محمد خليفة

بكر الحسيني

محمد خليفة …
الرجل الذي لا يمكن أن نختزل الحديث عنه في جانب واحد من جوانب شخصيته الفذة في شتى المجالات .

فما كُتب و يُكتب عن الراحل الكبير بدأً من تشكّل وعيه السياسي في منتصف ستينيات القرن الماضي من خلال نشاطه الطلابي في الجامعة ، أو من خلال عمله السياسي المنتظم في حزب الإتحاد الإشتراكي العربي ، وبعدها في العمل التنظيمي القومي ، و عمله في الكثير من الأطر السياسية ، فقد كان هاجسه الوحيد مقارعة الإستبداد على إمتداد ساحات الوطن العربي .
و خلال عمله الدؤوب في الحركة القومية العربية لم تغب فلسطين عن فكر محمد خليفة ، إيماناً منه بمركزية قضيتها ، فانضم لحركة فتح عند تأسيسها و استمر ضمن صفوفها لغاية العام 1976.
و الراحل الكبير إلى جانب الدكتور برهان غليون مثلا  سوريا في نيقوسيا -قبرص عام 1983 عند تشكيل المنظمة العربية لحقوق الإنسان ، وحينها كانا هما فقط من سوريا .
و في سرد جزئية ” حدثت معي ” سألقي ضوءاً على رؤية فارسنا الراحل ، ففي العام 2018 تلقى حزب الإتحاد الإشتراكي العربي الديمقراطي دعوة من ملتقى العروبيين السوريين لحضور مؤتمرهم الثاني في مدينة كولن الألمانية ، و تم قبول الدعوة وتم تكليفي رسمياً بتمثيل الحزب في الملتقى ، و جرت عدة اتصالات بيننا ، و بعد أن أكدت للأخ أبو خالد مشاركتي في الملتقى ، إتفقنا على اللقاء قبل الموعد الرسمي لبحث كثير من الأمور العالقة حتى لايحدث مالا يحمد عقباه أثناء المؤتمر ، و التقينا أول مرة بشكل مباشر، وكنت مرتبكاً وخاصةً منه ، و ذلك لما كان يتوارد لسمعي عن ردود أفعاله مع خصومه في الرأي ، فشعرت بعدم أريحتي مع اللجنة المعدة للملتقى .
و بعدها اختلى بي جانباً يهدأ من روعي ، و اقترح عليّ أن ألتقي مع مجموعة من أعضاء الملتقى و شرح مواقفنا في الداخل ، و الصعوبات التي نواجهها مع نظام الإستبداد ، و تم اختيار ثمانية أشخاص مناصفةً من الرجال والنساء كلهم قضاة و أنا المتهم الوحيد ، و محمد خليفة مراقب .
كانت لحظات ثقيلة أمام سيل من الإتهامات توجه للحزب كقيادة و كوادر ، ودافعت بقدر فهمي و استطاعتي ، وكان هو بين الفينة والأخرى يتدخل بكل شفافية ، و يبرر مانقوم به في الداخل وشيئاً فشيئاً رأيتني أمام مناضل منطقي و واقعي لاينكر حق الآخرين و رؤيتهم ، شريطة أن لايكون هناك مساومة على وحدة البلد وعروبته ، أو مساومة على مواقف القطيعة الكاملة مع منظومة الإستبداد شكلاً ومضموناً.

و مع كل هذا السرد ، و بالرغم من كل ما قدمه من نشاط و تميّز على الساحة السياسية الوطنية و العربية ، إلاّ أن في تغريبة فقيدنا الكبير ، الكثير من الجوانب المحزنة و المؤلمة ، فقد ناضل على مدى عقود وهو يحلم بوطن تسوده العدالة والمساواة ، و لكنه مات أخيراً في صقيع الغربة قبل أن يلمس تراب وطنه .

رحم الله فقيدنا الكبير أبو خالد..

ونحن على العهد إن شاء الله باقون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى