روج الكثير من الناشطين- ومازالوا- بأن أميركا ستتدخل لصالح الثورة والمعارضة في سورية وستستمر بالضغط عليه لحين الضربة القاضية!، الضغط بكل السبل السياسية والاقتصادية وبالعقوبات أيضاً كجزء من تلك السياسات؛ لقد نسي هؤلاء أو تناسوا بأن أميركا هي من تدير المعركة مع الشعب السوري ومع باقي الشعوب العربية الثائرة والسائرة نحو الحرية، وذلك عبر أدواتها من حكام محليين وإقليميين ودوليين وبمنظمات دولية ما كانت إلا لمساعدة الاستبداد القاتل، وكلهم ينفذون أجندتها كخدم للسياسة الكونية الصهيونية- الأميركية المشتركة، وهؤلاء الناشطين كم تغاضوا عمن منع انتصار شعبنا العسكري على نظام الفاشية والجريمة الأسدي عبر منع وصول أي سلاح يواجه آلة القتل والفتك طيلة المدة التي مضت على انطلاق المظاهرة الأولى بدمشق في 15 آذار/مارس 2011 والمظاهرة الأولى التي انطلقت في درعا بعد ذلك بثلاثة أيام.
إن من منع تحقيق أي نصر عسكري ناجز للسوريين هو أميركا، التي كانت ولاتزال تخشى تطبيق الحرية والديمقراطية في سورية عبر تسلم الشعب واختيار طريقة حكمه وحاكميه، لا نجانب الصواب بذلك، مع علمنا بأن سداً منيعاً لا يمكن اختراقه لبناء أداة متماسكة عسكرية أو مدنية قادرة على تمثيل طموحات شعبنا، وإدارة الصراع سياسياً وعسكرياً وبشكل مستقل؟ ألم يتم إغراق سورية بجميع الإرهابيين والفصائل المتطرفة دينياً وتمويلهم من كل حدبٍ وصوب؟ ألم يتم إطلاق يد إيران وميليشياتها الطائفية قتلاً وتخريباً في سورية بعد إتمام تخريبها للعراق، بالتنسيق مع الروس كحذاء للراعي الأكبر: أميركا؟
إن الاستثمار الكبير للطغمة المجرمة كان في تخلف البنى المجتمعية في سورية، والتي كانت مقدمة لتخلي أغلب أبناء شعبنا عن المشاركة بالشأن العام قبل الثورة، الأمر الذي أضعف الأحزاب المعارضة تاريخياً لتلك الطغمة وحزبها الفاشي، وعند انطلاق الثورة- لجملة أسباب باتت معروفة للقاصي والداني- تُرك شبابنا نهباً لتوجيهات وإغراءات دينية عبثية ومالية موجهة خليجياً بكل دقة من أميركا، مما عزز عدم ثقة هؤلاء الشباب بمن شكل وعيهم المعارض وزرع في نفوسهم روح التغيير الوطني الديمقراطي عبر عقود، ليتم توظيف كل ذلك ضمن نفس الأجندة السلطوية بذات الخطط الإمبريالية- أميركية وروسية- التي رعت الاستبداد منذ ما يزيد عن خمسين عاماً، وهي نفس الخطط التي لم تخدم يوماً إلا الكيان الصهيوني وعلاقاته مع نظام البعث وطغَمه العميلة.
فمن أصر على استبدال مطالب الحرية والكرامة والديمقراطية بمواجهة الإرهاب المُصنع أسدياً وإيرانياً برعاية أميركية؟ إنه سؤال يحيلنا إلى من نسق مع آل أسد ونظامهم ودخل معتقلاتهم للتحقيق مع معتقلي “غونتانامو” في سورية بعيداً عن الأرض الأميركية، والتي سمحت بتوثيق وشائج العلاقات الإرهابية بين قائدة الإرهاب العالمي وأتباعها الأسديين ومشايعيهم من إيرانيين وأفغان قاعديين وأقرانهم.
كل ذلك يضاف لحجم القتل والتدمير الهائل في أرجاء سورية كلها، بعد مشروع التدمير الإجرامي الذي تم في حماه عام 1982 بإشراف أميركي صهيوني مزدوج أيضاً، ضمن تغطية إعلامية حرفت الأنظار إلى لبنان المتوافَق على تدميره حينها، أيضاً، بين الصهاينة وأميركا من جانب وآل أسد وروسيا من جانب آخر.. فلماذا يستغرب البعض هذه الأيام، حجم العلاقات المستترة والعلنية بين النظام وسيدته “إسرائيل” برعاية روسية وموافقة ضمنية إيرانية أميركية؟
فما الذي بقي من وسائل لمواجهة كل ذلك أمام السوريين- في الداخل والخارج- للخروج من متاهات دولية وضعت فقط لمنع شعوبنا من نيل حقوقها وبناء مستقبلها وتحقيق وحدتها بوجه كل الغيـلان الدولية والإقليمية التي تنهش بالجسد العربي عامة والسوري على وجه الخصوص؟ ألم يكن كل ذلك بعلم وموافقة الطغم العربجية لإقناع شعوبنا بأن لا حول لتلك الطغم ولا قوة باستعادة الدور العربي لحل المشكلات والقضايا الداخلية أمام أبوابٍ لطالما شرعوها للتدخل الخارجي والدولي حين انقضوا جميعاً على العراق بمشاركة إيرانية وتمنُّع- بل مباركة- روسية وصولاً لقمع الربيع الديمقراطي العربي؟
فهل هذا يدل على أننا كسوريين لا نتحمل وزراً فيما جرى في سورية؟ أم أن جزءاً كبيراً من إهمال واجب النضال بمواجهة طغمة الجريمة والفساد والإفساد الأسدي تاريخياً هي التي جعلت من الحماية الإمبريالية لهم والتمكين من اغتيال أحلامنا قبل أجسادنا ووطننا هي الحافز للصهاينة وحلفائهم في قمع الثورة والثوار بعد 2011؟ وهل يمكن تجاوز الأوهام الكثيرة والمتاهات- عند الغالبية من أبناء شعبنا- بغير الإجابة على الأسئلة الاستراتيجية بدقة وموضوعية تؤكد أن المسار مازال طويلاً؟ وأن تحقيق مصالح الدول المتدخلة والمتداخلة بالشأن السوري كانت خلف مسميات اللجنة الدستورية الفاشلة ومسارات جنيف الخبيثة بما في ذلك سلسلة الأستانات والسوتشيات الفارغة إلا من تمرير الوقت ورُكب قضية شعبنا لغير ما يريد؟
إن الخروج من ذلك كله سورياً لن يكون إلا بوضع إجابات صحيحة على كل التساؤلات التي يتطلبها الواقع الثوري والوطني العام والعمل في ضوئها تمهيداً لقطع طريق ترشح المجرم بشار ومحاكمته وتقديمه للعدالة بعيداً عن الرسائل الروسية الإيرانية الإسرائيلية لآل أسد الجواسيس وتعويم وتلقيح نظامه الكوروني الإجرامي بهدايا ولقاحات روسية صهيونية مشبوهة ومكشوفة وبطريقة مشابهة لتمويل نظام “خميني” بمواجهة العراق وبصفقات لمحور الممايعة كله مع الصهاينة بإشراف أميركي وصمت حذاءها الروسي.
المصدر: اشراق