ذات يوم من عام ١٩٩٨ جاءني اتصال هاتفي من شخص مجهول بالنسبة لي آنذاك وطلب مني ان نلتقي لنتعارف وأبلغني بأنه قد قرأ مجموعة من مقالاتي في صحيفة المجد التي كانت تصدر من الاردن ويرغب في التعرف الى كاتبها شخصيا.. وعندما سألته عن اسمه اجاب فقط: عبد الرحمن!
انتابتني الحيرة في ظل المخاوف والتحوطات الأمنية وقتها قبل ان اوافق على هذا اللقاء..
لم يكن هناك موبايلات فاتفقنا ان نلتقي في مكان معين في مدينتي التل في ساعة محددة..
و في الموعد المحدد صدمت عندما رأيت كهلا بفوق الخمسين عاما يتقدم مني لأن صوته الجهوري القوي عبر ااهاتف أوحى لي بأنه أصغر من ذلك.. أما هو فقد عرفني مباشرة لأني كنت ارفق صورة شخصية مع مقالاتي.. و للحقيقة أنه بعد عبارات الترحاب افاض بالثناء على تجرئي للكتابة باسمي الصريح و صورتي في زمن الاب
بعد ان وصلنا الى بيتي سألني هل تقرأ مقالات “عبد الرحمن عبد القادر” و كان يكتب في نفس الصحيفة؟ اجبته نعم أقرأها
سألني ما رأيك فيها؟
قلت بصراحة هي قوية من الناحية اللغوية و السردية و لكنها من الناحية الفكرية والسياسية تدور في الفلك التقليدي للفكر و التيار القومي المحافظ..
قال دون انفعال: أنا عبد الرحمن عبد القادر، و قد جئت لأسمع منك و اناقشك.. (رغم أنه يكبرني بعقود) و استمر لقاءنا أكثر من أربع ساعات.. و كان مستمتعا بهذا الحوار إلى الدرجة التي قال في نهايتها بأنه سوف يعترف لي بسر لا يعرفه آنذاك إلا قلة قليلة من المقربين جدا منه.. و هو أن ما يكتبه عبد الرحمن عبد القادر هو من انتاج ” محمد علي الحايك” من مدينة منين المجاورة وبذلك عرفني على اسمه الحقيقي و عنوانه.. بعدها زرته في بيته و عرفني على كوكبة رائعة من رجال مدينة منين منهم أحمد منصور و احمد الحجار و موفق دغا و ابو جيرار و جهاد منصور.. “منهم من قضى و منهم من ينتظر”
بعدها توالت لقاءاتنا و سهراتنا و نقاشتنا الدائمة حول مصير و مستقبل الأمة.. و كثيرا ما كان يتحفنا في أواخر السهرات بشيء من شعره الذي كان امتدادا لفكره و مبادئه..
و كنت امازحه أحيانا بالقول: إن شعرك جدي و ملتزم بأكثر مما يحتمله العمل الأدبي و الشعري خصوصا
و قد احيينا ايضا امسية ادبية مشتركة في النادي الثقافي الفلسطيني في التل..
ثم جرفتني الغربة في ٢٠٠٢ و لم يبقى تواصل بيننا الا باتصالات متباعدة او على صفحات الفيس بوك التي تأخر -رحمه الله- في مواكبتها حتى فترة قريبة
حيث ادرك اهميتها
و في اخر اتثال قبل اشهر من قبله كان يشكو لي: بأن معظم الاصدقاء قد رحلوا اما في رحلة الابدية او في الغربة الاجبارية..
حاولت ان اخفف عنه.. و لكني تذكرت مقولة لاحد الفلاسفة بأن الإنسان لا يموت دفعة واحدة و لكن على اجزاء يموت مل جزء مع رحيل الاحبة و الاصدقاء.. و الامكن و الذكريات..
لقد توقعت أن اجزاءا كبيرة منه قد قضت و ما مات بالأمس هو الجزء الأخير
رحم الله الأخ الكبير والصديق الحميم.. الاستاذ الكاتب و الشاعر.. محمد علي الحايك ابو تمام
الإنسان الملتزم الصادق الذي ظل محافظا على قيمه مبادئه افكاره رغم الصعوبات و الضغوطات و شظف العيش.. أهوال ما آلت إليه أحوال الوطن و الأمة.. و انكسار الاحلام.. لم اتوقع ان قلبه الرقيق سوف يحتمل كل هذا الكم من الهزائم و النكسات و الفواجع.. فأثر ان يتوقف عند هذا الحد.. فمن المؤكد أننا لم نصل الى نهاية المنحدر..
الله المستعان على ما تصفون.
في رحمة الله الواسعة ابا تمام و في جناته العالية.