ليست حلم ولكنها واقعٌ نؤمنُ به وتمنع تجسيدهُ القوى العالمية والإقليمية والأنظمة الفاسدة. إذ لا حياةَ لهذه الأمة وغالبية حكامها إلا بنزع تواكلها واتكائها على القوى الخارجية التي لا يمكن لها إلا أن تجعل مصالحها فوق مصالح مقومات الأمة في هذه الرقعة الجغرافية من العالم و التي تتطلب من الجميع أن يدركوا أن مصلحتهم جميعاً تتجسد في التقاء الكلمة وتوحيد الهدف والمسار، ولننظر فقط إلى الماضي لنرى كيف عملت القوى العظمى في زمانها على تفتيت الدولة المحورية القطبية الواحدة ذات الشأن العظيم في إدارة العالم في أيٍ من زمانها و مكانها ، القوى الغريبة والشعوبية و الاستعمارية و الصهيونية و الماسونية كانت و ما زالت المستفيدة من تفتيت بنية الدولة الكبيرة في هذه الرقعة من العالم، و بكل الأسى نقول أن كل ما مر على هذه المنطقة الجغرافية من العالم ما كان ليتحقق لولا سيطرة الأنا و المصالح الذاتية على مصالح الشعوب والغالبية منا تذكر كيف انهارت الدولة العربية الأموية بعد أن كانت اسبانيا وما جاورها أراضٍ عربية و كان ذلك من خلال التآمر و التعاون ما بين حكام تلك الممالك مع القوى الأجنبية ضد بني جلدتهم. أيهما أفضل أن ندعي الالتزام بقضية الجماهير و على حساب الجماهير التي لم يتحقق لها أية مكاسب لا على المستوى الفئوي أو العشائري أو المناطقي ، أم أن الأفضل أن نلتزم المنطق الذي يسعى لتوحيد الجهود و بذل التضحيات لإقامة الدولة الكبيرة المحورية التي تفرض احترامها على الآخرين .
لماذا لا نسعى إلى إقامة دولتنا الكبيرة و ما هي العوائق التي تمنعنا من اعتناق هذه الأماني و العمل على تحقيقها ، إنها ليست أحلام وردية و لكن هذه الرؤية تملك كل المقومات التي تجمع ما بين مكونات الأمة و يأتي على رأسها الامتداد الجغرافي الذي يصل ما بين كل الدول المصطنعة من المحيط إلى الخليج .
الحقيقة أن الأجيال الحاضرة قد دُجنت و هُجنت على مفاهيم عدم الاهتمام بشيء و هذا ما يجعل الطريق صعبة و المشوار طويل جداً ، و قد نحتاج لعقود عديدة قد لا نراها ، خصوصاً و أن مكونات الأمة لا تلتقي على جميع الأهداف و القناعات ، حان الوقت للتقدم إلى الأمام و التفكير ببناء الدولة المحورية الكبيرة التي تمتد من المحيط إلى الخليج لأهميتها في إرساء قواعد البنية الأساسية في هذه المنطقة من العالم و التي تعتمد على قواها الذاتية البشرية والجغرافية و الثروات الباطنية ، لا بد أن نخرج من دائرة التبعية لهذه القوة العالمية أو تلك، و نبني قوانا الذاتية مما نملكه من مقومات ، لا بد من تطوير الفكر القومي ليصبح فكر جغرافي اقتصادي إنساني يحقق لسكان هذه الرقعة من الكوكب العزة و الأنفة و يمكنها من القضاء على الخنجر المسموم الذي زرعته الصهيونية العالمية في خاصرتنا لتفصل أهل المشرق عن أهلِ المغرب رغم كل الوشائج و الروابط و الآمال و الأهداف التي توحدهم ، لقد استطاعت الصهيونية العالمية و القوى الأخرى المناوئة لمصلحة أبناء هذه الأمة أن تبذر بذور الشقاق ما بين مكونات الأمة بعد أن كان الرابط القومي يشكل حجر الأساس في جمع الأمة تحت لواء العروبة، أما وقد تبددت المقومات التي تجمعنا بفعل معظم الحكام العرب الذين لم يهتموا سوى بالمحافظة على كراسيهم على حساب مصالح و آمال و أحلام شعوبهم ، لا بد من تقويم الدفة و تعديل المسيرة. القوى الشعوبية والفئوية تسعى لتفتيت مقومات وحدة هذه الأمة من خلال بذر بذور الخلاف والشقاق، ودورنا كمثقفين هو العمل على توحيد الأفكار بما تقتضيه المرحلة لاستعادة قوة هذه المنطقة واستعادة سيطرتها على السياسة العالمية بما فيه مصلحتها ومصلحة البشرية جمعاء، سوف تبقى إسرائيل عدوتنا الأساس، وكل خلاف غير ذلك بين الشعوب يبقى قابلاً للحل بما يحقق مصالح الجميع، لم تتوفر الأسباب في التاريخ الماضي والمعاصر لنشوء الخلافات والتباينات ما بين مكونات المجتمع لا بل كانت الروابط التي تجمع الأمة أقوى بكثير من الروابط التي تفرقها، ولم يكن هناك في يومٍ من الأيام فرقٌ ما بين عربيٍ أو كرديٍ أو أمازيغي أو نوبي أو آرامي أو آشوري أو سنيٍ أو شيعيٍ أو علويٍ أو درزيٍ أو مسيحيٍ وحتى يهود المشرق من سكان البلاد سواءٌ في سورية أو اليمن أو غيرهما من البلاد في هذه المنطقة كانوا يتمتعون بالحرية والمواطنة وكان لكل مكونٍ دورهُ في بناء الأمة والدولة. ما زرعته الصهيونية هو بذر الفرقة من خلال تغليب المصالح الفئوية على المصالح العامة وبث سموم التفرقة حتى بات كل مكون يعمل على مبدأ ربي نفسي.
القضية تقتضي قيادةً تدركُ حساسية المرحلة وتتمتع بكاريزما وتؤمن بالجماهير الشعبية دون النظر إلى انتماءاتها الفئوية أو المذهبية وتعمل على توحيد الجهود ورأب الصدوع وإعادة بناء ما تهدم، و توطد انتماءها للأمة بكافةِ مكوناتها، وتتجاوز العلاقات البينية ما بين القوى العالمية والاقليمية التي تعتمد في دعمها لهذه الجهة أو تلك على مصالحها الذاتية قبل كلِ شيء ولو كان ذلك على حساب الآخرين، الأمثلة كثيرة ويكفي استعراض المواقف العديدة لقيادات هذه القوى العالمية والتنسيق ما بينها وعلى حساب الشعوب وحتى الحكام .
حبذا لو تتحقق الصحوة لدى الحكام في غالبيتهم ليدركوا أن الولاء لا بد أن يكون للأرض والوطن وهذا الولاء هو الذي يعطي القوة الحقيقية للحاكم أكثر من أي اعتبارات أخرى أو ارتباطات هنا أو هناك، فلن تعمل القوى العالمية سوى لتحقيق مصالحها قبل أية مصالح أخرى.هل سيتحقق الحلم أم أننا سنبقى نراوح في مصائبنا ونحن نتبادل الاتهامات بالعمالة والخيانة والارتباط بهذه الجهة أو تلك .
المصدر: دام برس