هذا هو السؤال الأساسي المطروح بشدة حالياً على القيادتين، السياسية والعسكرية، في إسرائيل. وفي وقتٍ يطغى الهم الداخلي على اهتمام الساسة الإسرائيليين، وفي ضوء الأزمة الحكومية، وعدم تمكّن نتنياهو من تشكيل حكومة بعد انتخابات رابعة غير حاسمة، وفي ظل التغييرات الإقليمية المتسارعة، ومن أبرزها الحوار السعودي – الإيراني، وعمليات التقارب الإيرانية من عدد من دول العربية، سيما الخليجية وغير الخليجية التي تنتمي إلى محور الدول العربية المعتدلة الذي كانت إسرائيل تعول على تأييده في معارضتها الاتفاق النووي.
يضاف إلى ذلك خسارة إسرائيل أهم داعم لها في البيت الأبيض في محاربة البرنامج النووي الإيراني، أي دونالد ترامب، ووجود إدارة ديمقراطية أقلّ ما يمكن أن يقال عنها إنها ليست على علاقات ود مع رئيس الحكومة الحالية، بنيامين نتنياهو، والتي لا تستبعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، من أجل عودة سريعة إلى الاتفاق النووي الأصلي.
تحاول إسرائيل حالياً إقناع الأميركيين بعدم العودة إلى الاتفاق القديم مع الإيرانيين، من خلال توجهين متعارضين: التهديد والإعلان أن أي اتفاق يجري التوصل إليه لا يلزم إسرائيل، كما قال رئيس الحكومة نتنياهو في وقت سابق، والتلميح إلى أن كل الخيارات ستبقى مطروحة بينها الخيار العسكري. إبداء رغبة ظاهرية في التفاهم مع الإدارة الأميركية، وإرسال وفد رفيع المستوى إلى واشنطن، للتفاهم مع الطاقم الأميركي المولج بالمفاوضات مع إيران، لنقل وجهة النظر الإسرائيلية، وللاطلاع عن قرب على تقدم المفاوضات، لكن مع شعور إسرائيلي عميق بأن هذه الاجتماعات واللقاءات لن تؤثر فعلاً في سير المفاوضات.
من أهم الانتقادات الإسرائيلية الأخيرة للتحرّك الأميركي أنه يتخلّى عن الأداة الأكثر نجاعةً في التعامل مع إيران، أي سلاح العقوبات، من دون الحصول على مقابل إيراني موازٍ من حيث الأهمية. في نظر إسرائيل حالياً، أي رفع أميركي للعقوبات عن إيران، مهما كان محدوداً أو رمزياً، هو بمثابة إنجاز كبير، ليس في نظر الإيرانيين وحلفائهم في المنطقة فحسب، بل في نظر خصومهم الإقليميين أيضاً، وفي مقدمة هؤلاء الدول العربية المعتدلة. وسيؤدّي أي رفعٍ للعقوبات تلقائياً إلى تعزيز موقع إيران الإقليمي، وسيظهرها في مظهر الدولة القوية التي نجحت في فرض إرادتها على الأميركيين، من دون التنازل عن أي من مطالبها.
تحرير إيران من عبء العقوبات الثقيل أول انتصار معنوي واقتصادي مهم للغاية، تحققه إيران منذ سنوات، من دون أن تتراجع أو تقدّم تنازلات، لا على صعيد برنامجها النووي وبرامج أبحاثها العسكرية، ولا على صعيد سياساتها في دول المنطقة، ونشاط وكلائها في كل من اليمن وسورية والعراق ولبنان. ويبدو أكثر فأكثر في نظر إسرائيل أن البرنامج النووي الإيراني هو مجرّد أداة لتعزيز الهيمنة الإيرانية على المنطقة، وما حققته على هذا الصعيد منذ توقيع الاتفاق النووي سنة 2015 من توسيع لوجودها العسكري في سورية والعراق، من خلال المليشيات الشيعية الموالية لها، واليمن من خلال الحوثيين، ولبنان من خلال حزب الله، هو أبرز دليل على هذه الفرضية. تسعى إيران إلى أن تصبح دولةً على عتبة السلاح النووي، وأن تنال اعترافاً من المجتمع الدولي. وقد تمكّنت، على الرغم من المصاعب الاقتصادية الجمّة التي واجهتها في السنوات الأخيرة، جراء فرض العقوبات الاقتصادية عليها من الصمود والمضي قدماً. وفي رأي معلقين إسرائيليين، تخطئ إدارة بايدن إذا اعتقدت أنها، برفع العقوبات عنها ستعيدها إلى الاتفاق النووي، بينما في الحقيقة مقابل قبول إيران تقليص تخصيب اليورانيوم ستحصل على ثمن سياسي أكبر بكثير على الصعيدين، الإقليمي والدولي.
تتخوّف إسرائيل من تداعيات الحوار السعودي الإيراني على اتفاقيات أبراهام وعمليات التطبيع مع الدول الخليجية، وعلى تماسك الجبهة المعارضة لإيران في المنطقة. وتعتبر ما يجري هو نتيجة تغيراتٍ طرأت على السياسة الخارجية السعودية في الآونة الأخيرة، جرّاء تبدّل الظروف الدولية والإقليمية. وعلى الرغم من تشكيكها في إمكانية توصل إيران والسعودية إلى تفاهماتٍ تؤدي إلى انهاء حرب اليمين التي تشغل كثيراً بال السعوديين، فإنها أيضاَ بدأت تستعد لأن تواجه وحدها تبعات الوقوف في وجه اتفاق نووي جديد مع إيران. فهل تشهد المرحلة المقبلة تجدّد المواجهات والحرب السرية الدائرة بين إسرائيل، وإيران برّا وجوا وبحرا؟ هذا منوط بعدد من المسائل، في طليعتها طبيعة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، والتوجهات التي ستنتهجها على هذا الصعيد، والتطورات الأمنية في المنطقة، والأهم كيفية تطوّر العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية الجديدة وإدارة جو بايدن.
المصدر: العربي الجديد