أفادت مصادر دبلوماسية مصرية لـ”العربي الجديد”، بأن التقييم الرسمي المصري للمباحثات “الاستكشافية” التي أجريت نهاية الأسبوع الماضي على مدار يومين، بين وفدين مصري وتركي في مقر وزارة الخارجية المصرية في القاهرة، أظهر أنها “كانت إيجابية للغاية”، وأن المؤشرات تؤكد قرب عقد اجتماع أو أكثر على المستوى الوزاري بين البلدين في الصيف المقبل. كما تجري اتصالات بغية تفعيل التواصل عن طريق برلمانَي البلدين رسمياً. غير أن هناك بعض النقاط التي طلب الجانب التركي بشأنها فترة انتقالية، تمكّنه من اتخاذ إجراءات عملية وإعلامية دقيقة وتحافظ على تماسك جبهته الداخلية، موضحاً أنه يتوجب على مصر التعامل معها بمرونة لا تخلّ بتحقيق التقدم المنشود.
وعلى رأس هذه النقاط، ملف أوضاع المصريين المقيمين في تركيا، هرباً من الملاحقات الأمنية أو من خرجوا بحثاً عن ظروف أفضل للعمل السياسي والإعلامي. وتتمسك أنقرة بعدم التفريط في حماية المهددين من هؤلاء، التزاماً بمواقفها الأيديولوجية، فيما يدور الموقف المصري حول ثلاثة أمور في هذا السياق. أولها عدم الممانعة في استمرار المصريين المعارضين والمتشددين في البقاء في تركيا، من دون السماح لهم بالعودة لمصر ومن دون إصدار أوراق ثبوتية لهم وسحب جنسيتهم المصرية إذا اقتضى الأمر بحصولهم على الجنسية التركية. وهو ما لا ترحّب به تركيا لعدم رغبتها في التوسع في منح الجنسية لجميع من ستضطرهم الظروف لذلك.
وعن هذه النقطة يتقاطع حديث المصادر الدبلوماسية مع مصدر حكومي كشف لـ”العربي الجديد” أن قرار مجلس الوزراء المصري الصادر بسحب الجنسية المصرية من الداعية صفاء الضوي العدوي، يوم الخميس الماضي، كان بسبب حصوله على الجنسية التركية، منذ رحيله إلى إسطنبول قادماً من البحرين التي طردته وسحبت منه جنسيتها. وأكد المصدر أنه سيتم التعامل بذات الطريقة مع الحالات المماثلة، مشيراً إلى أن تزامن القرار مع زيارة الوفد التركي “كانت مقصودة لإيصال هذه الرسالة”.
أما الأمر الثاني فهو رغبة مصر في استرداد عدد محدود من الشخصيات المقيمة في تركيا على سبيل التنكيل السياسي، أو لتصور أجهزة النظام أن حضورها سيكون مفيداً في مجريات التحقيق في بعض القضايا، وتفكيك مجموعات المعارضة التي ما زالت قادرة على الحركة. والأمر الثالث عدم الممانعة في عودة النساء والأطفال وغير المطلوبين أمنياً، شرط إجراءات أمنية مشتركة بين البلدين. وهو ما قد يستغرق وقتاً طويلاً للاتفاق عليه.
ويتقاطع هذا الملف مع مسألة اعتراف تركيا بشرعية النظام المصري وبأن 30 يونيو/حزيران 2013 ثورة وأن 3 يوليو/تموز من العام ذاته لم يكن انقلاباً، وبأن فض اعتصام رابعة لم يكن مذبحة. وبحسب المصادر، بدأت الاتصالات المباشرة بين البلدين قبل شهرين تقريباً بوضع مصر هذه المطالب على رأس شروطها لاستئناف العلاقات الطبيعية. لكن مع تطور المحادثات تراجعت أهمية ومركزية هذا الأمر، لأن الاعتراف في حد ذاته، حتى إذا صدر بعبارات صريحة في بيان أو خطاب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ستكون له تأثيرات سلبية محتملة على الداخل التركي، وربما يؤدي لنتائج عكسية، خصوصاً على الصعيد الأمني. وهو ما أفضى إلى تطوير المباحثات حول هذه الشروط، لتدور حول ضبط الخطاب الإعلامي الصادر عن الأراضي التركية، وأيضاً وقف التصريحات المتكررة من قيادات الحزب الحاكم عن الشؤون المصرية الداخلية، بعيداً عن المطالبة بالاعتراف بالشرعية بحد ذاته.
واعتبرت المصادر أن تصريحات مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، التي انتقد فيها إعدام عدد من المتهمين المدانين في قضية اقتحام قسم كرداسة، أعادت طرح هذه المسألة خلال مباحثات القاهرة. وكشفت عن طلب الجانب المصري بشكل واضح وقفها وعدم تكرارها، محذراً من عرقلتها للجهود المشتركة، فضلاً عن إعطائها مساحة لمعارضي التقارب أو المستفيدين من استمرار القطيعة، من داخل النظامين الحاكمين، بالاستمرار في تسويق مواقفهم المتشددة التي لا تخدم الطرفين.
وشرحاً لهذه النقطة؛ قالت المصادر الدبلوماسية المصرية إن هناك شخصيات في المخابرات العامة والأمن الوطني، وحتى في رئاسة الجمهورية، تشكك في نوايا الأتراك النهائية وترغب في عرقلة المباحثات على الصعيدين السياسي والأمني. وهذه الشخصيات تلقفت تصريحات أقطاي الأخيرة وحاولت ترويج مواقفها من خلالها، على عكس رغبة الإدارة المصرية السياسية، التي ترى أن الوقت مناسب تماماً للتقارب وتجاوز الخلافات منعاً لتكرار استنزاف البلدين استراتيجياً في مختلف الملفات.
وفي ملف آخر، أشارت المصادر إلى أن هناك احتمالاً لبدء التواصل المباشر الفني حول التعاون في مجال الطاقة بعد اللقاءات الوزارية المرتقبة، في إطار رغبة أنقرة لربط النقاش حول فرص وشروط انضمامها للمنتدى بموضوع أهم بالنسبة لها وهو ترسيم الحدود البحرية مع مصر، والذي وصفته المصادر بأنه “هدف منشود للبلدين ويمكن أن يتحقق خلال العام الحالي إذا تحققت شروط معينة”. لكن الاتصالات الجارية حالياً تركز على اتخاذ خطوات تجعل مفاوضات الترسيم مستقبلاً ممكنة وسهلة، والعامل المسهل الأول لذلك هو حسم إمكانية مشاركة اليونان وقبرص فيها، ومدى قبول كل طرف بتقديم تنازلات بغية التوصل إلى اتفاق. ويوم الجمعة الماضي، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، إن العلاقات بين تركيا ومصر في تطور، وستصل إلى مستويات رفيعة قريباً.
وتمضي المفاوضات المصرية التركية في دراسة مقترح اشتراكهما مع الاحتلال الإسرائيلي في المشروع الطموح لتصدير الغاز لأوروبا، باعتبار مصر ودولة الاحتلال المالكتين حالياً لأكبر حقول الغاز في المنطقة، إذا ما قورنت بالحقول المكتشفة في قبرص واليونان.
وسبق أن كشفت “العربي الجديد” في 9 مارس/آذار الماضي عن تنافس يلوح في الأفق بين اليونان وقبرص ستدخل تركيا مضماره أيضاً، على دور الشريك الذي سيخصص نقطة انطلاق لوجستية كبرى لنقل الغاز المسال الآتي من وحدتي الإسالة في دمياط وإدكو في مصر، والذي سيكون جزء كبير منه تابعا لدولة الاحتلال في إطار الشراكة بين البلدين، والتي أعلن انطلاقها أخيراً بالربط بين حقل ليفياثان والوحدتين عن طريق خط الأنابيب البحري. وتصدت تركيا سابقاً لمشروع توسيع شبكة الأنابيب المقامة بين مصر والاحتلال، والمملوكة حالياً لشركة أسست خصيصاً لامتلاك شبكة الأنابيب، بين شركتي “نوبل إنيرجي” الأميركية و”ديليك” الإسرائيلية وشركة “غاز الشرق” المملوكة حالياً للدولة.
المصدر: العربي الجديد