تحدّثت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عن استيلاء النظام السوري على ما لا يقل عن 440 ألف دونم من الأراضي الزراعية التي تعود لمهجّرين في ريفي حماة وإدلب، في وسط وشمال غربي سورية، عبر مزادات علنية كنوع من العقاب الممتد لهم ولعوائلهم، ولتحقيق مكاسب مادية في الوقت ذاته، وإعادة توزيعها على الأجهزة الأمنية، والمليشيات المحلية كنوع من المكافأة بدلاً من دفع مستحقاتها المالية نقداً.
واعتبرت الشبكة في تقرير أصدرته، الخميس، أنّ إقامة المزادات العلنية لأراضي المشرّدين قسرياً، أسلوب إضافي من أساليب النظام السوري للاستيلاء الواسع والمدروس على ممتلكات معارضيه. وأشارت إلى أنّ النظام استخدم أساليب إرهاب وقمع مختلفة ضدَّ المشاركين في الحراك الشعبي، والراغبين في تحقيق انتقال سياسي، من أجل خلق جوٍ عام من الرعب، يردع كلّ من يفكر في الانضمام إلى صفوف المعارضين له.
وأكّد تقرير الشبكة أنّ النظام يسعى لتحقيق مكاسب مادية وإعادة توزيعها على الأجهزة الأمنية، والمليشيات المحلية كنوع من المكافأة بدلاً عن الدفع النقدي، فيما يشرّع مجلس الشعب القوانين والمراسيم، كي يستند إليها النظام في سرقة ممتلكات المعارضين.
وأضاف أنّ النظام ابتكر أسلوباً جديداً بهدف شرعنة عملية الاستيلاء والسرقة، حيث عمدت اللجان الأمنية التابعة له إلى الإعلان عن مزادات علنية في كلّ مناطق ريف محافظة حماة، وريفي محافظة إدلب الجنوبي والشرقي، التي استعادتها قواته بدعم من حلفائه، عامي 2019 و2020.
كما رصد ما لا يقل عن 22 إعلاناً لمزادات علنية، شملت قرابة 134 قرية وبلدة في محافظة حماة، و88 قرية وبلدة في محافظة إدلب، وتبلغ مساحة هذه الأراضي ما يقارب 400 ألف دونم، تشمل أراضي زراعية متنوعة تنتج محاصيل القمح والشعير والبطاطا والزيتون، وأراضي بعلية، إضافة إلى مزارع أسماك.
وأشار التقرير إلى أنّ معظم سكّان البلدات التي شهدت عمليات مصادرة للأراضي الزراعية، يعملون كمزارعين، وتُشكِّل أراضيهم مصدر رزقهم الوحيد، وأنَّ سيطرة النظام عليها بطريقة تعسّفية تحمل بعداً انتقامياً سياسياً، وهي إرهاب لأبناء المجتمع، واعتبر أنها عملية تفقير ونهب مدروسة لأموال وممتلكات الشعب السوري لصالح الطبقة الحاكمة.
وتوقّع مدير الشبكة، فضل عبد الغني، في تصريحات ضُمّنت في التقرير، أن يعمّم النظام هذا النهج ليشمل مناطق أخرى في الغوطة الشرقية وداريا ومناطق في الجنوب السوري، ويساعده في كل ذلك خذلان من مجلس الأمن الدولي، وعجز تام وعدم رغبة في مساعدة الشعب السوري من قبل المجتمع الدولي ودوله الحضارية الديمقراطية.
يقول يوسف العلي، وهو نازح في إدلب لـ”العربي الجديد”، إنّ النظام عرض أرض عائلته الواقعة قرب مدينة قمحانة، جنوبي حماة، والتي تبلغ مساحتها 22 دونماً في أحد المزادات. ويشير العلي إلى أنّ أربعة دونمات من أرضهم كانت مزروعة بالزيتون والعنب، وما تبقّى كان يُزرع موسمياً بالقمح والشعير أو اليانسون، وكان يرعاها أقارب للعائلة ليرسلوا لهم ريعها بعد موسم الحصاد، قبل بدء النظام بهذه السياسة.
وبحسب “العلي”، فإنّ أرض عائلته التي صودرت أواخر عام 2020، كانت تنتج سنوياً نحو 400 ليتر من زيت الزيتون، بعد حسم تكلفة الحراثة والريّ والتسميد وأجور العاملين، و11 طناً على الأقل من القمح والشعير، أو من الزراعات المحلية الموسمية.
ويقول خالد التامر، من بلدة الدير الشرقي في ريف إدلب الجنوبي، لـ”العربي الجديد”: “أملك أرضاً خصبة جداً على أطراف البلدة، تبلغ مساحتها نحو 15 دونماً، 10 منها مزروعة بأشجار التين ذي الجودة العالية، وخمسة مزروعة بأشجار الزيتون، وكلّها منحها النظام لموالين له بعقود مدّتها عام واحد قابل للتجديد”.
ويضيف التامر، أنّه كان يزرع بين أشجار التين والزيتون محاصيل محلية موسمية كالقمح والشعير، كما كانت توجد في أرضه ثلاث آبار مياه مجهّزة بمضخات، كلها تُركت أثناء هجوم قوات النظام وسيطرته على المنطقة عام 2019.
ويشير إلى أنّ محصول أرضه من التين الجاف كان يتجاوز سنوياً الطن الواحد، ونحو ألف ليتر من زيت الزيتون، وما يقارب الأربعة أطنان من القمح أو الشعير، كانت تعتمد عليها عدة عائلات معظمها من الأطفال والنساء.
يقول الصحافي والخبير الاقتصادي، مرشد النايف، لـ”العربي الجديد” إنّ ما يقوم به النظام حالياً من حملات موسّعة للاستيلاء على الأراضي الزراعية في أرياف حماة وإدلب وحلب، يأتي في إطار ممارسة المزيد من الضغط على السوريين وليس له أي مبررات اقتصادية من تلك التي يسوقها.
ويشير إلى أنّ النظام ربّما يحاول العمل على خطة سوّق لها أخيراً، وهي تسمية عامي 2020 و2021 بعامي القمح، ويطمح من خلال هذه الخطة لتوجيه جميع موارد البلاد نحو المزيد من إنتاج القمح، لحلحلة الاختناق الحاصل في مادة الخبز، التي تُعتبر مادة أساسية في سورية.
وبحسب “النايف”، فإنّ ذلك “يتماشى أيضاً مع خطة وزارة الزراعة لدى النظام، التي خططت لزراعة مساحة مليون و800 ألف هكتار بالقمح، أملاً منها في أن تخرج من الضغوطات الاقتصادية أو تتحرّر منها، وزيادة المساحات المزروعة من 35 ألف هكتار إلى 45 ألفاً، كما أعلنت في الفترة الأخيرة. لكن لم تنعكس أية نتائج إيجابية على حياة المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام”.
وينظّم المزادات “اتحاد الفلاحين” التابع للنظام والجمعيات الفلاحية، من خلال تحديد الأراضي وعرضها للاستخدام مدة عام كامل لمن يدفع السعر الأعلى، على أن تعود تلك المبالغ لمقاتلين في صفوف النظام وأسر القتلى والجرحى.
وكانت شبكة “صوت العاصمة” المحلية، قالت إنّ عناصر من “الفرقة الرابعة” التي يقودها شقيق رئيس النظام، ماهر الأسد، تعمل على تأجير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في غوطة دمشق الشرقية، بذريعة ملكيتها لمن وصفتهم بـ”الإرهابيين”.
وأشارت إلى أنّ عملية تأجير الأراضي الزراعية تتم عبر الاتفاق مع فلاحين في المنطقة على استثمارها بشكل موسمي، حيث يتقاضى العناصر مبلغ 50 ألف ليرة سورية عن الدونم الواحد في كل موسم، وهذا الأمر قابل للتجديد في حال لم يكن عند الطرفين مانع أو تغيير في السعر.
المصدر: العربي الجديد