محمد خليفة أبو خالد المناضل والكاتب والصحفي أحدث اخوتنا الذين تغول عليهم فيروس كورونا فأخرجهم من الحياة الدنيا إلى دار البقاء. واستطاع بهذا التغول أن ينجز ما لم تستطع انجازه أنظمة الظلم والطغيان في سوريا وفي غير سوريا.
والذي ينظر في مسار حياة وعطاء أبي خالد سيكتشف بسرعة أن طعنة كورونا لم تكن إلا الطعنة الأخيرة التي وجهت إلى هذا الرجل المفعم بالحيوية والعطاء، بعد أن أثخنت تلك الأنظمة وأجهزتها في طعنه وملاحقته فأنهكته حتى كأنها لم تبق له مكانا آمنا يأوي مطمئنا إليه.
هذا الصحفي والمثقف المجد كان واحدا من أبناء التيار الناصري الذين عاشوا هذا الانتماء بكل جوارحهم، وسخروا في خدمته كل امكاناتهم. وقد حرص بالقلم الذي امتلك ناصيته أن يجلي انتماءه الناصري بالحركة وبالقلم منذ أن كان يافعا في حلب، فكان إلى جانب فلسطين بكل تجلياتها المقدسة دون تحفظ،ودون هوادة، كان مدافعا عن المقاومة في لبنان حين كانت هناك وكان . وكان مع الانتفاضات الفلسطينية ومع كل اشكال النضال الفلسطيني، كما كان ضد كل الاتفاقات التي فرطت وتفرط بالحق الفلسطيني، وبقي دائما يتنسم روح الوحدة والانتماء القومي العربي أينما وجدها، نضاليا أو سياسيا أو مهنيا، وحينما التقى أحمد بن بيلا في فرنسا أولا ثم في سويسرا في ثمانينيات القرن الماضي ومطلع التسعينيات كان يشعر بأنه التقى بالأيقونة القومية التي عز نظيرها بعد رحيل رجلها الأول جمال عبد الناصر، لذلك حرص على صوغ علاقة مميزة مع “سي أحمد”، ووضع خلاصة حواراته مع علم الثورة الجزائرية وزعيمها في كتاب، وحين رشحه بن بيلا لرئاسة تحرير مطبوعته “البديل”، من باريس، – وكانت هذه المطبوعة جزءا من تصور لعمل سياسي على ساحة الجزائرية – اعتبر ذلك تكليفا سياسيا جهاديا قبل أن يكون عملا مهنيا، وهو حينها كان صحفيا مراسلا لمجلة الشراع اللبنانية التي بدأ حياته الصحفية فيها، وفيها استمر.
ومن موقعه في أوربا تابع بقلمه مجازر الصرب في البوسنة وللهرسك ووضع المسلمين في البلقان، وفي ما كان يعرف سابقا ب”يوغسلافيا”، وجمع نتاج قلمه المرهف في كتابه الخاص عن المسلمين في البلقان وواقعهم ومأساتهم.
ومحمد شأنه شأن الناصريين السوريين جميعا كان يقف من النظام السوري ومنذ البداية موقف من يعرف خطورة النظام الطائفي المستبد والفاسد، لذلك آل على نفسه أن يوظف قلمه لنصرة النضال ضد هذا النظام حتى إذا بدأ الحراك الثوري في سوريا كان في مكانه الطبيعي نصرة لثورة شعبه في مواجهة هذا النظام.
مبكرا اضطر الراحل للانتقال إلى لبنان، وعمل في مجلة الشراع مسؤولا عن القسم الثقافي، وعن “مجلة مصر”، وهي جزء من الشراع كانت في حينها تجليا من تجليات الموقف القومي المناهض لاتفاقات كامب ديفيد.
وفي لبنان اكتشف”أبو خالد” وعايش على مدى سنوات أوجها جديدة ومقيتة من ممارسات النظام السوري، وحين انتقل الى اليونان عقب الاجتياح الإسرائيلي، ومن ثم باريس قبل ان يستقر ويتحصل على الجنسية السويدية كان قد امتلك شعورا راسخا وعميقا بحجم الطغيان والاستبداد الذي يتحكم بحياة المواطن العربي ويلاحقه في كل مكان، في وطنه ابتداء وفي بلاد الهجرة حتى لو نال جنسية هذه البلاد. وكان يلمس حقيقة أن النظم العربية على اختلاف شعاراتها ومواقفها، تملك فيما بينها فهما أمنيا واحدا، وتنسيقا أمنيا يتجاوز كل الخلافات، وتعاونا لا تهاون فيه، يطال كل الشرفاء داخل الوطن وخارجه.
وفي كل مكان حل به كان إحساسه بالقهر وعدم الأمان حقيقي ومؤلم. وكان حنينه إلى سوريا وإلى حلب طاغ، فحلب عنده ليست فقط مسقط الرأس ومرتع الطفولة والصبا، وإنما هي فوق ذلك وبعد ذلك أيقونة النضال القومي، والانتماء الوحدوي، في سوريا اجتماعيا وسياسيا ونضاليا.
رحم الله أبا خالد، عاش مهاجرا على اضطرار، وأنهكه المرض مبكرا، واختطفه فيروس كورونا كما اختطف العديد من أحبائنا في أحرج الأوقات.
اللهم اقبله في زمرة الشهداء، واجعل مقامه في عليين، واجمعنا معه ومع من سبقه من إخوتنا في الصالحين، إنك أنت العليم الكريم.
د.مخلص الصيادي
استانبول 22 / 4 / 2021