لم يستطع النظام السوري وضع يده على الجنوب السوري بشكلٍ كامل، على الرغم من مرور عامين على “اتفاقات مصالحة” أُبرمت مع فصائل المعارضة السورية، أرادها النظام مدخلاً للفتك مرة أخرى بمحافظتي درعا والقنيطرة. لكن ظهور مقاومةٍ مسلحة من جديد، خصوصاً في درعا، أربك حسابات النظام، الذي بدأ يُستنزف في المحافظة التي شهدت انطلاق الثورة السورية في 18 مارس/آذار 2011، مع ظهور مؤشرات على عودة الحراك الثوري مجدداً في درعا.
وفي جديد التطورات، قُتل ثمانية مدنيين وجرح آخرون، مساء أول من أمس الأربعاء، بقصفٍ صاروخي من قبل قوات النظام السوري على بلدة جلين في ريف درعا الغربي، فيما قُتل عناصر وقياديون سابقون في الجيش السوري الحر بإطلاق قوات النظام النار على حاجزٍ تابع لها في ريف درعا جنوبي البلاد. وذكرت مصادر محلية أن قوات النظام المتمركزة في “الفوج 175” قصفت بلدة جلين، بعدما طرد مقاتلون مناوئون للنظام عناصر الفرقة الخامسة التابعة لهذه القوات من البلدة، مؤكدةً أن 12 عنصراً من هذه القوات قُتلوا في مواجهات، ما دفعها للانسحاب والرد بالقصف المدفعي والصاروخي على منازل المدنيين.
وقال الناشط محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن قوات النظام قصفت بالمدفعية والصواريخ منازل المدنيين في جلين، ما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح. وبحسب الناشط، فقد جاء القصف عقب هجوم مقاتلين سابقين في الجيش السوري الحر على موقع لقوات النظام، بعدما أطلقت قوات النظام قبيل ذلك النار على ثلاثة قياديين سابقين في “السوري الحر”، ما أدى إلى مقتلهم.
وأدى هجوم المقاتلين على قوات النظام إلى وقوع إصابات بين الطرفين، وذكرت مصادر أن الهجوم أدى إلى وقوع خسائر فادحة في صفوف النظام دفعته إلى الرد عبر القصف. وأضاف الحوراني أن قوات تابعة للنظام جاءت الأربعاء، وتمركزت في منطقة منشرة الخطيب على الطريق الواصل بين جلين وبلدة الشيخ سعد غرب درعا، وهي قوات تابعة للفرقة الخامسة. وبعد تمركزها، توجه إليها ثلاثة من القياديين السابقين في الجيش الحر الذين يعملون حالياً تحت ظلّ النظام. وذكر المصدر أن القياديين هم: وليد البرازي الملقب بـ”أبو رأفت” من بلدة العجمي، حسان الملقب بـ”أبو العز” من بلدة عتمان، وباسم جلماوي الملقب بـ”أبو كنان” من بلدة القصير بريف درعا. وأضاف أنه تمّ إطلاق النار على القياديين مباشرةً عند وصولهم، ما أدى إلى مقتلهم، مشدداً على أنهم من أعضاء اللجنة المركزية التابعة للنظام في درعا والمعنية بتسيير أمور المنطقة الغربية من المحافظة. وكان هؤلاء القياديون قد عقدوا مصالحة مع النظام برعاية روسية صيف العام 2018، بعد بدء النظام بعملية عسكرية واسعة بدعمٍ روسي إيراني ضد المعارضة وبقية الفصائل في المنطقة.
بدوره، ذكر “تجمع أحرار حوران”، أن مقاتلين سابقين في الجيش السوري الحر شنّوا الأربعاء هجوماً على الموقع الذي تقدّمت إليه قوات بشار الأسد على الطريق الواصل بين مساكن جلين – الشيخ سعد في ريف درعا الغربي.
وكانت قوات النظام وأجهزته الأمنية قد سيطرت على محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سورية، إثر اتفاق المصالحة الذي أبرم بين روسيا والمعارضة في يوليو/تموز 2018. وتبين لاحقاً أن الاتفاق كان مدخلاً واسعاً للفتك بأهالي درعا، عقاباً على خروجهم ضد النظام منذ 2011، وخصوصاً أن الجانب الروسي لم يلتزم بوعوده كضامن للاتفاقات، ليس في درعا فحسب، بل في كل المناطق السورية التي كانت تحت سيطرة المعارضة واضطرت إلى إبرام اتفاقات مصالحة بسبب القصف الجوي الروسي.
وعلى الرغم من القبضة الأمنية، خرج المئات من المدنيين في مدن وبلدات محافظة درعا في تظاهرات بذكرى الثورة، لا سيما في المسجد العمري بحي درعا البلد، في مدينة درعا. وكانت مدينة الصنمين في ريف درعا الشمالي قد شهدت في 5 مارس/آذار الحالي تحركات من قبل مجموعات كانت تابعة للجيش الحر، وهو ما استدعى تدخلاً واسع النطاق من الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام. وسيطرت الفرقة المذكورة على المدينة بالكامل، ورحّلت 21 مقاتلاً من المعارضين للتسوية إلى الشمال السوري، إضافة إلى تسوية أوضاع الراغبين بالبقاء في محافظة درعا. ولم تدخل مدينة الصنمين في المصالحات وتسوية الأوضاع للمقاتلين فيها قبل ذلك، لأن قوات النظام سيطرت عليها قبل أن تتم صفقة المصالحات برعاية روسية.
وفي إطار الجهود التي تقوم بها قوات النظام لإحكام سيطرتها على محافظة درعا، استقدمت تلك القوات في العاشر من الشهر الحالي تعزيزات عسكرية إلى محيط مدينة جاسم في ريف درعا. ونصبت مدافع ثقيلة على تل مطوق وتل أم حوران، فيما استدعت عشرات الوجهاء من مدينة جاسم وريفها، وأنذرتهم بوجوب تسليم السلاح الموجود في المنطقة، ومنحتهم مهلة 10 أيام حتى يتم تسليم السلاح وإلا يتم اقتحام المدينة، على الرغم من توقيعهم على “تسويات” سابقة تنصّ على احتفاظهم بالسلاح الخفيف.
وفي السياق، لا تزال الفوضى الأمنية سيدة الموقف في محافظة درعا منذ نحو عامين، وتصاعدت وتيرة الاغتيالات والهجمات في الأسابيع الأخيرة على نحو لافت، حتى باتت شبه يومية. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد الهجمات ومحاولات الاغتيال عبر تفجير عبوات وألغام وآليات مفخخة وإطلاق نار خلال الفترة الممتدة منذ يونيو/حزيران الماضي وحتى شهر مارس/آذار الحالي، زاد عن 353 عملية، قُتل فيها 213 شخصاً، بينهم 45 مدنياً، و113 من قوات النظام والمسلحين الموالين لها والمتعاونين مع قوات الأمن، و39 من مقاتلي الفصائل ممن أجروا “تسويات ومصالحات”، وباتوا في صفوف أجهزة النظام الأمنية، من بينهم قادة سابقون، و16 من المليشيات السورية التابعة لـ”حزب الله” اللبناني والقوات الإيرانية.
من جهته، وثّق “تجمّع أحرار حوران” خلال شهر فبراير/شباط الماضي 37 عملية ومحاولة اغتيال في محافظة درعا، أسفرت عن مقتل 26 شخصاً وإصابة 12 آخرين، فيما نجا ثمانية أشخاص من محاولات الاغتيال. وذكرت مصادر محلية لـ “العربي الجديد”، أن “القبضة الأمنية والاعتقالات والاغتيالات من قبل قوات النظام بحق المعارضين له في المحافظة”، سبب رئيسي من أسباب الاحتقان والاستياء الذي يعم محافظة درعا. وأشارت إلى أن التوسع الإيراني في المحافظة بمساعدة مباشرة من النظام يلعب دوراً في دفع الموقف في الجنوب السوري إلى حافة الانفجار الكامل، مضيفة أن النظام يحاول معاقبة أهالي درعا بكل السبل انتقاماً منهم.
وكانت المقاومة الشعبية في محافظة درعا التي تضم مقاتلين كانوا في فصائل المعارضة قبل اتفاقات التسوية، أعلنت عن نفسها أواخر العام 2018، موضحةً أنّها تعمل لـ”ردع قوات الأسد والمليشيات الموالية لها، في ظل استمرارها بالاعتقالات والانتهاكات بحق مناطق الجنوب السوري”، وفق بيان صدر عنها. وبدأت بعد ذلك بتنفيذ عمليات اغتيال شخصيات مرتبطة بالنظام أو كان لها دورٌ في التوصل لاتفاقات المصالحة مع النظام، الذي أغلق باب أي حوار مع أهالي محافظة درعا الذين طالبوا بالإفراج عن المعتقلين في سجونه، ولكن بلا جدوى.
المصدر: العربي الجديد