في الشيخ جراح نموذجًا لنضالهم.

 

  1. وسائل التواصل الاجتماعي.  يتم تصوير الأحداث في الشيخ جراح والأقصى أو أي احتجاج آخر ونشرها على الفور على وسائل التواصل الاجتماعي؛ الدعوات للانضمام إلى التظاهرات لم تطول.  الذين يجيبون على المكالمة هم من الشباب الذين يريدون فقط التنفيس عن إحباطهم وغضبهم. احتجاجات كهذه ضربت الناصرة وحيفا ، لينضم إليها اللد ويافا ثم أبعد من ذلك.

أخيرًا، فإن التمييز وعدم المساواة والاغتراب وغياب الأفق الدبلوماسي للفلسطينيين يوفر وصفة خالية من الغباء لتشجيع الاحتجاج، خاصة بالنسبة لجيل لا يستسلم للإملاءات والذي لا تعتبر المساواة والحقوق بالنسبة له شيئًا.  تحلم عندما تكون البلاد جاهزة للتغيير.  هذا الجيل مستعد للتصرف على الفور حتى لو كان ثمن الاحتجاج العنيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى