السوريون فيما هم فيه مختلفون” متى بدأت الثورة السورية؟”

عبد الرحيم خليفة

على أبواب الذكرى السنوية للثورة ما يزال السوريون؛ أو قطاع واسع منهم؛ مختلفين حول موعد اندلاع ثورتهم المباركة ومكان انطلاقتها…ومن بين مواعيد كثيرة وأماكن مختلفة؛ ينحصر الخلاف في موعدين ومكانيين مختلفين متقاربين:

الأول- 15-3- دمشق. والثاني- 18-3-درعا…وبغض النظر عن السجال الدائر؛ ومشروعيته؛ فلا شك أنه في مضامينه العامة يعكس حالة وطنية عارمة تحاول أن تنسب لنفسها شرف البداية والسبق. وذلك بحد ذاته قيمة وطنية عليا وأصيلة…كما أنه تعبير مشرف عن انحياز مبكر للثورة وأهدافها؛ لاتزال بعض الفئات والشرائح الاجتماعية مترددة فيه؛ إضافة لكون الأمر حدثا تاريخيا عظيما يستحق التوثيق بنزاهة وحيادية؛ بكل تفاصيله وجزئياته…؛ فهي أصبحت ملك الأجيال القادمة؛ ودرسا للشعوب المتطلعة للحرية والمستقبل؛ كما لشعبنا …

ولكن فعلا وحقيقة متى بدأت الثورة السورية؟؟ ومن أين انطلقت؟

أزعم أن الثورة السورية بدأت منذ زمن بعيد ممتد في عمق ووجدان كل سوري، منذ أن وصل هذا النظام إلى الحكم؛ قبل نصف قرن من بدء الثورة؛ حتى لو لم تتوج بنتائج مرضية؛ فكانت كلها محاولات فاشلة للإطاحة به، أو الانقلاب عليه، بأشكال وصور مختلفة. ولذلك أسبابه التي لسنا بصددها الآن.

بدأت الثورة مع كل مواطن حرم من حقوقه القانونية؛ وأهدرت كرامته؛ أو اضطرته ظروفه ليدخل في منعرجات الحياة القاسية والضنكة. ومع كل أب لم يستطع أن يؤمن لأطفاله ما يحتاجون من مستلزمات و أوليات الحياة؛ من مآكل ومشرب ولباس وتعليم جيد وطبابة ….و بدأت مع كل مواطن ضرب وعذب في أقبية أفرع الآمن ومخافر الشرطة. ومع حقوق ضاعت نتيجة الفساد الذي عشش في حياتنا ومؤسساتنا. ومع كل أم عانت مرارة الفقد والغياب لابن أو زوج أو شقيق؛ تاه في بلاد الله الواسعة بحثا عن نصيب من الرزق أو ملاذ آمن؛ أو في غياهب السجون…

بدأت مع كل هؤلاء …ومع كل ذلك.

ولا يمكن تلمس بداية حقيقية (بالمعنى المجازي والرمزي) للثورة على نظام الاستبداد ومؤسسات الفساد؛ فهي من عمر هذا النظام؛ منذ لحظه وصوله للحكم.. وبغير ذلك نكون كمن يصم المجتمع بصفة العبيد، الخانعين، الأذلاء، الذين لديهم القابلية والاستعداد لتقبل الاستبداد ومفاعيله (على مبدأ مالك بن نبي في قابليتنا للاستعمار).

لا يمكن فصل الثورة السورية عن مناخ ساد مع انطلاقة شرارة الربيع العربي؛ في تونس بإحراق البوعزيزي لنفسه الذي تهيب منه الكثيرون، وتهيأ له قطاع واسع من الحالمين بتغيير واقعهم …ومستقبلهم. وعلى غرار تجربتي تونس ومصر انطلقت عدة دعوات على الفيسبوك؛ بعضها فشل؛ وبعضها لم تحشد سوى أفراد قليلة؛ سرعان ما تفرقوا …ولعل الأبرز في تلك الدعوات كان يوم 15-3 الذي سمي بيوم الغضب؛ وكانت المرة الاولى التي يعطى فيها للحراك اسم معين؛ تيمنا بالثورات التي سبقتنا في الربيع العربي، وهو اليوم الذي يجادل فيه البعض باعتباره بداية الثورة وانطلاقتها…

سبق ذلك كتابة أطفال درعا على الجدران (27-2) وحملات اعتقال واسعة في درعا ومحافظات أخرى…

من تلك البدايات المهمة، والمغفلة، كان إحراق الشاب حسن علي عقلة لنفسه في محافظة الحسكة؛ التي لم تنفع محاولات إنقاذه؛ والذي اتهم حينها بالجنون … (من المهم الوقوف عند أسباب انطلاقتها من الأطراف.

الجمعة 18 -آذار/مارس كان يوما غير عادي ومفصليا في حياة الثورة السورية؛ فهي جمعة الكرامة؛ أول جمعة تأخذ اسما؛ على سنن ثورات الربيع العربي؛ وهو اليوم الذي شهد سقوط أول شهيدين روت دماؤهما ربى درعا الطاهرة (حسام عياش -محمود الجوابرة)؛ بعد صلاة الجمعة وفي تمام الساعة 4:30 لتنفجر موجة غضب واحتجاجات في عموم وأرجاء المحافظة…وتستمر؛ لتكون درعا بالفعل مهد الثورة؛ عن جدارة واستحقاق…

في توصيف الثورات وعلومها؛ هي ليست عمل فرد وإلا تكون انتحارا في مواجهة المجموع؛ وليست عمل فئة وإلا كانت تصادما مع الأغلبية؛ إنما هي المجتمع بكامله يستنهض قواه، ويشحذ همته؛ لينطلق في عملية تغيير واسعة وشاملة، تقلب المفاهيم والقيم والأوضاع. ومن هنا؛ فان كل ما سبق 18-3 هو إرهاصات؛ وبدايات محدودة؛ ولكنها مهمة؛ حتى لوكان ذلك اليوم العظيم لم يشهد تجاوبا من كافة فئات المجتمع؛ وفي مختلف المناطق؛ على امتداد سوريا؛ وظل الإعلام؛ وبعض المعلقين والساسة؛ ولفترة زمنية غير محدودة؛ يصفون ما جرى بالانتفاضة؛ لأن عناصر الثورة لم تكتمل من وجهة نظرهم.

لدرعا وأهلها الحق في أن يعتبروا مدينتهم مهد الثورة؛ وانطلاقتها الفعلية؛ فلولا فتية درعا الذين آمنوا بالحق والحرية لما كان في سوريا. ربما؛ ما نتحدث عنه ونقول أنه ثورة؛ حتى لوكان ذلك ليس عن علم ودراية وتخطيط مسبق من قبل هؤلاء الكوكبة ال19 الذي سيحفظ لهم التاريخ أن الأقدار هيئتهم لتغيير حياة الملايين من السوريين؛ كما ويحق لكل مدينة دفعت ضريبة الدم أن تفخر بنسبها؛ سواء أكانت عاصمتها؛ أو أي مدينة أخرى؛ حظيت باسم ما يميزها عن باقي المدن الأخرى.

لكنّ الأهم الآن ألا تتحول القصة؛ وحكاية الثورة؛ إلى جدل عقيم يشغلنا عن استكمال حلقاتها؛ ويخلق نزعات مناطقية؛ ونظرة استعلاء وشبفونية ضيقة؛ تكون لها تبعاتها في قادم الأيام. نحن بغنى عنها، تزيد من المعوقات والإشكالات التي نعاني منها..

تثبيت هذا اليوم أو ذاك؛ في صفحات التاريخ لن يقلل من أهمية أي طرف؛ وعطائه؛ فمن عمل مثقال ذرة خيرا سيرى؛ ومن قدم قطرة دم سيرى. وما كل العطاء والدماء سواء.

كل عام وثورتنا على طريق تحقيق الانتصارات؛ في الحرية والكرامة والعزة؛ فهي ثورة مستمرة حتى تحقيق كامل أهدافها. وأول الخطوات على هذا الطريق الممتد والطويل شطب هذا النظام ومحو آثاره من حياة السوريين كافة.

المصدر: الأيام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى