يعيش مئات المتوارين عن عيون السلطة في دمشق، من المتخلفين عن تأدية خدمتي العلم الإلزامية والاحتياطية، وبعض المنشقين حديثاً، في ظروف صعبة وقلق من انكشاف أماكنهم السرية من قبل الشرطة العسكرية التي شنت مؤخراً حملات في ريف دمشق بحثاً عنهم.
الحياة السرية التي يعيشها القسم الأكبر منهم، جعلتهم ينقطعون تماما عن العالم الخارجي، لا خروج من المنزل-المخبأ، إلا في حالات اضطرارية وإلى أماكن قريبة، بينما جرى القبض على عدد من المتوارين وسوقهم إلى الخدمة.
أسباب متعددة للهرب
وبين رفض البعض الخدمة في الجيش لأسباب مادية، أو كون القضية “قضية مبدأ”، كما يلمح بعض آخر، أو من الخوف من الوقوع ضحية معارك “لا ناقة لهم فيها ولا جمل” كما يشير بعض ثالث، هناك أسباب أخرى تجعل الكثير من الشبان، يتخلفون عن الخدمة العسكرية ويلجؤون إلى الاختباء في انتظار مصير مجهول.
ويقول أكرم (20سنة)، وهو أحد المتخلفين حديثاً عن الالتحاق بقوات النظام لتأدية الخدمة الإلزامية، ل”المدن”، إنه فضّل الاختباء بما فيه من متاعب وخوف مستمر، على الخدمة العسكرية، بعد رفض والديه إلحاقه بقوات النظام التي تسببت بمقتل أخيه في إحدى المدن الثائرة خلال العام 2015.
فيما يقول جميل وهو مطلوب آخر للخدمة الاحتياطية، ل”المدن”، إنه يعيش في منزل أحد أقاربه بالقرب من العاصمة في انتظار تأمين طريق نحو لبنان. ويتابع أن “الخدمة في جيش النظام اليوم تُعتبر مذلة”، معتبراً أن “ما يمنحه النظام من رواتب؛ لا تكفي أجرة المواصلات”، ويتساءل “كيف تعيش زوجتي وطفلاي بهذه الصورة؟”.
يستطيع جميل ممارسة عمله في المنطقة التي يقيم فيها كونه غير معروف لسكانها. ويسهّل عليه حياته، عدم تركيز النظام السوري حاليا على مطلوبي الاحتياط، في حين يكثف من جهوده على مطاردة المتخلفين عن الخدمة الإجبارية.
مطلوب آخر منشق عن جيش النظام منذ مدة قريبة، يوضح ل”المدن”، أن الحياة العسكرية في ظل ضعف الدخل المادي وإمكانية التعرض للقتل على يد خلايا “داعش” في دير الزور حيث كان يخدم، جعلته يقدم على هذه الخطوة الجريئة والخطيرة. يمكث المطلوب في مدينة بريف دمشق، ضمن قيود قاسية. ويقول: “لا أتحرك من مكاني على الإطلاق.. وأعيش كأنني جزء من أثاث المنزل”.
بلا حياة..
لا يستطيع المتخلفون عن الجيش الحصول على وثائق حكومية مثل تثبيت زواجهم في المحكمة، أو الحصول على جواز سفر، أو باقي المعاملات الحكومية، نظراً لأن هذه المعاملات تتطلب ورقة من شعبة التجنيد. ويقول عدد من الشبان ل”المدن”، إنهم يتجنبون خلال خروجهم أي منطقة المرور من الحواجز الأمنية، عبر اختيار الطرق بدقة بالغة حتى وإن كانت طويلة وعليهم اجتيازها سيراً على الأقدام.
وتعد مناطق التسويات حول دمشق المنبع الرئيسي للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، لا سيما الغوطة الشرقية التي تشهد حملات لدوريات الشرطة العسكرية بحثاً عن المطلوبين.
من جهة أخرى، يلجأ أهالي الشبان المتوارين إلى طرق متعددة لجلب نوع من الأمان لأبنائهم، مثل إخفائهم في أماكن بعيدة نسبياً عن مدنهم الأصلية ليصعب اكتشافهم من قبل مخبري النظام، بحسب ما أبلغوا “المدن”. كما يقوم البعض بإبلاغ السلطات بفقدان أبنائهم لاسيما في حال كانوا منشقين عن الجيش، وبهذا يتمكنون من تجنيب منازلهم حملات التفتيش والدهم التي قد يقوم بها النظام في أي لحظة.
الشمال السوري..الملجأ الأخير
ويعدّ الحصول على طريق آمن ومضمون نحو الشمال السوري حيث تسيطر قوات المعارضة من أهم السبل لتأمين المتخلفين. ويقول مصدر محلي، يعمل على خط دمشق-حلب عبر مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية وصولاً إلى شمالي حلب الخاضع لسيطرة المعارضة، إن الطرقات الآمنة التي كان يسلكها المطلوبون للنظام باتت محدودة ومكلفة.
ويؤكد ل”المدن”، أنه كان سابقاً، قبل معارك صيف العام 2019 جنوبي إدلب، يمرّر مطلوبين من كافة مناطق سيطرة النظام باتجاه إدلب بأسعار معقولة، أما اليوم فلا يقل السعر عن 1000 دولار وبالتعاون مع أحد ضباط الفرقة الرابعة الذي يصطحب الشخص المطلوب إلى جانبه في سيارة خاصة ويقوم بتمريره عبر الحواجز المنتشرة على طول طريق دمشق-حلب والتي لا يقل عددها عن 10.
ويمكن لأي من المتوارين الراغبين بدخول الشمال السوري التواصل مع “المركز السوري للسلامة والانشقاق”، المقرب من فصائل إدلب، الذي يؤمّن بدوره طريقا آمناً لهم بحسب ما يؤكد مصدر من المركز ل”المدن”. يمتلك المركز علاقات واسعة داخل أجهزة النظام وقام أكثر من مرة بتأمين وصول العشرات من الشبان نحو إدلب.
وتُعتبر التكلفة المادية الباهظة لتمرير المطلوبين نحو الشمال السوري أكبر عائق بالنسبة لمعظم الشبان الذين يعيش غالبيتهم بدون عمل، ما يضطرهم إلى مواصلة الاختباء، في ظل مخاطر محتملة، خاصة للمنشقين المعرضين لانتقام النظام في حال تم القبض عليهم.
أحد المنشقين حديثا يقول ل”المدن”، إنه يعيش في قلق مستمر منذ انشقاقه عن جيش النظام بعد خدمة ثلاث سنوات قضاها على الجبهات المتاخمة لمناطق قوات المعارضة شمالي سوريا. ويؤكد الشاب أنه سوف يهرب بشكل فوري نحو إدلب لو كان يمتلك المال الكافي.
المصدر: المدن