التّحديات الروسيّة في محيطها الإقليمي: قراءة في المحور الإيراني

ماجد بن عبدالعزيز التركي

روسيا الاتحادية بصفتها “وريثة الاتحاد السوفياتي” هي الصفة التي يجب استحضارها في أي قراءة متعمقة للواقع الروسي ومستقبله، سواء في فضاء الآفاق أم في ميدان التحديات، لاعتبارات عديدة:

 التعدد والتداخل العرقي في المجتمع الروسي، وما يلحق به من تنوع لغوي.

 التنوع الديني، وما يتبعه من ثقافات أصيلة.

 المصالح الاقتصادية المتشابكة، والمتكاملة.

 الأبعاد الأمنية المشتركة، ومغذياتها.

هذه العناصر الرئيسية مع ما تبدو عليه من آفاق لمصالح استراتيجية كبيرة، تمثل في الوقت نفسه تحديات عميقة لروسيا الاتحادية في محيطها الإقليمي، وتُعدّ مداخل خطيرة لخصوم روسيا “ممن يستهدفون أمنها واستقرارها: السياسي والاقتصادي والاجتماعي”، ما يحتاج إلى قراءة متأنّية ومتعمقة.

ـ قراءة متأنية: بالنظر في المكوّنات الإثنية في إطار فدرالية روسيا، والتي لا تعاني من تمييز أو إقصاء، نظراً الى قوة القانون الفدرالي الروسي ووضوحه، من جانب، ومن جانب آخر، أن المكوّنات الإثنية الأخرى “خلافاً للعرق الروسي/ السلافي” تتمتع بحضور تاريخي عميق في ظل جمهوريات أو أقاليم ينتمون إليها.

ـ قراءة عميقة: بالنظر في المكوّنات السياسية المجاورة لروسيا، وهي على نوعين:

  1. مكوّنات “شبه تابعة” باعتبار العلاقات التاريخية، مثل جمهوريات آسيا الوسطى، وجمهوريات القوقاز الجنوبي، وجمهوريات البلطيق، وهذه تربطها بروسيا مصالح سياسية، واقتصادية، وأمنية، ولغة روسية جامعة.
  2. مكوّنات سياسية مستقلة، تربطها حدود بالعمق الاستراتيجي لروسيا، وأهمها إيران، والتي تمثل تحدياً استراتيجياً لروسيا، لسبب رئيسي مرتبط بالفلسفة الإيرانية.

ـ من هذه الزاوية يبرز أمر غير مفهوم: كيف تدعم روسيا تفاصيل ملفات إيران المقلقة من وجهة نظري، ليس للجانب الخليجي فقط، بل لروسيا بشكل أكبر!! لأسباب عدة تتعلق بإيران:

  1. إيران دولة ذات حدود مع ست عشرة دولة، أهمها دول تعتبر أساساً في العمق الاستراتيجي الروسي (أذربيجان، جورجيا، بعض دول آسيا الوسطى).
  2. إيران دولة ذات طموح وجنوح توسعي استراتيجي “بمفهوم الدولة العظمى استناداً لتاريخ وجغرافية الإمبراطورية الفارسية/الساسانية، وبعض مساحات جموحها يقع في مناطق استراتيجية لروسيا (ولا تخرج الحرب الروسية/ الجورجية من أجل أوسيتيا، والأزمة الروسية / الأوكرانية من أجل القرم، عن هذا السياق)!!
  3. إيران دولة عسكرية تمتلك ترسانة بحرية وصاروخية، وتسعى لامتلاك سلاح نووي نوعي؟! أفلا يمثل هذا تهديداً لروسيا ومناطقها الاستراتيجية؟!
  4. إيران دولة تقوم على الطائفية الدينية ، وجزء من ميدانها الطائفي يقع في العمق الروسي ذاته “الجمهوريات والأقاليم الإسلامية الروسية”، وفي عمق النفوذ الاستراتيجي الروسي؟!
  5. إضافة إلى البُعد النفسي التاريخي لدى الإيرانيين تجاه روسيا والروس، إذ لم يتجاوز الإيرانيون آثار الحروب التاريخية “الروسية الإيرانية” واقتحامهم السفارة الروسية (عُرف تاريخياً، بمذبحة السفارة الروسية في طهران)، حيث تم قتل السفير ألكسندر غريبويدوف، وجميع أفراد البعثة الروسية، ويبدو أن اقتحام السفارات سلوك إيراني متوارث.

ـ هذه المعطيات تثير التساؤل:

 ماذا تريد روسيا من إيران؟

 وكيف تتعامل القيادة السياسية والأمنية الروسية، مع هذه التحديات، التي يبدو أنها غائبة كلياً عن منظّري السياسة الخارجية الروسية.

هذا التفصيل في الملف الإيراني/ الروسي، ضروري لفهم وقراءة التحديات الحقيقية لروسيا.

ـ لو عدنا الى خط التماس الإيراني الروسي، وحساب مفردات المصالح الروسية، سوف يبرز تساؤل:

 أي المصالح أعمق وأوسع لروسيا: مع إيران، أم مع دول الخليج العربية؟

ـ ويمكن أن ينظر الى هذا من زوايا عدة:

  1. الحجم الاقتصادي لدول الخليج العربية أكبر بمراحل من إمكانات إيران الاقتصادية، وتأثيرها في السوق العالمية “النفط والغاز” أكبر وأعمق، لا سيما أن روسيا تعتمد اعتماداً رئيسياً على النفط والغاز في اقتصادها القومي.
  2. علاقات دول الخليج مع روسيا آمنة جداً من إشكالية التمدد الطائفي أو الجيوسياسي في روسيا ومناطق نفوذها، خلافاً لإيران مع روسيا!!
  3. علاقات دول الخليج مع روسيا ذات مستقبل ينسجم مع التحول الاستراتيجي الأميركي في المنطقة باتجاه إيران، بمعنى أن إيران ستصبح محور تصادم روسي/ أميركي في سياق المصالح بين روسيا وأميركا، خلافاً لمستقبل العلاقات الخليجية.

ـ المحور الإيراني، بكل اتجاهاته: (الملف النووي والصواريخ البالستية ـ إدارة الصراع داخل سوريا ـ احتلال جنوب العراق وإدارة الشأن العراقي ـ التشويش الطائفي في مناطق وجود الشيعة في الخليج العربي ـ زرع البؤر الطائفية/الشيعية في بقية دول العالم العربي)، هذه جميعها في كفة، يقابلها:

العمل الإيراني لخلق بؤر طائفية في مناطق المسلمين السنة في روسيا ودول آسيا الوسطى!! وهذا هو التحدي المستقبلي الأكبر، والذي ستعاني منه روسيا في عمق أمنها الاستراتيجي الروسي والإقليمي.

ـ المؤسسة السياسية الروسية، تدرك أنها لم تتعاف بعد من آثار الأزمة الشيشانية، وامتدادها الى مناطق قوقازية أخرى، لا سيما أنه لا تقف وراءها مغذيات دولية حقيقية، خلافاً للبُعد الشيعي، إذا اقتحم الداخل الإسلامي الروسي، وتصادم مع العمق السني في روسيا، ومن ورائه إيران، وأذرعها العسكرية، ومندوبيها تحت مظلة “الوكلاء” والذي يقوم على محركات داخلية وتمويل مالي محلي.

ـ فهل ما يجري إرادة سياسية روسية واعية؟

ـ أم أنها إرادة روسيا مرتهنة لقوى إيرانية فاعلة في المؤسسة السياسية الروسية؟؟

المصدر: النهار العربي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى