يستمر التصعيد من قبل النظام السوري ومعه روسيا وإيران نحو إدلب، والأحياء المدنية فيها، في حالة يبدو أنها ستأخذ أبعادًا جديدة. وينبئ هذا الأمر بتغيرات جديدة في السياسة الروسية تجاه إدلب، وقد يكون تقويضًا جديًا لاتفاق سبق ووقعه الروس مع القيادة التركية في آذار/مارس العام الفائت في سوتشي، لكن كل ذلك مازال غير واضح المعالم، في وقت ما تزال فيه الإدارة الأميركية الجديدة، غير ملتفتة بشكل واضح وحازم لأوضاع وتغيرات المسألة السورية برمتها، ومنها بالضرورة أحوال إدلب. عن ذلك وكيف سيكون مستقبل إدلب بعد كل هذا التصعيد وتلك التطورات الميدانية والسياسية ٍالتقينا بعض الكتاب والسياسيين المهتمين بالشأن السوري. وهل يمكن أن يكون ما يجري بمثابة اختبارٍ للإدارة الأميركية الجديدة؟
السيد أحمد طه الكاتب والناشط السوري قال لإشراق: ” أصبحت سورية ساحة لتصفية الصراعات الدولية، لذلك أعتقد أن التصعيد على إدلب له أكثر من هدف، أول هذه الأهداف هو رسائل لتركيا بعد استهدافها لعين عيسى بإيقاف التمدد في شرق الفرات وبعد الحديث عن صفقة أسلحة طائرة بيرقدار لاستخدامها في اليمن، وربما يكون أحد هذه الأهداف هو جس نبض مدى انخراط الادارة الأميركية الجديدة في الشأن السوري، أما الحديث عن مصير إدلب فهو محصلة هذه الرسائل ليس إلا فجميع اللاعبين الدوليين والاقليمين لم ولن يهمهم شأن المدنيين من قريب أو بعيد، ولم ولن يكترثون، سواء طال القصف مشفى يعج بالمرضى، أم مدرسة تعج بالأطفال، إنها مصالح الآخرين تكتب بدم الشعب السوري.”
الدكتور خليل سيد خليل الناشط الإدلبي قال: ” إن التقارب والتفاهمات الأميركية التركية حول القضية السورية في ضرورة أن الحل في سورية هو حلاً سياسيًا وليس عسكريًا والذي تم بين الطرفين الأميركي والتركي بوضع اللمسات الأخيرة هو ما دفع روسيا إلى التصعيد الأخير في محافظة ادلب من استهداف للمدنيين العزل من خلال استهداف للمشافي والأحياء السكنية ومراكز لإيواء النازحين، الأمر الذي نتج عنه سقوط المزيد من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين رغم كل النداءات والتحذيرات من قبل الإدارة الأميركية والاتحاد الاوروبي حيث حذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس جميع الأطراف من بينهم روسيا والنظام السوري إلى احترام التزاماتهم بتجنب شن هجمات عسكرية واسعة والعودة إلى خفض التصعيد في إدلب وكذلك تحذيرات الاتحاد الأوروبي حيث دعا إلى احترام اتفاق خفض التصعيد في سوتشي وأستانا لأن التصعيد العسكري يعرض أكثر من ثلاث ملايين مدني في المنطقة للخطر مما يؤدي إلى تفاقم الكارثة الإنسانية وزعزعة الاستقرار في المنطقة وسورية ومن خلال التصريح الأخير للرئيس الروسي بوتن قبل عدة أيام إنه لا يستبعد شن عملية عسكرية شاملة في محافظة إدلب شمالي سورية، إلا أن هذه العملية ليست ملائمة الآن مما يعطي الجواب أن هذا التصعيد الأخير هو عملية خلط الأوراق والضغط من أجل الحصول على مكاسب في القضية السورية وعدم خسارة موسكو قطف ثمار النصر المزعوم لها على الأراضي السورية لذلك تحاول موسكو خلط الأوراق لكي لا تخسر جميع مكتسباتها في سورية”.
أما السيد رضوان الأطرش الرئيس الأسبق للهيئة السياسية في إدلب فقال لإشراق” فيما يتعلق بالإستهدافات الروسية الحالية على الشمال السوري وبالأخص المواقع الحيوية المتعلقة بخزانات الوقود التي تعود عائديتها لشركة وتد بالإضافة إلى استهداف مخيمات النازحين القريبة منها والتي خلقت حالة من الرعب والهلع بين المدنيين يثبت فيما لا يدعو للشك بأن روسيا لا يمكن الوثوق بها على الإطلاق بشأن وقف إطلاق النار المبرم بينها وبين تركيا وأنها تتبنى الخيار العسكري فقط بالإضافة إلى حليفها الأسد وإيران والميليشيات التابعة لها وخاصة أن هذه الاستهدافات أتت بعد التوصيف الأميركي لبوتين بأنه قاتل، مترافقة مع حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحمل الوسم ذاته، وكأن بوتين يريد إنفاذ حقده على المدنيين جراء ذلك، وربما يكون هذا الاستهداف اختباراً للإدارة الأميركية التي لم تحدد برنامجًا واضحًا بخصوص مناطق غربي سورية أو أن هذا التصعيد كان رداً على التصعيد التركي على عين عيسى وكان من باب الضغوطات من قبل الطرفين لاستثمارها سياسيًا على طاولة المفاوضات، وأما عن مستقبل إدلب جراء ذلك نعتقد بأن الوضع متروك لما بعد الانتخابات الرئاسية المزمع إجراءها والتي تحاول روسيا إضفاء الشرعية عليها علمًا أن هذا الاعتداء تمت إدانته من قبل الاتحاد الأوربي والإدارة الأميركية وهذه الإدانات غير كافية أو أنها غير قادرة على لجم روسيا من تكرار استهدافاتها وعلى الاتحاد الاوربي والأمم المتحدة المسارعة في دفع عجلة الحل السياسي وفق القرارات ذات الصلة قبل أن تتدفق موجات جديدة من البشر نحو أوربا وذلك يزيد المأساة أكثر” .
من جهته قال الناشط والكاتب السوري محمد سعدو: “هذا التصعيد الذي شنته الطائرات البربرية الروسية ومعها آلة النظام الفاشستية بمدفعيتها تستهدف قرى المدنيين وتقتل العشرات وتخلف مصابين وجرحى وهو ما جاء إلا بعد شعور تلك السلطة القميئة وحلفائها بعجز حقيقي امام صمود وتضحية جبارة لشعب عظيم منذ عشر سنوات وإلى الآن. لقد أكدت تلك الاستهدافات بشراستها أن النظام السوري أصبح في ساعاته الأخيرة يتخبط بشدة ويسعى للضغط باستمرار عبر القصف الذي لا يعرف الرحمة تجاه المدنيين ليضغط على الضامنين والقوى الإقليمية والدولية كالمعتاد بهجمات وبمحاولة أخيرة منه لوقف حصار قيصر الذي بدأ يكشف ملامح جديدة للمرحلة الأخيرة من عمر دولة الأسد والحبل الذي بدأ يشد الخناق على رقبة حكومته أكثر وخصوصًا بعد تصريحات وزارة الدفاع الروسية عبر بيانها الصادر أمس والذي يشير إلى مقترح روسي مقدم رسميا للدولة التركية بإمكانية فتح معابر ثلاثة مهمة بين مناطق خفض التصعيد وهم ممر سراقب ومزناز وأبو الزندين لإنعاش مناطق النظام المنهكة معيشيًا وضخ الأوكسجين في جسد سلطة القمع والإرهاب في دمشق مجددًا وهي الميتة سريريًا والتي شارفت على سقوط اقتصادي مزلزل وخصوصًا بعد انهيار حاد لليرة السورية أمام الدولار . ومن الممكن أن يكون هذا التحرك أيضًا اختبار غير مباشر للإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن الذي لا يبدو أنه متحمسًا لإنهاء المسألة السورية ولجم القاتل الذي مازال طليقًا إلى هذه اللحظة. بغض النظر عن تصريحات هنا وهناك من البيت الأبيض كانت تدين الهجمات وتستنكر ضرب مشفى الأتارب وغيرها من المناطق التي تم استهدافها مؤخرًا. لكن تبقى السياسة البايدينية غير واضحة المعالم حتى الآن وينتظر في قادم الأيام تحول آخر في مجرى الأمور لصالح قضية الشعب السوري بعد حرب تصريحات وتهديدات نارية ومباشرة بين الطرف الروسي والأميركي عقب تقرير المخابرات الأميركية حيث أكدت تدخل بوتين في انتخابات الويلات المتحدة والتي بدورها أججت خلافات عميقة وأظهرت على السطح إمكانية بروز شيء مفاجئ يقلب الطاولة على الأسد ويغير موازين اللعبة الدولية وتلك التحالفات ليجبر المجتمع الدولي على اتخاذ تدابير ومسارات متغايرة ستصب في مصلحة الثورة وتنهي وجود الوحش القابع في حي المهاجرين بدمشق” .
المصدر: اشراق