هيمن مقطع الفيديو الفظيع الذي يعرض الكلب الآلي التابع لإدارة شرطة نيويورك على عالَم الإنترنت في وقت سابق من هذا الشهر. وفي اللحظة التي هرول فيها “ديغي-دوغ” خارجاً من مبنى سكني عام، قرر الكثير من الناس أن مستقبل “المدمِّر” Terminator قد وصل -وأن البشرية محكوم عليها بالفناء.
ليس مصير الإنسانية محكوماً بالفناء. لكن الصخب الذي أثاره الفيديو جعلني أفكر في كيفية تقييم مستقبل التكنولوجيا، السيئ منه والجيد، في أعقاب انتهاء الوباء.
مثلما حدث مع الكثير من التغييرات الرئيسية التي شهدها المجتمع الأميركي بعد جائحة الإنفلونزا الإسبانية في العام 1918 (وأيضًا بعد الحرب العالمية الأولى)، سوف يكون الوقت الذي نعيشه الآن مليئاً بالمتغيرات والضجيج. وإليكم الرأي الذي تكون لديّ في خمسة من المجالات التقنية الرئيسية التي نحتاج إلى التفكير فيها في مرحلة ما بعد الجائحة.
– العمل إلكترونياً (عن بُعد). كان العمل، وتحديداً انتقاله من المكتب إلى المنزل، أحد أهم التغييرات التي شهدها العام الماضي. وبطبيعة الحال، ما تزال العديد من الوظائف تتطلب وجودًا جسدياً للعاملين في مكان العمل، لكن عدد العمال الذين لا يتعين عليهم التواجد مكانياً كبير وفي ازدياد.
لقد أدرك من يسمُّون بالعاملين في مجال المعرفة -حتى مع كل الشعور بالضيق الذي رتّبه التواجد على تطبيق “زووم” طوال الوقت- أنه قد يكون من الأرخص كلفة والأكثر إنتاجية أن تكون لديك قوة عمل أكثر مرونة فيما يتعلق بالمكان والزمان.
ولا يعتقد أي من الرؤساء التنفيذيين الذين تحدثت معهم في الأشهر الأخيرة أن شركاتهم سيكون لديها عدد كبير من الموظفين في أي نوع من المقرات في أي وقت في المستقبل. وقالت شركة “فيسبوك”، هذا الأسبوع، إن موظفيها يمكنهم العمل من المنزل بشكل دائم؛ وسيصبح هذا الاتجاه شائعًا بشكل متزايد.
وعلى الرغم من وجود عدد من العوائق التي تعترض سبيل العمل الافتراضي -بما في ذلك الحاجة البشرية الأساسية إلى التواصل الشخصي- فإن مجموعات البيانات التي تم جمعها خلال العام الماضي تُظهر أن العمل عن بُعد يمكن أن يكون أكثر إنتاجية. وستؤدي هذه المعلومات إلى جميع أنواع الابتكارات -والمزيد من العمل عن بُعد أيضاً.
وثمة الكثير مما يدعو للقلق هنا، بطبيعة الحال، بما في ذلك التتبع المستمر للعاملين وفعاليتهم، في جميع مستويات مكان العمل. كما سيعتمد المديرون أيضًا على الأدلة القصصية بدرجة أقل بكثير من الاعتماد على الأداء الفعلي عندما يتعلق الأمر بتقييم إنتاجية العامل، وهو ما يمكن أن يكون شيئًا جيدًا.
– الصحة عن بعد. تشكل الرعاية الصحية مجالًا آخر كان مهيأ لأن يشهد حركة في مرحلة تفشي الجائحة، حيث قاومت هذه الصناعة التكنولوجيا لسنوات عديدة. وقد حاول عدد من الشركات العملاقة، مثل “ميكروسوفت” و”غوغل”، جعل تجربة صحة المستهلك تنساب إلكترونياً، في حين كانت العديد من الشركات الأخرى جزءًا من رقمنة النهاية الخلفية للعملية، لكن الأمر كله ما يزال تجربة مزعجة في الارتباك. وقد سلط الوباء الضوء فقط على الحالة السيئة للخدمات الصحية في البلاد.
شكلت حقبة “كوفيد” المرة الأولى منذ عقود عدة التي يضطر فيها الأثرياء إلى تجربة الخدمات الصحية غير الكافية التي عاناها المواطنون المهمشون منذ فترة طويلة. وبسبب الفوضى التي شهدتها عملية اختبارات الكشف عن الإصابة وجدولة اللقاحات، من بين أمثلة أخرى، فهم عدد كبير من الناس الآن، من التجربة المباشرة، تكلفة نظامنا الطبي المعطل.
ليس من المستغرب إذن أن يكون هناك أيضًا صعود للعديد من الشركات الناشئة للعمل في مسألة الطب عن بُعد، مثل تطبيقات الصحة العقلية. وفي حين أن هذه الأمور تجلب في ركابها مخاوف مشروعة وكبيرة بشأن الأمان وفعالية التشخيص عبر الإنترنت (حيث ثمة هامش ضئيل لإمكانية الخطأ عندما يتعلق الأمر بالصحة)، فإن أولئك الذين يديرون أنظمتنا الصحية المعقدة والمكلفة بشكل ميؤوس منه سيبحثون عن طرق أكثر فعالية من حيث التكلفة لتقديم الخدمات.
– بيع التجزئة. لطالما كانت تجارة التجزئة الفيزيائية -بما في ذلك قطاع المطاعم والحانات- تحت ضغط هائل لسنوات، حيث وضعت شركات التكنولوجيا نفسها بشكل متزايد بين السلع والعملاء. وطوال كل هذا الوقت، كانت شركات التكنولوجيا تبني خندقًا تلو الآخر لترسيخ قوتها من خلال تقديم خدمة أفضل، وتبسيط لوجستيات التوصيل، وعرض أسعار أفضل.
كانت شركات مثل “أمازون” -وبدرجة أقل قصص نجاح أخرى مثل “أوبر إيتس”، و”إنستاكارت” و”دور-داش”- عاكفة على تجهيز نفسها في الوباء. وتم تدريب المستهلكين خلال العام الماضي على استخدام هذه الخدمات المتنوعة، والتي سيستمرون في اختيارها بدلاً من المشي إلى بائع تجزئة أو مطعم. وقد أنشأت هذه الشركات علامات تجارية موثوقة، بما أنها أصبحت لا غنى عنها.
ومرة أخرى، ستساعد البيانات التي تم الحصول عليها خلال العام الماضي هذه الشركات الكبيرة على تحسين الخدمة واستهداف المستخدِمين. ويعني هذا أن تكون لديها مزايا كبيرة لمواصلة تطوير جميع أنواع المنتجات.
من المؤكد أن الناس سوف يقومون بالمزيد من عمليات الشراء بالحضور الشخصي المباشر مع تلاشي الوباء. لكن التجارة عبر الإنترنت ربما تكون قد ترسخت الآن كممارسة يومية، ومن المؤكد أن الابتكارات المتعلقة بها ستجعلها أكثر قوة.
إذا كنت تعتقد أن “أبل” و”أمازون” لن توصلا إليك لقاحك القادم وتديرانه ذات يوم، على سبيل المثال، فإنك بحاجة إلى إعادة التفكير.
– التعليم عن بعد. لم يعمل التعليم عبر الإنترنت جيداً في العام الماضي. وكان للاعتماد على التعليم الافتراضي تأثير سلبي على صحتنا العقلية وكشف عن مواطن عدم المساواة في الوصول إلى الإنترنت. وما يزال يشكل تجربة إشكالية لمعظم المستخدمين. ويتفق كل الذين أتحدث معهم على أنه كان فشلاً بالنسبة لمعظم الطلاب.
كما يُقال في كثير من الأحيان في مجال التكنولوجيا، لم يكن الأمر ملائماً كما يجب، من حيث التقنية والإبداع، وأهم من كل شيء، في إلهام حبِّ التعلم. ولا ألوم المعلمين على عدم قدرتهم على إحداث تغيير في فصولهم رقميًا -فقد بذلك معظمهم قصارى جهدهم.
ولكن في منزلي، كان أطفالي يعبثون في كثير من الأحيان، ويرسلون الرسائل النصية، ويعكفون على الألعاب ويشاهدون مقاطع الفيديو، كل ذلك على هواتفهم المحمولة الجذابة دائمًا بالنسبة لهم.
كل هذا، على الرغم من حقيقة أن التعليم عبر الإنترنت كان موجودًا منذ بعض الوقت. لكن المطورين ركزوا إلى حد كبير على جعل المزيد من التعليم في متناول المزيد من الناس أكثر من تركيزهم على تقديم منتجات وخدمات جديدة.
بعد الوباء، سوف أود أن أرى قدرًا كبيراً من الاستثمار وهو يذهب إلى جعل التعلم عبر الإنترنت متاحًا وجذابًا على حد سواء. إنه ليس كذلك الآن بالتأكيد -لكن الفرصة تبدو سانحة.
– الابتكار. ربما يكون أهم شيء يمكن الخروج به من الوباء هو ازدهار للابتكار العابر لمجموعة متنوعة من القطاعات. بعد جائحة العام 1918، شهدت عشرينيات القرن الماضي موجة من الأفكار الجسورة للغاية، خاصة مع ظهور التلفزيون.
في حين أنني لا أستطيع أن أتنبأ بما سيكون عليه الحال في عشرينيات هذا القرن، فإني سأقول -إذا كان علي أن أخمن- إننا سنشهد اختراقات جديدة تتعلق بتقنية “مرسال الحمض النووي الريبي “RNA messenger” المستخدمة الآن في تطوير لقاحات “كوفيد”. وسوف ينطوي تحقق ذلك على المفارقة والفرصة، ويتماشى مع كيفية عمل الابتكار: من رماد المحنة الشديدة سوف ينهض اكتشاف كبير. والباقي، كما يقولون، تاريخ.
*Kara Swisher: كاتبة مقالات رأي، تغطي مسائل التكنولوجيا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Tech in the Post-Pandemic World: Assessing its future, both the bad and the good.
المصدر: (نيويورك تايمز) / الغد الأردنية