يا روح صبرًا

لمى محمد العبود  * شاعرة من سورية

لاتسبقي الخُطوات لا .. لا تركضي

وتمهّلي .. وتجمّلي بأنــــــاةِ

 

فالدّرب أشواكٌ ونورٌ قد قُضي

ولهاثُ أنفاسِ الأنينِ شتاتي

 

ياروح صبراً فالتَّسابُقُ هدّني

لا لستُ مثلكِ فارحمي أنّاتي

 

قد كنت مثلكِ للعلا سبّاقةً

هامي يناطح ُشامخَ الرّاياتِ

 

وطُمُوحُ طَرفي لا يُحدُّ بظلمةٍ

وبريقُ عينِي ينثرُ البَسماتِ

 

قد كنتُ فيما قد مَضى معطاءةً

قد كنتُ لحناً صاخبَ النّغماتِ

 

أمشي فتزدهرُ الأجادبُ تزدهي

من بسمتي وتراقُصِ الخُطُواتِ

 

بينَ الرِّفاقِ أُرى كنجمٍ بارقٍ

أو مثل بدرٍ بدّد الظُّلُماتِ

 

وتتابعت عبر السّنينِ قصائدي

قد صُغتها من أعذب الأبياتِ

 

حتّى أنيني في حنايا نظمها

قد كان يُمْنِي ميِّتاً بحياةِ

 

كجمال روحٍ قد سرت في يابسٍ

نَسِيَ الحياةٓ فأزهرتْ بنباتِ

 

قد كنتُ، لكن كلُّ هذا قد مضى

لم يبقَ لي إلّا الحنينُ لذاتي

 

قد كنتُ، لكن .. ثَمَّ قيدٌ شدَّني

في الجيدِ عُلِّقَ فانحنتْ هاماتي

 

وتضاءلت من هول ثِقْلِهِ همّٓتي

وتضاغطت واحدودبت فقراتي

 

رأسي انحنى من وطأة القيد غدا

مُلْقىً هنالكَ في دُجى العتماتِ

 

وابيضَّ داخلُهُ وأصبحَ أملساً

وصفا مِنَ الأفكارِ والنَّهضاتِ

 

واسودَّ خارجُهُ لحدٍّ قد غدا

لا فرقَ بين القيد والوجناتِ

 

ورطوبةُ السِّجن المقيتِ تزايدتْ

جدرانُ صمٌّ عُمْيُ كالأمواتِ

 

زمنٌ بها قد مرَّ في جبروتها

صخرٌ يغلِّقُ أصغر الفُرُجاتِ

 

لكن إلهي قدا برا في خلقِهِ

سرّاً بأضعفِ خلْقِهِ قسماتِ

 

فالماءُ حايلَ صخرةً حتّى غدت

قطعاً شتاتاً بُدِّدت كفُتاتِ

 

وتناثرتْ حولي لتكشِف فرجةً

في السَّقفِ بانت تؤنسُ الزّٓفٓراتِ

 

فتسلَّلت عندَ الشُّروقِ أشعّةٌ

عبر الشُّقوقِ لتستبينَ رُفاتي

 

ومضت تبعْثِرُ في الظَّلامِ أصابعاً

تتحسّٓسُ الأجفانٓ والنَّبٓضاتِ

 

في النُّورِ إصرارٌ وحبٌّ غامِرٌ

قد هام شوقاً أن يرى مُقُلاتي

 

ففتحتُ أجفاناً تكاسل طرفها

ظنّاً بأنِّي لم أزل بسباتِ

 

لكن بريقُ النُّور فجَّر بٓذْرةً

في الجوفِ كانتْ ثَمَّ من سنواتِ

 

وتململت حيناً وألقت بُرعماً

ألقى جذوراً ثُبِّتت في ذاتي

 

وتسلَّلت عبرَ القيودِ براعمي

وتطاولتْ لتفارِقَ الظُّلماتِ

 

واشتدَّ عبر الثُغرِ حُبَّاً عودها

والجذعُ راح يهدهدُ الحُجُراتِ

 

وتمدمدت أغصانها واستورفت

و حَوَتْ شذا الأغصانِ والزّهراتِ

 

ياروحُ هُبِّي ، واسرحي ،وتطاولي

مهما عَلَوْتِ فلا بُلُوغ لذاتي

 

إنِّي غدوتُ اليوم ظِلّاً وارفا

لا مِنْ فراغٍ بلْ غُذِيتُ رُفاتي

 

قدْ مِتُّ! لكن، قد حييتُ مجدّداً

وكذاك حالُ المؤمنِ القنّاتِ

 

هذي أنا … جذعٌ وغصنٌ يانعٌ

بعدالجفافِ .. وطيِّبُ الثَّمراتِ

 

وإذا مررتَ بقربِ جذْعي مرّةً

فارمقْ بِطرْفٍ عنده عبراتي

 

وانظُر إلى صدِءٍ تكَسَّرَ عُنْوةً

قيدٌ مهانٌ صار محضَ فتاتِ

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى