قراءة في رواية: يوم اختفى قاسيون

أحمد العربي

نضال معلوف كاتب وصحفي سوري، رئيس موقع سيريا نيوز الاخباري. هذه الرواية هي العمل الأدبي الأول له. يوم اختفى قاسيون؛ رواية تعتمد السرد بلغة المتكلم على لسان الشخصية المحورية فيها “مجد”، الذي يعمل في الصحافة، وله صحيفة تنشر ورقيا وعلى الإنترنت باسم “اخبار سورية”، له حضوره، كما أن صحيفته من اهم الصحف وأكثرها متابعة، بما تمثل من مصداقية كان مجد مصّرا عليها دوما. تعمل معه عبير الصحفية الجادة والمثابرة. يعملان معا في متابعة الشأن السوري. أحداث الرواية من عام ٢٠٠٤م وما تلاها حتى ٢٠٠٨م.

تسير الرواية على نسقين فهي تتابع عمل مجد وعبير في مجال الصحافة، كما تتابع أحوال الشيخ ابو شهاب. ذلك الشيخ الذي يعتبر نفسه من الخواص الذين أعطاهم الله من علمه وقدرته. بحيث يستطيع الاتيان بالكرامات، يقوم بعلاج المرضى ويطرد الشياطين المتلبسة في بعض النساء او الرجال. يعتبر وأمثاله ظاهرة واسعة الانتشار، له الكثير من الأتباع والمريدين. يعتقد مجد أن هذا النوع من الشيوخ كذبة ومدّعين ومستغلين للدين ومشاعر الناس البسيطة الصادقة وجهلهم. وأنه يستخدم هذا الإدعاء للحصول على مكتسبات مادية ومعنوية، وانه يستغل الدين اسوأ استغلال. وانه قرين للتخلف والجهل وأنه يستفيد من امراض الناس ومشاكلها لتحقيق مآربه الشخصية، كما يومئ الى كونه يستغل بعض النساء الى درجة الزنى بهم، تحت ستار تحريرهم من الشيطان او لتمام العلاج. يعتبر مجد نفسه من الذين يؤمنون بالعلم وأن هذا الإنسان وأمثاله من الشيوخ الكذبة والسحرة، يسيؤون للإسلام وللمجتمع ويحاربهم عبر كشف خدعهم والاعيبهم وتصرفاتهم الخاطئة.

كل ذلك كان ضمن المسموح به من قبل النظام الذي يرضى أن يجد الناس يتصارعون فيما بينهم حول أي شيء، وينسون واقع ظلم النظام الواقع عليهم.

لكن مستجدات حصلت أدت لتغير في تعاطي مجد مع ظاهرة الشيخ ابو شهاب وأمثاله؛ أنه اختفاء قمة جبل قاسيون المطل على دمشق. هذا الاختفاء الذي حصل فجأة، وكان أشبه للمستحيل. لقد ذهل سكان دمشق لذلك. وبدأ الناس يبحثون عن سبب لما حصل. النظام صمت علنا عن ذلك، لكنه بدأ يروج للشيخ ابو شهاب وانه هو من أخفى قمة جبل قاسيون عبر تمائمه و تعويذاته. مجد لم يتقبل ذلك فلا يوجد قوى خارقة لأي انسان لصناعة هكذا حدث بهذه الحجم. حيث اختفت قمة الجبل بدائرة تصل الى ٢كم ومخلفة حفرة بذات الحجم. كان رأي مجد وفريقه الصحفي أن وراء هذا الاختفاء حالة ما، وأن ادعاء ابو شهاب أنه من اخفى الجبل، وقبول النظام لذلك وترويجه له، هو تواطؤ متبادل على إخفاء الحقيقة. بدأ مجد تحقيقاته. واحضر استاذا جيولوجيا عاين الجبل. كان الرأي الأول هو أن هناك أعمال سرية حصلت في الجبل أدت لما حصل. وبدأ مجد يبحث حول تلك الأعمال. كما بدأ رحلات بحث وتقصي في الجبل وفي القاطنين جوار قمته. سأل بعض عمال المطاعم، واكتشف أن هناك من لقنهم إجابات واحدة، وأن جهات أمنية حذرتهم من قول الحقيقة. وان هناك عمليات حفر سرية، في الجبل وأنها امتدت لسنين. وان هناك ترحيل جوف الجبل تمّ بطرق سرية. وهناك مخططات ترسم ومشاريع يعد لها في قمة الجبل. وإن اختفاء القمة اقترن مع صوت انهدام مكتوم وخروج غبار كثيف في قمة الجبل. كما عمل مجد وفريقه على ملاحقة الشيخ ابو شهاب والتنديد به و بادعائه. وحصلت بينهم مناوشات علنية وسرية، وكانت الاجهزة الامنية تدعم ابو شهاب وانه هو من أخفى قمة الجبل بتعويذات قام بها. كشف مجد عمق العلاقة بين النظام واجهزته الامنية والشيخ أبو شهاب وأمثاله. وكيف استخدم واجهة تخفي حقيقة ما حصل. وكان من نتائج متابعة مجد لحالة ابو شهاب أن أصبح الصراع علني بينهما. ودخلت السلطات الأمنية لتحمي ابو شهاب. واستدعي مجد للتحقيق معه، وسجن في احدى المرات. وتم طي الموضوع والتعتيم عليه. ونسي الناس قصة اختفاء قمة جبل قاسيون كما نسوا كثيرا من القضايا التي تمس حياتهم. وتمر الايام الى ان يكتشف مجد أن هناك شركات إعمار تستثمر في الجبل الذي فقد قمّته. ويكتشف ان المخططات التي وصل الى بعضها سابقا ايام متابعة اختفاء قمة الجبل، قد اكتملت بهذا المشروع. حيث حصل وقتها صراعا بينهم وبين أحد حيتان المال التابع للنظام. وقت اختفاء قمة الجبل وان مخططاته لا علاقة لها بما حصل في الجبل. وتبين أن اختفاء قمته. كان مقدمة لبناء مشاريع إعمار واستثمارات لرجل الأعمال هذا. الذي يعتبر واجهة النظام الاقتصادية في ذلك الوقت. كان ذلك بعد أربع سنوات على اختفاء قمة جبل قاسيون.

هنا تنتهي الرواية.

وفي تحليلها نقول:

أن الرواية أقرب للتقرير الصحفي الإخباري منها لتكون رواية؛ تتابع الحياة بكل تفاصيلها من خلال متابعة الحدث الروائي المركزي. بل هي تصب اهتمامها على موضوعها فقط، وهو اختفاء قمة جبل قاسيون. لماذا وكيف ومن المستفيد؟ !!.

كما تظهر الرواية الترابط بين رجال الدين والسلطان، ولو أنه اكتفى بالتحدث عن الدجالين والمدعين الكرامات والكشف بالغيب وصناعة الكرامات. بل نعمم نحن عن الترابط بين رجال الدين التابعين للنظام، وأن ارتباطهم به في ذلك الوقت كان ارتباط التابع بولي نعمته. حيث لم تخرج هذه الطبقة عن هذه التبعية المطلقة ابدا. سواء بتمجيد النظام او تلقي خطب الجمعة من الجهات الأمنية، أو توجيه المشايخ. ومراقبة المساجد، وكتابة التقارير بالمصلين في كثير من الأحيان.. الخ . كل ذلك حصل بعد أن استأصل النظام كل المخالفين من رجال الدين ومن الأحزاب الاسلامية خاصة الإخوان المسلمين. بين قتيل ومعتقل وهارب. خاصة بعد أحداث الثمانينات من القرن الماضي. حدث ذلك من المجتمع السوري كله تقريبا.

كما تومئ الرواية الى اعتماد النظام على هذه الفئة لترسيخ التفكير السحري الغير علمي في عقل الناس، وجعلهم ضحايا للتخلف الفكري و ضحية الفهم الخاطئ التواكلي للإسلام. وأن يقبلوا العيش في حياة الظلم والقطيعيّة في  تعاملهم مع النظام المستبد الظالم.

كما تؤكد الرواية على خلق طبقة استثمار اقتصادي تابع للنظام. بحيث أصبح يمتلك النظام السلطة عبر الجيش والأمن ويمتلك الاقتصاد عبر ازلامه. وكان نموذجهم في ذلك الوقت رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام، حيث كان ينهب بشركاته اغلب الإقتصاد السوري.

اخيرا الرواية تؤسس لفهم أسباب حصول الثورة السورية القادمة؛ من واقع المظلومية والفساد والنهب والتحالف اللاشرعي بين النظام ورجال المال وفقهاء السلطان، لاستمرار ظلم الناس واستغلالهم بكل الوسائل والأساليب.

لكن ذلك انقلب على النظام وأدواته. حيث ستأتي ثورة الشعب السوري لاحقا. محررة الناس من ظلم النظام واتباعه، ومن الفهم المتخلف للاسلام. ومنتصرة لحقوق الشعب السوري بالحرية والكرامة والعدالة وبناء الدولة الديمقراطية، وتحقيق الحياة الأفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى