هل يعمل الكاظمي على استعادة هيبة العراق من الميليشيات؟

أحمد السهيل

يجمع مراقبون على أن المواجهة بين الحكومة والفصائل حتمية ووشيكة لكن القدرة على حسم الأمر محل خلاف.

أعاد الاستعراض العسكري لميليشيات مسلحة في بغداد، الخميس الماضي، الحديث عن إمكانية أن تقود الحكومة العراقية حملة، لتقويض النفوذ المتنامي للسلاح المنفلت على حساب الدولة، الذي بات يوصف بـ”الدولة الموازية”، خصوصاً مع تحديه الحكومة في أكثر من مناسبة من دون ردود حازمة.

وشكل الاستعراض الأخير أول ظهور مسلح لجماعة “ربع الله”، التي حرقت قنوات فضائية ومقرات حزبية وخربت مصالح اقتصادية من قبل من دون استخدام السلاح.

وباستخدام عشرات العجلات الرباعية الدفع المحملة بالمسلحين، أعلنت الجماعة وسط بغداد عدة مطالب رئيسة، على رأسها إعادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار إلى ما كان عليه في السابق، فضلاً عن دعوتها البرلمان إلى الإسراع بالتصويت على الموازنة.

وعلى الرغم من إعلان “ربع الله” مطالبها، في بيان، فإن مراقبين أشاروا إلى أن القضية تدخل ضمن إطار “الصراع المستمر” بين حكومة الكاظمي وتلك الأذرع المسلحة، خصوصاً ما يتعلق باحتمالات استهدافها، فضلاً عن محاولات عرقلة أي تفاهمات محتملة بين العراق ومصر والأردن، خلال القمة الثلاثية التي كان من المفترض أن تعقد في بغداد في 26 من مارس (آذار) الحالي، إلا أنها أُجلت بعد حادثة اصطدام قطارين في القاهرة.

بين القدرة والعجز

وتتراوح الترجيحات فيما يتعلق بالصراع المحتمل بين الحكومة والميليشيات المسلحة بين خيارين، فبينما يرى فريق أن المواجهة “باتت حتمية ووشيكة”، وما جرى من استعراض يعجل باتخاذ حكومة الكاظمي خطوات حازمة لتقويض سلاح الميليشيات، يرجح آخرون عدم قدرة رئيس الوزراء على اتخاذ أي خطوات من شأنها تقليل نفوذ الميليشيات المتنامي.

وترددت أحاديث سواء على مستوى الرسمي أو من خلال مصادر مقربة من صانعي القرار، عن جهود حثيثة تُبذل في إطار “استعادة هيبة الدولة”، إلا أنها باتت “غير مقنعة” بالنسبة إلى عديد من العراقيين مع استمرار الميليشيات في أنشطة تهدد الأمن الداخلي من دون خطوات تذكر.

وقال الكاظمي إن ما جرى من استعراض عسكري يمثل “إرباكاً للوضع وإبعاداً للبلاد عن دورها الحقيقي”، مشيراً إلى أن “هناك من يعتقد أنه بالسلاح يهدد الدولة”.

ورفعت جماعة “ربع الله”، صوراً للكاظمي طبع عليها حذاء، فضلاً عن صور أخرى بها مقص يقطع أذنه، في محاكاة للتهديدات التي أطلقها المتحدث العسكري لميليشيات “كتائب حزب الله” أبو علي العسكري ضد رئيس الوزراء العراقي في وقت سابق.

روايات متضاربة

في غضون ذلك، نفت هيئة “الحشد الشعبي” صلتها بما فعلته “ربع الله”، إذ قالت، في بيان، “ننفي نفياً قاطعاً وجود أي تحرك عسكري لقطعات الحشد الشعبي داخل العاصمة بغداد بحسبما جرى تداوله في بعض وسائل الإعلام”. مؤكدة أن “تحركات قوات الحشد تأتي ضمن أوامر القائد العام للقوات المسلحة، وبالتنسيق مع قيادة العمليات المشتركة”، مبينة أن “ألوية الحشد تعرف بالأرقام لا بالمسميات الأخرى”.

وعلى الرغم من نفي “الحشد الشعبي” صلته بما حدث، فإن بيان المتحدث العسكري باسم “كتائب حزب الله” جاء بمعطيات مختلفة، إذ قال، “جرى نقل قوات من الحشد الشعبي التي نشرف على إدارتها ودعمها إلى أحد أطراف بغداد لأداء مهامها للدفاع عن بلدنا العزيز، وهذا النقل روتيني، ولا يحتاج إلى التنسيق مع أي جهة، وبسبب بعض العوامل الأمنية والفنية تغير مسار الرتل إلى وسط العاصمة”.

وفي سياق الاستعراض، أشار العسكري إلى استثمار “بعض الشباب المتحمس غير المنضبط هذا المسار ليعبروا عن مطالب حقة، لكن بطريقة غير مقبولة لنا، أما مفهوم ضبط السلاح فإن تم، فيجب أن يسري على الجميع من دون استثناء”.

ولطالما استخدمت عبارة “الشباب المتحمس” في توصيف ما تقوم به جماعة “ربع الله” من عمليات، الأمر الذي يعده مراقبون محاولة لإبعاد الشبهة عن الفصائل المسؤولة.

ماذا تريد الميليشيات المسلحة؟

وتتضارب الآراء بشأن الدوافع الرئيسة للاستعراض الأخير، حيث يرى مراقبون أنها تمثل محاولة للضغط على الحكومة، فيما يتعلق بمعتقلين تابعين للميليشيات أو محاولة استعراض قوة لدفع أي احتمالية استهداف لقادة الفصائل المسلحة.

في السياق، يقول الباحث والأكاديمي باسل حسين، “لا مفر من أن تدخل الحكومة في صراع مع الميليشيات”. مؤكداً أنه “لا يمكن أن تستمر حالة التوازي بين السلاحين، الحكومة والفصائل، من دون صدام”. ومبيناً أن تأخر الاشتباك “سيزيد من تكلفته ومخاطره سواء على المجتمع أو الدولة”.

وبشأن بيان “كتائب حزب الله”، يرى حسين أن “التراجع عن كونه استعراضاً عسكرياً من قبل الكتائب يمثل أمراً تكتيكياً وتقسيماً للأدوار، خصوصاً أن أصحاب تلك الغزوة حققوا مرادهم منها”، مشيراً إلى أن “ما دفع تلك الميليشيات إلى التراجع عن تبني الاستعراض يرتبط بالرفض الشعبي والسياسي الواسعين”.

ويربط مراقبون بين الاستعراض الأخير ولجنة التحقيق في قضايا الفساد، التي يترأسها الفريق أحمد أبو رغيف، خصوصاً بعد وضع صوره ضمن اللافتات التي رفعتها جماعة “ربع الله”، التي تضمنت عبارة “أيها السيئ سنقطع يدك بمجرد مساس المقاومة”.

وكانت صحيفة “المدى” العراقية، في الـ24 من مارس، قد نقلت عن مصادر مقربة من حكومة الكاظمي، أن “اللجنة تتحضر لاعتقال سبع شخصيات من كبار قادة الفصائل المسلحة ومن الصنف الأول، إضافة إلى خمس شخصيات نستطيع القول إنها ثانوية”.

ويعتقد الباحث في الشأن السياسي أحمد الشريفي، أن ما دفع إلى الاستعراض ربما يرتبط بـ”التحقيقات التي تجريها لجنة مكافحة الفساد، خصوصاً مع رفع صور أبو رغيف رغم عدم وجود علاقة بينه وبين المطالب التي نادوا بها”.

ويضيف، “ما جرى يمثل رسالة للأطراف الداخلية مفادها أن الميليشيات تمتلك القدرة على تحييد الأجهزة الأمنية”، فضلاً عن تضمنها رسالة خارجية بأن “أي مفاوضات محتملة مع إيران يجب ألا تستبعد منها الميليشيات”.

لا مفر من المواجهة

ويبدو أن للقمة الثلاثية حضوراً واسعاً في محاولة المراقبين فهم الغاية الرئيسة من الاستعراض المسلح، إذ يتحدث رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث منقذ داغر، عن رسائل عدة حاولت الميليشيات إيصالها من خلال الاستعراض الأخير، ترتبط الأولى بـ”تحذيرات إلى الحكومة من المضي باتجاه المحور العربي، خصوصاً مع اقتراب القمة الثلاثية في بغداد”، أما الرسالة الثانية، فتتعلق بالوضع الداخلي من خلال “محاولة تلك الأطراف التعبير بصراحة عن عدم سماحهم لأي قوة بأن تحل محلهم حتى إن كانت رسمية”.

ويضيف داغر، في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، “المواجهة مع تلك الميليشيات باتت أمراً حتمياً، إلا أن الإشكالية تتعلق بالتوقيت”، مشيراً إلى احتمالية أن تكون القمة الثلاثية هي التي دفعت الحكومة إلى “عدم اتخاذ رد فعل قوي”.

ويعتقد رئيس المجموعة المستقلة للأبحاث، أن “الإشكالية لم تعد مرتبطة فقط بالمواجهة، بل في الصراع المحتمل فيما بين الفصائل ذاتها”، لافتاً إلى أن “هناك احتمالية كبيرة لاشتباك بين الميليشيات وسرايا السلام التابعة للتيار الصدري”. مؤكداً أن “حالة الانقسام داخل إيران باتت تنعكس على الوضع العراقي بشكل كبير، الأمر الذي يزيد من ضبابية المشهد في البلاد”.

وتناول ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي ما جرى من استعراض بنوع من اليأس من احتمالية إقدام حكومة الكاظمي على مواجهة مع الميليشيات، خصوصاً بعد عدة استعراضات جرت خلال الأشهر الماضية، كان آخرها “سرايا السلام” التابعة للتيار الصدري، في فبراير الماضي، بدعوى وجود مخطط لاستهداف الأضرحة الدينية.

وفي مقابل توقعات إقدام حكومة الكاظمي على مواجهة مسلحة مع الميليشيات، يستبعد أستاذ العلاقات الدولية هيثم الهيتي، أن تكون الحكومة “جريئة إلى الحد الذي يجعلها تقدم على هذه الخطوة”، معبراً عن اعتقاده أن الاستعراض الأخير يعد “دليل ضعف وخوف الفصائل من تنامي وصعود أفكار الوطنية العراقية لدى الشباب”.

ويعتقد الهيتي، أن عدم اتخاذ الحكومة أي خطوات جدية في إطار مواجهة سلاح الميليشيات سيؤدي إلى “نشوء مواجهات بين الجمهور والفصائل”، مبيناً أن “هذا الخيار ربما سيكون وارداً بعد الانتخابات المقبلة، وقد يجري من خلال تشكل جماعات مسلحة وطنية لمواجهة نفوذ الميليشيات”.

وفي رأي أستاذ العلاقات الدولية، فإن ما حدث هدفه “إفشال مساعي العراق لعقد تفاهمات اقتصادية مع مصر والأردن، قد تمثل إلى حد ما ضربة للنفوذ الاقتصادي الإيراني الكبير في البلاد”. وكذلك “تخويف العراقيين وترهيب حكومة الكاظمي”.

دولة الميليشيات باقية

وبات العراقيون يستشعرون خطر عدم اتخاذ حكومة الكاظمي أي مواقف على الأرض إزاء تلك التحركات، الأمر الذي باتت يعزز إلى حد كبير مطالبات الناشطين بمقاطعة الانتخابات المقبلة، خصوصاً مع استمرار فوضى السلاح تلك.

ويعتقد الناشط علاء ستار، أن ما جرى “يعطي تصوراً واضحاً لما يعيشه العراقيون منذ سنوات، فهذا السلاح الذي خرج إلى شوارع بغداد، أمس، كان يقتل ويصوب رصاصات كواتم الصوت نحو شبان الانتفاضة ومسانديها وسيكررها من دون رادع”.

ويضيف، “ما حدث يمثل نعياً أولياً لنتائج الانتخابات المقبلة، إذ سيكون السلاح له الصوت الأعلى فيها، وهو ما يدفع كثيرين إلى الترويج لمقاطعتها”. لافتاً إلى أن الرسالة الرئيسة هي أن دولة الميليشيات “باقية بقوة السلاح”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى