مرات كثيرة مزق مدير التحرير في مجلة (النهار العربي والدولي) الراحل نبيل رياشي مقالاتي، ورماها في سلة النفايات، لأنها لا تصلح للنشر، أوقات كثيرة قضيتها مع رئيس التحرير في النهار الراحل أنسي الحاج في مكتبه يصحح لي ويعطيني ملاحظاته، حول كيفية تحاشي بعض الأخطاء اللغوية الشائعة.
وكم من مرة اتصل بي المرحوم الصحافي ادمون صعب ، مسجلاً ملاحظاته حول بعض تحقيقاتي الصحفية ، وحول نقص في المعلومات ،ذات مرة وجه لومه الي على غلطة مطبعية عندما كتبت ان كمال جنبلاط ولد عام 1971 والمقصود 1917 ، وظل ادمون صعب ربع ساعة على الهاتف يجادلني وانا اقول له بسيطة ما واضح انو غلطة مطبعية، وهو يرد لا مش بسيطة الصحافي ممنوع يغلط… كان العمل الصحافي مضنياً وشاقاً ، كنا نلهث وراء الخبر، وسط المخاطر، كنا موضع شبهة واتهام دائمين لدى أجهزة المخابرات، لان بنظرهم كل صحافي جاسوس حتى لو أثبت العكس- كما قال لي (العميد رستم غزالة) ” بتهكم”، خلال اشكال بيني وبين عناصره أمام مركز البوريفاج.
كان أرشيفنا، كتبنا، اتصالاتنا وعلاقاتنا..
هي مصدر الخبر والمعلومات، كانت الصحافة ابداعاً وانتاجاً وتميزاً ..
لا كما اليوم في عصر صحافة (بزق لزق) صحافة copy paste، وسرقة الاخبار والمعلومات.. كان الصحافيون من حملة الشهادات الجامعية بأكثريتهم، ومن الطبقة المثقفة، لا من الاميين والجهلة.. واكبنا نمو التطور التكنولوجي في عالم الصحافة، وكم من مرة دخلنا علينا جبران تويني في مكاتب التحرير يوبخنا عندما يجدنا نكتب على الورق الاسمر المعتاد ويصرخ فينا (بعدكم عم تكتبوا ع ورق السندويشات؟ استخدموا الكمبيوتير)! واذ بنا نصل الى هذا الزمن الرديء، صحافة (الواتساب) و(الفايسبوك)، والمواقع الالكترونية التي تناسلت كالفطريات على جدار الاعلام.. وصلنا الى صحافة السيقان والنهود، صحافة الزعيق والصراخ، صارت كلمة (اعلامي) توزع مجاناً، وصار بائع الالبان، والسندويشات والخبز، وسائق التاكسي، وكل من حمل ورقة وقلماً وكل من أنشأ (غروب على الواتساب) (اعلامياً) وتقهرني كيف صارت كلمة اعلامي توزع مجاناً، ويقهرني هذا الرخص الذي وصلنا اليه، وهذا الهبوط في مهنة كنا نراها من أشرف المهن، لأنها صوت الناس ومرآة المجتمع.
ذات يوم اتصلت (هـ- و -) بإحدى المحطات معرفة عن نفسها (معكم الفنانة …. (فلانة)، وأدلت برأيها في بعض المواضيع، وبعد لحظات يتصل زياد الرحباني بذات المحطة ويعرف عن نفسه بكل جرأة (معكم الخرا زياد الرحباني).. وعندما سئل عن سبب قوله هذا … قال (طالما (….) فنانة… فأنا خرا) هزلت … هزلت.
المصدر: مجلة الشراع