الجامعة العربية ومحاولات تأهيل النظام

في جولات مكوكية لوزير خارجية الاتحاد الروسي سيرغي لافروف، شملت الخليج ومصر ودول أخرى من خلال مبعوثين آخرين، تحاول روسيا إعادة تأهيل النظام من خلال عودته للجامعة العربية التي أُخرج منها في وقت مبكر من المقتلة السورية التي مارسها النظام ضد شعبه، فقد طلعَتْ علينا صحيفة الشرق الأوسط السعودية بخبر مفاده أن اجتماعاً ثلاثياً على مستوى القمة سيعقد في بغداد ويضم الأردن والعراق ومصر، سيبحث إعادة سورية لتبوّء مقعدها في الجامعة العربية، وسعت روسيا بكل الطرق لإعادة تأهيل هذا النظام الذي قتل شعبه ودمر بلده، بطرق حاول فيها الالتفاف على القرارات الدولية ودعم نظام أفنى شعبه وشرده وتركه تحت وطأة الجوع والمرض من خلال انهيار مؤسسات النظام الذي لحقته العملة الوطنية نتيجة النهب والفساد وتهريب الأموال والتفريط بثروات الوطن وإمكاناته…
سعت روسيا منذ تدخلها العسكري في سورية في أيلول عام 2015 إلى تثبيت النظام بعد انهياره وفشله مع حليفته إيران وحزبها اللبناني في الانتصار على المجموعات المسلحة التي سيطرت على غالبية الأراضي السورية، وبعد انتصارها عسكريا عبر سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها في جمهورية الشيشان الروسية، وبعد ان جربت أكثر من 300 سلاح جديد حسب وزير الدفاع الروسي، ابتدعت مساريّ أستانة وسوتشي لإفشال مسار جنيف الأممي وقراره الذي قرر أربع مراحل للخروج من المعضلة السورية، أولها عملية انتقال سياسي يفضي إلى هيئة حكم انتقالية تمهد لانتخابات تشريعية ورئاسية، فحسب مسار أستانة استبدلت روسيا وهي مالكة الأوراق على الأرض السورية المسار الأممي المتوازن، باللجنة الدستورية التي لم تنجز أية خطوة بعد سنة ونصف من بدء عملها، وهذا يعني أن روسيا التفّت على المسار الأممي الذي كان يعول عليه للخروج من المحنة….
بعد هذا وذاك حاولت روسيا من خلال مؤتمر عقد في دمشق إعادة اللاجئين من دول الشتات بحجة أن البلد أصبح آمناً وليكون ذلك مرتبطاً بإعادة الإعمار من خلال دعوة الاتحاد الأوربي والصين للمساهمة في ذلك، ولكن المؤتمر فشل فشلاً ذريعاً لتلتفت روسيا على الداخل من خلال مفاوضة قسد للتعاون مع النظام وفتح المعابر بين المناطق خارج سيطرة النظام والنظام لما في ذلك من مساهمة في حلحلة أزمات النظام المالية والاقتصادية….
وبعد انتصاراتها العسكرية، وفشلها السياسي الذريع في حل المسألة السورية، تلجأ أخيراً روسيا إلى الدول العربية من خلال جولة لافروف المكوكية في المنطقة إلى الطلب من العرب إعادة النظام إلى الجامعة العربية وحجتها أن وقفاً لإطلاق النار ثابت منذ أكثر من عام وأن اللحنة الدستورية ستهتم بالعملية السياسية ولم يبق لإتمام تأهيل النظام إلا عودته للجامعة العربية، خصوصاً وأن الانتخابات الرئاسية القريبة ستكون مفصلية في العملية السياسية، وأن رجوع النظام للجامعة العربية سيحجّم دور إيران في سورية وهذا مطلب دولي وعربي…
من جهته قال السيد حسام زكي الأمين العام المساعد للجامعة العربية، أن أسباب تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية لازالت قائمة، وأنه ليس هناك إجماع باتجاه عودة النظام للجامعة.
في غياب المجتمع الدولي وفي عدم الاهتمام بسورية، وفي محاولة تسليم روسيا للملف السوري وتركها تتعفن فيه، تسرح روسيا وتمرح على هواها، ولكنها إلى الآن تدور بحلقة مفرغة، فحتى عودة سورية للجامعة لن تكون مفيدة لها وللنظام في ظل حصار وعقوبات المجتمع الدولي وقانون قيصر الذي من المحتمل أن يكون له نسخة جديدة قريباً.
لكن من الملاحظ أن كل هذه التحركات لا تأخذ بعين الاعتبار ما قاساه الشعب السوري على يد نظامه خلال عشر سنوات من الثورة وخمسين عاماً من التسلط والفساد والاستبداد وحكم الحزب الواحد المخّتصر بالشخص الواحد وآلته القمعية، وهذا ليس غريباً على حكام العرب وعلى جامعتهم، التي هي جامعة حكومات، ولا ننسى أنها هي التي شرعنت غزو العراق واحتلاله، وشرعنت غزو ليبيا عن طريق الناتو بغض النظر عن رأينا بالنظام العراقي والليبي السابقان، فهذا له مكان آخر.
إن هذه التحركات المشبوهة الروسية والعربية لن تساهم في حل مشكلة النظام، فهذا النظام ساقط وليس من حل يرضي الشعب السوري إلا بزواله وإقامة نظام وطني ديمقراطي يساهم كل الشعب في إقامته لإعادة الإعمار وعودة النازحين واللاجئين.

المصدر: موقع الحرية أولاً

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى