يلعب الإعلام المقروء والمرئي ووكالات الأنباء دوراً خطيراً في الثورات الوطنية الشعبية والشبابية السلمية والأحداث الناشئة عنها والتطورات الإيجابية أو السلبية التي تجري خلالها والأزمات الناشئة عنها. ومظهر الحياد الذي كان يبدو عليه في بداية الأحداث بإشراك رموز الموالاة للسلطة الحاكمة ورموز المعارضة صار ينحسر تدريجياً ثم انكشف انحيازه التام للجهات المؤسسة والموجهة لمجالس إدارة المؤسسات الإعلامية من دول أو منظمات أو شخصيات من كبار الأثرياء الداعمين للمعارضة أو للسلطة الحاكمة.
ومع أن بعض القنوات الفضائية التاريخية مثل القناة البريطانية BBC تحاول الحفاظ على حيادها غير أنها تتأثر بالسياسات الأميركية الغربية السياسية والاقتصادية ومواقفها والحلف الأطلسي (الناتو) من القضايا العربية والإسلامية والقضية الفلسطينية وغيرها.
غير أن القناة تحاول التمسك بحرفيتها وخبرتها الإعلامية على أساس الانحياز الإعلامي التام للقنوات الفضائية المشهورة مثل العربية والعربية الحدث وسكاي نيوز عربية وفرانس24 وBBC والميادين والمنار والعالم والأورينت للإعلامي السوري د. غسان عبود.
بعض هذه القنوات الفضائية الشهيرة وقفت مع الثورة السورية والثورات العربية الأخرى التي انطلقت في مطلع عام 2011 وحقق بعضها أهدافه الأولية في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية بعد تغيير رؤوس النظم في تونس ومصر العربية وليبيا واليمن وتعثر الثورة السورية بسبب عسكرتها وأسلمتها بتخطيط متعمد من النظام وبزج الجيش العقائدي الحزبي في مواجهة الثورة الشعبية السلمية وملايينها الثائرة المنتشرة في المحافظات والمناطق.
أما الاعلام الداخلي المؤسس سابقاً على الدفاع عن النظام الحاكم بعد استيلائه على السلطة بحركة انقلابية في الجيش في الثامن من آذار 1963، وعمل على تصفية الجيش الوطني من الضباط الوحدويين الوطنيين والناصريين والبعثيين القوميين اليساريين على مراحل، آخرها بعد ما سمي الحركة التصحيحية برئاسة الأسد الأب.
كما أقدم النظام في عهد الأسد الابن على تصفية أجهزة الإعلام من كل محاولة لانفتاحه على قوى المعارضة الوطنية والمجتمع المدني كالتجمع الوطني الديمقراطي ورموزه وتيار المثقفين في لجان إحياء المجتمع المدني واتحاد الكتاب العرب ورؤساء منظمات المجتمع المدني من النقابات المهنية في أزمة الثمانينات في العهدين خلال خمسة عقود.
وتمت إزاحة رئيس صحيفة تشرين من حركة الوحدويين الاشتراكيين التي بقيت في جبهة النظام، وهو نقابي عمالي بارز من الغوطة الشرقية وإزاحة د. سميرة المسالمة عضو القيادة القطرية من رئاسة تحرير الصحيفة عندما كررت محاولة الانفتاح، وتكرر ذلك في صحيفة الوطن السورية الموالية لمحمد مخلوف القطب الثاني في العائلة، وفي مجلة أبيض وأسود ودور الإعلامية النشيطة راما نجمة وتم إغلاق المجلة لمحاولة انفتاحها على الرأي الآخر الوطني المعارض.
لتبقى هذه الصحافة المقروء ة على انحيازها للسلطة وتمجيدها رغم نهج الاستبداد والفساد وللثورة المضادة لثورة الشعب السلمية الحقيقية، كما تم تصفية رمز كبير من قناة الميادين، هو الرمز الثاني الموالي للنظام بعد أن بدأ يشكل قناعات جديدة منفتحة على نهج التغيير الديمقراطي ويعبر عنها بجرأة ووضوح وحجج مقنعة، بعد انسداد آفاق التغيير من قبل النظام وإصراره على تعطيل العملية السياسية في جنيف والتسوية السياسية المنشودة والغرق في مستنقع العزلة الدولية مع حلفائه من الحرس الثوري الإيراني ونظام ولاية الفقيه وأذرعه المذهبية في دول المنطقة.
إن التطور الإعلامي المفاجئ في هذه المرحلة وظروف محاولة النظام تعويم ذاته وتجديد الولاية الرئاسية للمرة الرابعة لسد الأبواب أمام أي حلول سياسية أو تسوية سياسية تنقذ الشعب السوري من الكارثة، على نحو ما عبر عنه المبعوث الدولي في إحاطته أمام مجلس الأمن في الثامن والعشرين من نيسان الماضي. وفاجأنا موقع إعلامي إلكتروني (رأي اليوم) للدكتور عبد الباري عطوان أحد الرموز الفلسطينية السياسية والإعلامية المعروفة بنبأ انفتاح سعودي إماراتي قطري إماراتي خليجي عراقي مصري على النظام السوري لإعادته إلى “الجامعة العربية” و”العمق العربي”.
وتحدث عن تفاصيل متفائلة .. تعزز تجاوز النظام للحل السياسي والانتخابات الرئاسية الشكلية في الترشيح والموافقة على زمرة المرشحين .. ولم يكلف السيد عبد الباري عطوان نفسه التواصل مع أي مسؤول من الدول التي عددها بما فيها العربية السعودية التي استضافت مؤتمرين للمعارضة الوطنية السورية في خريف عام 2015 وعام 2017 وبنت مقراً خاصاً للكيان التفاوضي بعد المؤتمر الثاني وتعاطفت مع الشعب السوري المشرد في المنافي والمهاجر ومخيمات اللجوء وتقديم المعونات والمساعدات المتواصلة لهم والوقوف مع عودتهم الطوعية والآمنة إلى مناطقهم.
وهذا ما دفع مسؤولاً رسمياً في الخارجية السعودية للتصريح لقناة روسيا اليوم بأن ما ورد في “رأي اليوم” حول زيارة مسؤول أمني سعودي إلى دمشق ولقائه بمسؤول الأمن الوطني “غير دقيق” …!
ويتبعه تصريح آخر لمدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية السعودية السفير رائد قرملي بأن ما تناقلته تقارير الأنباء حول زيارة رئيس المخابرات السعودية إلى دمشق “غير دقيق” ..!
وأضاف أن “السياسة السعودية تجاه سوريا لاتزال قائمة على دعم الشعب السوري وحل سياسي تحت مظلة الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن من أجل وحدة سوريا وهويتها العربية.”
وهذا ما يؤكد أن مواقف الدول العربية الفاعلة مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والمملكة الأردنية الهاشمية والكويت من القضية السورية لم يتغير من الحل السياسي في جنيف وفق بيان جنيف1 والقرارات الدولية والقرار 2254.
وإن الخلط الإعلامي بين التنسيق الأمني بين الدول العربية الفاعلة الذي لم يتوقف منذ عقود وبين الموقف السياسي لهذه الدول من الحل السياسي يختلف تماماً ولا يسعف النظام الحاكم ومحاولات إعادة إنتاجه وتعويمه.
المصدر: نورث برس