في اليوم العالمي للعجّة 

حسن النيفي

يومَ التمّ عدد من عناصر الشرطة العسكرية في إحدى باحات سجن تدمر، وأمامهم قِدْرٌ كبير (بلو) مليء بالبيض النيء، ونصبوا على بعد عشرة أمتارٍ أمامهم سجيناً مرفوع الرأس مغمض العينين، وراحوا يتبارون في أيّهم يستطيع أن يجعل البيضة تنفقئ ما بين عينيه، وبعد انتهاء المباراة أمروا سجيناً آخر بلحْس وجه السجين الأول، حينها صاح أحدهم متندّراً: (ولاه، اعتبر حالك عم تاكل عجة).

لا أدري لماذا تقفز هذه الحادثة إلى البال، مخترقةً عقوداً مليئةً بالأحداث والذكريات المتراكمة، لكن يبدو أن استحضار تلك الحادثة هذه المرة، جاء في سياق مختلف، بل ربما مناقض لما قبله من سياقات.

جارتنا التركية (جنّات ) الطيبة صاحبة الأخلاق الراقية، لم يحدث مرة أن رآها جيرانها دون أن تكون ابتسامتها تلوح في محياها، فقط في ذلك اليوم الشتائي الماطر، حيث شدّة الرياح لا تتيح لأحد فتح النوافذ أو الأبواب، خرجت جنّات مسرعة وعليها علائم الذعر والعبوس، متجهة إلى باب الشقة المقابلة لبيتها، وراحت تطرق الباب بسرعة، خرج عليها أبو زكور، جارنا السوري، وهو يمسك (كفكيراً بيد، وبالأخرى خرقة مبتلة أطرافها بالزيت) ولحظة فتحه للباب، اندفعت موجة من البخار جعلت جنّات تشيح بوجهها بخوف سائلةً: خير إن شاء الله، هل لديكم حريق، لقد كدت أختنق من الدخان الممزوج برائحة غريبة؟ ثم عادت إلى بيتها لعدم قدرتها على مقاومة موجة البخورات المتدفقة من بيت أبو زكور.

في العودة إلى أصل المشهد:

لقد قرر أبو زكور أن يتحدّى زوجته التي أخفقت في إنجاز طبق العجّة، إذ بعد شغل ساعتين متواصلتين، واكتظاظ المنزل بسحب الدخان التي تحوّلت إلى كتلة من الضباب الداكن، طلعتْ العجة فارطة، ما جعل أبو زكور يصرخ بحنق: (هاي عجاجة مو عجة) وقرر بحزم أن يعيد الكرّة بنفسه، وقد نجح أيّما نجاح، فنادى زوجته بصوت عال مليء بالثقة، مشيراً إلى أقراص العجة الشقراء المصطفة بكل أناقة في إناء بلّوري مزيَّن بقطع الليمون ومخلل اللفت، فما كان من أم زكور إلّا أن شهقت من أعماقها ( وااااااو)، وبسرعة فائقة التقطت بهاتفها صورة للطبق المصمود، ثم جعلت الصورة حالة خاصة لها على الواتس أب، مدّعيةً أن هذا المُنجَز من صنيعها.

بعد دقائق خرجت جنّات من بيتها وهي تضع كمامتها على أنفها وفمها بإحكام، ودفعت بورقة من أسفل باب بيت أبو زكور وانصرفت مسرعة، كُتب على الورقة باللغة التركية ما ترجمته: أخبرتُ زوجي قبل قليل، ونصحته ألّا يأتي إلى البيت، بل أنا سأذهب إليه، حيث مكان عمله، وسنقضي يومنا هذا بزيارة إلى أهلي في إحدى القرى القريبة من المدينة، أتمنى لكم يوماً عابقاً ببخور العجة.

المصدر: صفحة حسن النيفي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى