قراءة في كتاب: أكراد سورية. ٧/٧. والأخير  التاريخ – الديموغرافيا – السياسة

أحمد العربي

  • التعقيب على كتاب أكراد سورية.

١- تميز الكتاب بالدقة والموضوعية والشمولية والحياد والحضور المكثف للشواهد. بحيث نستطيع القول انّ درجة الالتزام بالمعايير العلمية للكتاب بحيث نعتبره وكأنه رسالة ماجستير أو دكتوراه حول الموضوع الذي يطاله. حيث يعتبر الكتاب كبيرا في الحجم حوالي ٦٠٠ صفحة، منهم مئة صفحة تقريبا ملاحق ومراجع.

٢- أما عن مضمون الكتاب فهو يطال موضوعا مهمّا ومعاصرا وملحّا. انه يتحدث عن الأكراد والقضية الكردية. في سورية والجوار الجغرافي كله. خاصة تركيا والعراق. هذه القضية التي لم يتوقف استخدامها دوليا وإقليميا وضمن دولها. عبر قرن كامل تقريبا. وهي مازالت تمثل اداة تحريك الواقع في سورية وجوارها في احتمالات مستقبلية متنوعة. كما يضعنا الكتاب أمام حقيقة نزع التسييس عن القضية الكردية ولو مؤقتا لطرحها كما هي بحقيقتها التاريخية ثم للبناء على هذه الحقائق، فنحن أمام استخدام فج واحيانا وحشي لهذه القضية سواء في حياة الاكراد انفسهم وحياة الشعوب التي هم جزء منها. سواء في تركيا والعراق وسورية. حيث كانوا بما تم بناؤه من تنظيمات وقوى عسكرية، جزء من أدوار لم تنتهي عبر عقود. فهم المشكلة الأهم في دعواهم وحربهم على تركيا. حيث يقاتل حزب العمال الكردستاني الدولة الكردية لأجل تحرير المناطق الكردية فيه وبناء دولة كردستان الكبرى مع بقية المناطق التي يتواجد بها الأكراد في كل من العراق وايران وسورية. واعتبار الدولة التركية ذلك تهديدا لامنها القومي واستعدادها لإعلان الحرب لأجل ذلك. وتنفيذه على الأرض.

٣- كما لا يغيب عن بالنا الاستخدام الإقليمي والدولي للورقة الكردية، مع التأكيد على أن فيها حق تاريخي لم يعطى لهم بشكل صحيح، استخدم في خلق الصراعات الداخلية او تحقيق المصالح الدولية لهذه الاطراف. والقضية الكردية في قلب هذه الأدوات. ففي العراق تم استخدام هذه الورقة عبر عقود لتتحول إلى ورقة صراع واستنزاف ولتبنى شبه دولة بحكم ذاتي شمال العراق. وتركيا التي صنعت دولة المواطنة المتساوية ورفضت الخضوع لابتزاز التقسيم القومي الذي عنى بالنسبة لها إسقاط الدولة التركية ذاتها. واعتبرت أن القضية الكردية استخدمت وسيلة لضرب الدولة التركية. لذلك كانت تصرفاتها تنطلق من خلفية الدفاع عن الأمن القومي التركي. أما سورية فقد كانت القضية الكردية قبل الثورة السورية ضائعة بين استخدام النظام السوري لها عبر خلق حزب العمال الكردستاني واستخدامه ضد تركيا، كذلك دعم أكراد العراق ضد صدام حسين. وبين أكراد سوريين آخرين ناضلوا من أجل حقوق ثقافية ولغوية ورفع الظلم عنهم. وكيف تم استخدام هذا الحزب بعد ذلك ليكون الاداة التي استخدمت لقتل الشعب السوري في مناطق تواجدهم، تنفيذا لأجندة النظام السوري للقضاء على الثورة السورية.

٤- كما نلاحظ الاستخدام الدولي والإقليمي للأكراد والقضية الكردية في سورية بعد الثورة، ليكونوا اداة تقسيم لسورية. فقد خرج حزب العمال الكردستاني ربيب النظام السوري وكذلك فرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي وما مثله بعد ذلك على الأرض من ادارة ذاتية ومشروع روجآفا، واقليم كردستان سورية وتوسعة بين العرب وخلقه لقوات سورية الديمقراطية. وتحولهم لشبه دولة في الشمال الشرقي لسورية حيث الجزيرة وعين العرب وعفرين. وتمددهم إلى شرق الفرات. وسيطرتهم على ثلث سورية تقريبا. بدعم أمريكي علني مباشر. في مشروع قومي كردي غير قادر على التحقق؛ إلا بالقوة لان الاكراد لا يمثلون الا اعداد اقلية لا تتجاوز ٥ بالمئة من السوريين. وهكذا ظهروا بصفتهم قوة احتلال، وتغيير ديمغرافي وقتل واعتقال وتعذيب وتهجير. صنع جرحا قاسيا في وجدان السوريين من الصعوبة تجاوزه. كل ذلك يتناغم مع واقع حال سورية التي أصبحت دولة محتلة ومقسمة. فيها التواجد الإيراني بمشروعه الطائفي وتغييره الديمغرافي. وكذلك روسيا و تواجدها العسكري المهيمن. والأمريكان في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية. وتركيا في الشمال السوري. بعض سورية تحت سيطرة من تبقى من الثورة السورية، مع التباس وجود وسيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة على قائمة الإرهاب في إدلب وجوارها. ومناطق سيطرة النظام حيث استمرار القمع والظلم والفاقة الاقتصادية التي جعلت السوريين في الداخل في مستوى مأساوي للحياة. هذا مع ما صاحب واقع الثورة السورية وفعل النظام والقوى الداعمة له. حيث زاد الضحايا السوريين عن المليون إنسان وكذلك المصابين والمعاقين. والمشردين داخل سورية وخارجها الذين وصلوا الى نصف الشعب السوري حوالي ١٢ مليون إنسان. منهم ما يزيد عن المليون إنسان يعيشون في مخيمات لا تحقق أي شروط إنسانية للعيش. هذا غير سورية التي دمر أكثر من نصفها. كل ذلك نراه في الصورة الأوسع لما يحصل في سورية ومن ضمنها الأكراد السوريين. وما أصابهم مثل بقية الشعب السوري. وكونهم ضحايا ايضا واقعين في استقطابات المجلس الوطني الكردي وحليفهم أكراد العراق ممثلا بمسعود البرزاني. وبين حزب العمال الكردستاني وفرعه حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات سورية الديمقراطية ، والهيمنة على الأرض وتحويل حياة كل الشعب السوري بما فيهم الاكراد الى جحيم. تحت دعوى قومية كاذبة. وواقع مأساوي قمعي حقيقي يعيشه أهلنا السوريين في كل المناطق تقريبا.

أخيرا:

أقول أن هذا الكتاب قد سد ثغرة معرفية علمية موضوعية حول القضية الكردية على كل المستويات. كما جعلنا كسوريين بكل مكوناتنا الدينية والمذهبية والقومية، نقترب أكثر لإدراك واقعنا. وبالتالي نكون أقدر على مواجهته وحل مشاكله. والانتقال الى التصرف الصحيح لسورية المستقبل. من خلال الخيار الوطني الديمقراطي. حيث العدالة والمواطنة المتساوية. الحقوق مصانة بالدستور والقانون. والدولة الديمقراطية المنتخبة الممثلة لكل الشعب السوري على أرض سورية كلها. شكرا مهند الكاطع والى مزيد من الابداع والانتاج المهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى