عقد على انطلاق الثورة السورية: النظام فقد القرار لصالح الروسي والإيراني…  نصف الشعب مهجّر والآخر همّه الحصول على الرغيف

بعد مضي عقد من الزمن، دخلت الثورة السورية عامها الحادي عشر، في ظل تغيّر كبير في المشهد منذ أن خرج الشعب السوري بثورته في 15 آذار/مارس 2011، ضد نظام الحكم الذي دفع البلاد نتيجة إصراره على عدم تقديم تنازلات إلى الدخول في حالة صراع باتت تهدد الأمن والسلم الدولي والإقليمي، وتسبب بتشريد نصف سكان سوريا، ما بين نازح ولاجئ، بينما يواجه من بقي تحت وطأة حكم النظام السوري أزمة معيشية خانقة، وسط مطالبات أوروبية للنظام السوري وحلفائه بإنهاء القمع والإفراج عن المعتقلين وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، للوصول إلى حل سياسي ينهي النزاع.

وفي الذكرى العاشرة للثورة السورية، يتناقل رواد وسائل التواصل الاجتماعي شعار حملة إلكترونية أطلقوها تحمل عبارة «تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة» لدعم ثورتهم كما خرجت مظاهرات في أكثر من 10 مناطق في محافظتي إدلب وحلب شمال وشمال غربي سوريا في ظل احتفال الأهالي ونشطاء التنسيقيات والحراك الشعبي في معظم المدن والبلدات، للتأكيد على استمرار الثورة، تزامناً مع إصدار 60 رابطة وهيئة ثورية سورية، بياناً مشتركاً، أكدوا فيه رفض أي مساومة تتعلق بإسقاط نظام الأسد ورموز حكمه.

ووفقاً للبيان الذي تسلمت «القدس العربي» نسخة منه، فإن مؤسسات الثورة شددت على فتح مسارات العدالة لمحاسبة رموز النظام ومعاقبتهم على جرائمهم المرتكبة ضد الشعب السوري، وطالبت بالإفراج عن جميع المعتقلين وكشف مصير المفقودين، والإسراع في بدء تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، تمهيداً لبدء عملية انتقال سياسي في سوريا، كما بيّنت مطالبها حول عودة المهجرين والنازحين، مشيرة إلى أن عودتهم مرتبطة بتحقيق بيئة آمنة وظروف مناسبة لعودة طوعية نحو بلد مستقر أمنياً واقتصادياً وسياسياً، كما رفضت جميع المساعي التي تهدف إلى التطبيع مع نظام الأسد وإعادة تعويمه سياسياً وإعادة تأهيله من قبل أي دولة أو كيان أو فرد.

الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي تحدث في الذكرى العاشرة للثورة السورية، عن الانتفاضة السلمية التي خرج بها السوريون، وآلية دفعهم إلى العمل المسلح، حيث قال المتحدث لـ»القدس العربي» إن النظام السوري كان يعتقد أن دفع الانتفاضة إلى الصراع المسلح يُمكن أن يُسهّل عليه القضاء على الثورة، مثلما فعل في ثمانينيات القرن الماضي، لكن إخفاقه في تحقيق ذلك دفعه مرّة أخرى للاعتقاد بأن الحل سيكون بالحسم العسكري الشامل.

خسائر النظام

وخلال السنوات العشر الماضية، «كان رهان النظام السوري في غير محله، ويبدو أنّه سيبقى في حالة خسارة مستمرّة بعد أن فقد سيادته لصالح روسيا وإيران بشكل كامل، إذ لم يعد يمتلك استقلالية في القرار وممارسة السلطة. فضلاً عن استنزف خيار الحسم الشامل مقدّرات النظام السوري العسكرية، والاقتصادية، والأمنية، والبشرية والبنية التحتية؛ حيث خسر جراء هذا الخيار نخبة الضباط والقادة في المؤسستين العسكرية والأمنية اللتين يعتمد عليهما في الحفاظ على سيطرته وبقائه.

وبات النظام السوري، وفق قوله، أمام خطر توجيه ضربات قد تزعزع ما بقي من قوة لديه، بعد أن بات في مواجهة مباشرة مع تركيا – التي تفوقه بالقدرات بشكل لا يقارن – خلال مساعيه لاستعادة السيطرة على شمال البلاد، كما أخفق النظام في استعادة السيطرة الفعلية على جنوب البلاد، الذي بات فجوة أمنية وبؤرة تُشكّل تهديداً مستمرّاً للمكاسب المؤقتة وغير النهائية التي تم تحقيقها عبر خيار الحسم العسكري.

النظام السوري، اليوم أمام خطر الانهيار الاقتصادي بعد أن فقدت الليرة المحليّة قيمتها مقابل سلّة العملات الأجنبية، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التي طالته وعلى رأسها قانون قيصر، وأصبح النظام غير قادر على حل ملف النازحين واللاجئين، فإمّا أن يقبل بتواجدهم في بقعة جغرافية خارج سيطرته الهشة أو أن يعيدهم ليشكّلوا بدورهم جيوباً منعزلة وبؤراً أمنية تحاكي نموذج الجنوب السوري، فضلاً عن عجزه في الملف الكردي مثلما كان سابقاً، وبات أمام خيارين أحلاهما مّر، فإما أن يقدّم تنازلاً لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي أو أن يدخل في مواجهة مع هذا الأخير من غير المستبعد أن تتدخل فيها الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي رأي عاصي، فإنّ الثورة السورية رغم ما تعرضت له، فإنها ما تزال تمتلك أسباب الاستمرار، لا سيما حينما تدفع الظروف لتوافق المصالح بما يوفّر لها الحماية الدولية نسبيّاً، ويدعو إلى إعادة النظر في ضرورة الاستفادة من الظروف لتوسيع التمثيل الشعبي وتشكيل جبهة عمل وطنية تقود إلى تحقيق المطالب التي نادى بها الشعب السوري قبل 10 سنوات.

بيان الاتحاد الأوروبي

تزامناً، طالب الاتحاد الأوروبي النظام السوري وحلفاءه بإنهاء القمع والإفراج عن المعتقلين وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، للوصول إلى حل سياسي ينهي النزاع. وبمناسبة ذكرى الثورة، أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً يوم أمس، الأحد، أكد فيه أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا لا تفي بالمعايير الدولية ولا تسهم في تسوية الصراع ولا تؤدي إلى أي تطبيع دولي مع النظام. وأبدى الاتحاد استعداده لدعم انتخابات حرة ونزيهة في سوريا وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وتحت إشراف الأمم المتحدة، موضحاً أن أزمة اللاجئين السوريين، أكبر أزمة لجوء في العالم حيث يوجد 5.6 مليون لاجئ مسجل، و6.2 مليون نازح داخل سوريا لا تسمح الظروف بعودتهم حاليًا. وجاء في البيان، إن «القمع الوحشي الذي يمارسه النظام السوري ضد السوريين وفشله بمعالجة الأسباب الجذرية للثورة، صعّد الصراع المسلح وأدى إلى تدويله» كما اتهم الاتحاد عدة أطراف، وعلى رأسها النظام، بالتسبب بمعاناة إنسانية كبيرة، مشددًا على أن المساءلة عن جميع انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان لها أهمية قصوى كشرط قانوني في تحقيق السلام.

وتقدم الائتلاف الوطني السوري الأحد بتهانيه إلى أبناء الشعب السوري بذكرى انطلاق الثورة السورية، معتبراً أنها «أسقطت أركان نظام الرعب الذي بنته عصابة الأسد على مدار عقود، وقد بات الطريق نحو إتمام المهمة وتثبيت أركان نظام ديمقراطي مدني تعددي مسألة وقت، يزيد أو يقصر، بقدر ما نبذله من جهود وما نقدّمه من مساهمات».

بيان الائتلاف

وجاء في بيان الائتلاف «إن التاريخ لا يعترف بأنصاف الثورات، وليس أمامنا إلا الاستمرار في العمل وكلنا ثقة ويقين أن هذه الثورة ستحقق أهدافها كاملة، وصولاً إلى الدولة المدنية الديمقراطية التعددية التي يجد فيها كل سوري متسعاً له، الدولة القائمة على أساس المواطنة المتساوية وسيادة القانون، الدولة التي تحترم كل أبنائها وكل مكوناتها. الدولة التي تقدّر المرأة والطفل وتفتح الطريق أمام الشباب، الدولة القادرة على أن تفتح صفحة جديدة وتؤسس لحياة كريمة لنا وللأجيال القادمة».

وطالب العالم بالعمل من أجل إنقاذ عشرات آلاف المعتقلين في سجون النظام ومساعدة ملايين المهجّرين والضغط على الحكومات من أجل تحميل الأطراف الدولية والمنظمات الحقوقية مسؤولياتها تجاههم، ونصرة المظلومين في سوريا ورفع الغطاء عن النظام وطرده من أي منظمة دولية، ودعم أحرار سوريا في نضالهم ضده، وإفشال المشاريع الروسية الرامية إلى تعويمه وتطبيعه وإعادة تدويره، والوقوف في وجه مخططات النظام الإيراني التوسعية الرامية إلى نشر الكراهية والطائفية.

 

المصدر: «القدس العربي»

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى