أن تكون معارضاً في ظل حكم الأسد فهذا يعني أنك تغامر بحياتك، ويعني من جهة أخرى، أن الوطن وحرية أبنائه أغلى من حياتك. ومن هنا كان نموذج ميشيل كيلو الذي تعرفت عليه في إحدى الندوات التي كانت تقام في منزل السيدة “جورجيت عطية” بدمشق، وكان صوت ميشيل هو الأعلى والأوضح من بين المتحدثين كلهم. لقد كان اسم ميشيل يتردد كثيراً في أوساطنا، نحن الشيوعيين، أو لدى بعضنا على الأقل ممن يلتقون معه ومع المعارضة عموماً فيما يطرحونه من أفكار تعمل على تفعيل الحياة السياسة السورية بدءاً لإعادة الروح لسورية الوطن لكننا، للأسف، كنا أسرى لتلك الجبهة التي ساهمت جدياً بقتل الحياة السياسية. أذكر عندما اعتقل ميشيل في العام 2006 مع عدد من المثقفين السوريين، وكنت عضواً في مجلس الشعب، طالبت في إحدى المداخلات بالإفراج عن معتقلي الرأي في سورية وذكرت بعض الأسماء من بينهم عارف دليلة الاقتصادي الذي كنا نتداول بعض مقالاته منسوخة وبررت مطالبتي بأن هؤلاء وجه سورية الثقافي والحضاري. ولدى انفضاض الجلسة عاتبني محمود الأبرش رئيس المجلس بأن هؤلاء كذا وكذا. فقلت إن ذلك لا يليق بسورية والسوريين. في العام 2016 زارني بصحبة الصديق عبد الباري عثمان في مقر “المنتدى الثقافي السوري في غازي عينتاب” وفهمت من عبد الباري، فيما بعد، أن كانت لدى ميشيل رغبة لتحويل المنتدى إلى مركز ثقافي للسوريين.
اليوم خير ما يمكن لرفاق ميشيل وشركائه في النضال الوطني لتحرير سورية من الاستبداد والاحتلال الأجنبي وإيصالها إلى بر الأمان أن يعملوا بجدية من أجل تنفيذ وصية ميشيل التي كتبها قبل عدة أيام من وفاته العمل وجوهرها هو وحدة المعارضة ووحدة صوتها والإخلاص لفكر ميشيل واحتراماً لدم الشهداء وجدير بنا أن نستذكر بعض ما جاء في تلك الوصية:
“لا تنظروا إلى شعبكم ووطنكم من خلال أهوائكم وأيديولوجياتكم وهوياتكم الآنية والضيقة والسطحية، بل انظروا إلى ذلك كله من خلال شعبكم ووطنكم، عامل غنى وإثراء وتفاعل وتكامل وتعاضد، فالتقوا بمن كان مختلفاً معكم بعيداً عن انحيازاتكم الهوياتية أو الإيديولوجية التي كانت تصوِّره عدواً لكم. فيما عدونا جميعًا هو الاستبداد الذي سلب حقوقنا وحرياتنا. لن تقاتلوا الاستبداد منفردين. إذا لم تتحدوا في إطار وطني وعلى كلمة سواء ونهائية سيذلكم إلى زمن طويل جداً. في وحدتكم خلاصكم فتدبروا أمرها بأي ثمن. لن تصبحوا شعباً واحدًا ما دمتم تعتمدون معايير غير وطنية وثأرية في النظر إلى بعضكم وأنفسكم، وهذا يعني أنكم ستبقون المبادرة بيد الأسد الذي يغذي هذه المعايير وعلاقاتها، وأنتم تعتقدون بأنكم تقاومونه.”
لترقد روح ميشيل كيلو في أمن وسلام، ولتغدو أفكاره الثورية، والسمحة بآن، منارة للسوريين في نضالهم المعجز، ليكون النصر حليفهم في ترميم ما دمَّرَه نظام الأسد على غير صعيد.
المصدر: اشراق