خطت ليبيا خطوة مهمة على صعيد تأليف حكومة انتقالية برعاية الأمم المتحدة، تمهيداً لانتخابات تشريعية ورئاسية أواخر العام، وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أكدت العمل على وقف حرب اليمن، وأعلنت معاودة المساعدات للسلطة الفلسطينية التي أعلن رئيسها محمود عباس مرسوماً بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية في الربيع والصيف، ليترافق ذلك مع عودة الحديث عن “حل الدولتين” في أروقة البيت الأبيض، وإحياء عمل اللجنة الرباعية التي غابت عن الواجهة لمدة أربعة أعوام إبان رئاسة دونالد ترامب، وإطلاقه مبادرة صفقة القرن.
وهكذا تبقى سوريا وحدها، في حال من الجمود السياسي. والاستدراك المتأخر لنائب مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق جيفري فيلتمان، بأن السياسة الأميركية فشلت في سوريا، وأن الولايات المتحدة في حاجة إلى مقاربة جديدة للأزمة السورية، بسبب الطريق المسدود الذي وصلت إليه البلاد، لا تعني أن إدارة بايدن على قاب قوسين أو أدنى من اتخاذ مبادرة للخروج من المأزق في وقت يعاني السوريون العاديون أوضاعاً اقتصادية مزرية، ولا يهم من هو الذي يتسبب بمعاناتهم، سواء كان النظام أم “قانون قيصر” الأميركي أم عقوبات الاتحاد الأوروبي.
ولا يبدو أن أياً من الأطراف المنخرطين في الأزمة السورية، مؤمن فعلاً بأن فجر الخلاص سينبلج من قاعة اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف. إذ إن مرارة الخيبة كانت منعكسة على وجه المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسن عقب الاجتماع الأخير للجنة الأسبوع الماضي، وكاد الرجل ينعى عمل اللجنة برمّته نظراً الى دورانها في حلقة مفرغة. وضمناً، كان بيدرسن يشعر بالحسد من النجاح الذي تصادفه نظيرته الأممية ستيفاني وليامز في الملف الليبي هذه الأيام.
وليست عملية جنيف وحدها التي وصلت إلى طريق مسدود. فهناك عملية “آستانا” وأطرافها الثلاثة، روسيا وتركيا وإيران، هي الأخرى تراوح مكانها، ولا يبدو أنها قادرة على فتح الطريق الدولي “إم 4″، والدوريات الروسية – التركية المشتركة ثبُت بالملموس أنها تجربة فاشلة، خصوصاً بعدما باتت رهينة العبوات الناسفة لـ”هيئة تحرير الشام” وتنظيم “حراس الدين” المبايع لـ”القاعدة”.
وثمة مخاوف من أن تتحوّل “آستانا” بمرور الوقت، إلى أداة لـ”شرعنة” الاحتلال التركي للشمال السوري وإمارة “القاعدة” في إدلب وأجزاء من أرياف حلب وحماه واللاذقية. ومن يصدّق أن تركيا غير قادرة على التخلص من الجهاديين في سوريا، وهي التي تشكل رئتهم على العالم، ومنفذهم للتمويل والتسليح؟
جهاديو سوريا، رافعة في يد تركيا ضد دمشق وموسكو وطهران، ولا إرادة سياسية في أنقرة للتخلص من ورقة ضغط قوية في يدها، إلى أن يحين أوان التسويات الكبرى في سوريا والشرق الأوسط عموماً.
وبات جلياً أيضاً أن الضغط الروسي على أنقرة له حدود. وكذلك هي حال الضغط الإيراني. فالمصالح الاستراتيجية لروسيا وإيران، تقتضي في الوقت الحاضر مسايرة تركيا على حساب سوريا. وهذا يعني أن عملية “آستانا” استنفدت أغراضها، وكذلك الحال مع عملية جنيف.
في خضم الجمود السياسي في سوريا، عاد تنظيم “داعش” لينشط مجدداً عبر شن هجمات متتالية ضد الجيش السوري، مكبداً إياه خسائر فادحة في الأشهر الأخيرة. ومعلوم أن التنظيم يتّخذ من البادية السورية مركز عمليات في اتجاه العمقين السوري والعراقي. ومن شأن حال المراوحة على الساحة السورية إفساح المجال أمام “داعش” لتوسيع عملياته وربما معاودة السيطرة على مناطق بعينها.
وأمام تضاؤل فرص الحل بالآليات المألوفة حتى الآن، تبدو سوريا في حاجة إلى جهد دولي حثيث على مستوى الولايات المتحدة وروسيا بحثاً عن مخارج عملية وواقعية للأزمة التي تقترب من الدخول في عامها الحادي عشر.
وما دامت إدارة بايدن ترفع شعار عودة الدبلوماسية إلى العالم، فلا شيء يمنع انخراط واشنطن وموسكو في جهود مشتركة للخروج بتصوّر مشترك ومقاربة جديدة للأزمة، وفق تعبير فيلتمان.
قد لا تكون العلاقات الأميركية في أفضل أحوالها. لكن إقدام بايدن على المسارعة إلى تجديد معاهدة “نيو ستارت 3” مع روسيا لمدة خمسة أعوام، يدل على ميل الإدارة الأميركية الجديدة إلى سلوك نهج واقعي حيال موسكو مبنيّ على المصالح المتبادلة، برغم أن بايدن كان قد استخدم لغة متشددة جداً عند الحديث عن روسيا في حملته الانتخابية. لكن بعد دخوله البيت الأبيض، فإن مقتضيات السياسة تتطلب منه ليونة في التعامل حتى مع الخصوم أحياناً.
وكون سوريا إحدى الأزمات المتفجرة في الشرق الأوسط وتنعكس معاناة على ملايين الناس، فمن الأجدى الالتفات إلى سوريا، على غرار ما حصل في ملفات أخرى ساخنة في المنطقة على غرار ليبيا واليمن.
المصدر: النهار العربي