القصة الكاملة للجنرال الغامض خالد الحلبي (الحلقة 3):عمالته للموساد حالة فردية.. أم جزء من تعاون النظام واسرائيل؟ 

  محمد خليفة 

في العام 2018 تكرر السيناريو الذي واجه الجنرال الحلبي في فرنسا . إذ اكتشف وجوده في النمسا ناشطون سوريون يلاحقون مجرمي الحرب السوريين الذين وصلوا الى اوروبا ، وهم بالمئات كما تقول مصادر أوروبية وسورية . ومن هؤلاء المحامي والناشط البارز أنور البني رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية الذي وصل اوروبا في نفس العام الذي وصل فيه خالد الحلبي الى أوروبا ، ولكنه على عكسه ، انهمك فورا في البحث عن رجال الاستخبارات السورية الذين هربوا الى أوروبا . وتعاون مع منظمات حقوقية ومحامين أوروبيين ، ضغطوا على بعض الحكومات لتطبيق مبدأ الولاية القضائية العالمية . ومن سوء حظ الحلبي أن النمسا وافقت على تطبيق المبدأ ، إضافة الى أن منظمات حقوقية فيها بدأت تشارك في النشاط المخصص لتعقب المجرمين السوريين . ومن سوء حظه ثانية أن ناشطين متخصصين من هذه المنظمات اضافة الى صحافيين استقصائيين توصلوا الى معلومات تجزم بوجود الجنرال الحلبي في النمسا ، بعد أن اختفى أثره في فرنسا !

أثمرت جهود الحقوقيين والاعلاميين تسليط الأضواء على فضيحة استضافة مجرم الحرب الحلبي وحمايته ، وانتهاك القانون . وتابع الطرفان البحث عن كيفية وصوله ، وكيف وأين يقيم . واستطاعت صحيفة كورير النمساوية الكشف عن دور الاستخبارات التي سهلت له الحصول على حق اللجوء بفضل تدخلها القوي ، وضغوطها على مكتب شؤون اللاجئين ، ونشرت معلومات عن خلفيته وسيرته المهنية ، وماضيه الاجرامي ، ومسؤوليته عن قتل وتعذيب آلاف السوريين . وقال أنور البني إنه كان من أوائل من اكتشف وجوده في النمسا ، فقام بالاتصال بالمحامين والمنظمات الحقوقية في النمسا ، فتحركت قوى المجتمع المدني وكذلك المعارضة السياسية ، وأجبرت القضاء على التحقيق في تجاوزات الاستخبارات أولا ، ثم طالبت بتوقيف الحلبي واحالته للقضاء .

في أوائل 2016 تحركت منظمة ( سي آي جي إي ) ، وتوجهت الى وزارة العدل ، مطالبة بالتحقيق ، وقدمت ملفا عن الجنرال السوري القاتل ، واتهمت ( المكتب الاتحادي لحماية الدستور) أي الاستخبارات بالتورط في استقباله وحمايته ، وجرت مقابلة تخللها نقاش حاد بين الطرفين في وزارة العدل بحضور محققها كريستيان بيلناسيك . وحرصت الاستخبارات على اخفاء دور الموساد وتعاونها معها . إلا أن القضية اثارت القضاء أيضا ، فأمر الشرطة بالتحقيق وجمع الأدلة . ومع تصاعد الحملة والاتهامات الموجهة للاستخبارات ، تراجع بعض المسؤولين وسلموا جزءا من المعلومات عن دور الجهاز في الفضيحة ، وأخفوا بعض المعلومات ذات السرية جدا ، بحجة ( وجود أسباب عملية ) . وقالوا بعد ذلك إن احالة القضية للقضاء ، وملاحقة المجرم ستدفعه الى الفرار من النمسا ، ولذلك يجب ( معالجة القضية بطريقة أخرى) !

رغم ذلك أصدر المدعي العام في فيينا في أبريل 2016، قرارًا بتوقيف الجنرال المجرم ، بناء على مزيد من شهادات مواطنين سوريين تعرضوا للاعتقال والتعذيب في فرع أمن الدولة 335 في الرقة بأمر من العميد خالد الحلبي ، فضلا عن معلومات اضافية من منظمة   “CIJA”

ثم قدمت سلطات (شنجن) الخاصة بالاقامة في دول الاتحاد الأوروبي معلومات مهمة عن جرائمه . وكانت أساسا كافيا لاستصدار مذكرة توقيف قضائية ، ولكن الاستخبارات ظلت تعارض توقيفه ، ومر عام 2016 والذي يليه 2017 بدون أي إجراء عملي ضده . واستمر الحال هكذا حتى 30 مايو 2018 عندما حدث تطور مهم في فرنسا إذ صدر قرار من      (اليوروبول) باعتقال خالد الحلبي بناء على التحقيقات والشهادات والاتهامات الموجه له .

وأدى هذا التطور لانقسام داخل الاستخبارات النمساوية بين فريق يصر على عدم توقيفه ، وفريق هو بالتحديد فريق مكافحة الإرهاب يريد توقيفه والتحقيق معه . وفي نفس العام حصل تطور لا يقل أهمية داخل النمسا ، هو تحرك النائب العام لمكافحة الفساد للتحقيق في تجاوزات الاستخبارات النمساوية للقانون ، وممارسة النفوذ داخل مؤسسات الدولة بدون حق ، والمقصود طبعا هو تدخله لدى شؤون اللاجئين لتمرير حق اللجوء والاقامة للجنرال المطلوب للاعتقال في أكثر من بلد أوروبي . وبناء على التحقيقات وجه النائب العام لمكافحة الفساد الاتهام لأربعة ضباط استخبارات نمساويين ، وثلاثة موظفين في مكتب شؤون اللاجئين . وذكرت صحف نمساوية أن الشرطة قامت بمداهمة مكاتب الاستخبارات وحملت ملفات كثيرة تتعلق بالجنرال السوري ، وبعملية الحليب الأبيض ، حيث انكشف دور جهاز المخابرات الاسرائيلية أيضا .

وعندما بدأ حبل المشنقة يضيق على عنق الجنرال المطارد وحماته النمساويين ، اختفى من من عنوان سكنه ، وقالت الاستخبارات إنها لا تعرف أين ذهب ، وأين يقيم منذ ذلك الوقت عام 2018 حتى الساعة . وزعم جهاز الاستخبارات أنه هرب ولا يعرف كيف ومتى وأين هو الآن . بينما أكد قبل أسابيع قليلة صديقه ضابط الأمن السياسي المنشق أيضا والمقيم في الاردن منير الحريري لقناة اورينت السورية أنه على اتصال هاتفي مستمر مع خالد الحلبي ، وأنه ما زال يقيم في النمسا ، ولم يغادرها الى أي مكان ، ما يثير الشبهة بأن الاستخبارات النمساوية هي التي تولت تغيير مكان إقامته ، وأنها ما زالت تحميه  ،لكي لا يعتقل ، ويمثل أمام القضاء ، خشية أن تنكشف بقية أسرار ملفه ، وتورط الاستخبارات في استضافته وحمايته وخرق القوانين ، لأن ذلك سيقود الى مزيد من الفضائح وكشف الأسرار والتعاون بين الحلبي والموساد وبين هذه والاستخبارات النمساوية والفرنسية ، وربما مع نظام الأسد وأجهزته أيضا ، وهذه الاحتمالات كلها موضع تحقيقات وتحريات من منظمات حقوقية سورية وأوروبية ، لا مجرد تساؤلات عرضية .

علاقة الحلبي بالموساد : 

قصة الجنرال خالد الحلبي تطرح أسئلة كثيرة ، ذات أهمية بالغة ، لأهل السياسة عموما ، والسوريين خصوصا ، وعلى نحو أخص ، أهل الثورة السورية ، منها على سبيل المثال :

لماذا تهتم اسرائيل به الى هذا الحد ؟ ولماذا تدخلت بهذا الشكل القوي والمستوى العالي لمساعدته وحمايته ؟

هل علاقته بها بدأت قبل أم بعد انشقاقه المزعوم ؟

هل هي بعلم أم بدون علة النظام الاسدي المرتبظ باسرائيل وظيفيا وتاريخيا منذ هزيمة 1967 على الأقل ؟

البعض رأى أن خالد الحلبي درزي ، ودروز فلسطين / اسرائيل يختلفون عن بقية الشعب الفلسطيني ، وتعرضوا لدمج نسبي في الكيان اليهودي ، ويخدمون في الجيش والاستخبارات الاسرائيلية ، ووصل بعضهم لمناصب سياسية في الحكومة وفي الاحزاب السياسية . ويقول هذا البعض ربما كان بعض دروز اسرائيل طلبوا من حكومتهم بمساعدة قريبهم الحلبي، وكل ما قامت به الموساد مجرد إسداء خدمة مجانا لهذا الشخص . ولكنه هذا تفسير يتسم بالسذاجة لأن اجهزة الاستخبارات والدول لا تقدم خدماتها بهذا المستوى بالمجان لمجرد الطلب . ولا بد أن التفسير الأكثر اقناعا أن ثمة علاقة بين خالد الحلبي والموساد ، وهي علاقة كما يبدو عميقة وراسخة تسبق انشقاقه عن النظام والجهاز . إذ لو أن علاقته باستخبارات العدو بدأت  بعد انشقاقه عن جهاز الاستخبارات العامة ، لما أظهرت كل هذا الاهتمام ، لأن اهتمامها البالغ به ، هو على الارجح رد جميل مقابل خدمات ، لا بد أن يكون الجنرال قد قدمها لها قبل انشقاقه ، ولا بد أن تكون خدماته لها من مستوى كبير وخاص .

إذن كان ضابطا في الاستخبارات السورية العامة ، ثاني أهم الاجهزة السورية بعد الاستخبارات العسكرية ، وعميلا للاستخبارات الاسرائيلية في وقت واحد ! ولا بد أنه كان على صلة معها طوال الوقت ، والعميل في هذه الحالة لا يمكنه أن يقدم على أي خطوة بدون موافقة المشغلين الاسرائيليين أو السوريين .

فهل كان انشقاقه بقرار من الموساد أم من رؤسائه السوريين ..؟

العميد الركن أحمد رحال قال في تحليله لشخصية الحلبي وسلوكه وانشقاقه رجح أن يكون بقرار من السوريين ، لأن جميع ضباط الاستخبارات السورية الذين انشقوا تبين لاحقا أنهم انشقوا للتجسس على المعارضة ، وذكر العديد من الأسماء التي افتضح ارتباطهم بعد اعلان انشقاقهم ، ومنهم أنور رسلان الذي يحاكم في المانيا ورفض أن يسيء للاستخبارات السورية بقوة ونفى أن تكون أجهزة الاستخبارات السورية مارست أو تمارس التعذيب على المعتقلين !

هناك تفسير آخر طرحه رجل الاستخبارات السورية منير الحريري الذي خدم في جهاز (الأمن السياسي) وانشق أيضا ، إذ أكد في تفسيره لحالة صديقه وزميله “الحلبي” أن قادة النظام السياسي في سورية هم بالاجماع والاجمال عملاء لاسرائيل ، وأن التعاون بين اسرائيل وآل الأسد قائم على كل المستويات ، بما فيها أجهزة الاستخبارات العسكرية وغير العسكرية ، لا سيما بعد ثورة 2011 الشعبية . وقال إن الاتصالات بين جهاز ( أمان ) الاسرائيلي أي الاستخبارات العسكرية ، وجهاز الاستخبارات العسكرية السورية تجري بشكل يومي وروتيني ، وبعلم جميع العاملين في هذا الجهاز .

 وأضاف منير الحريري : ربما كان خالد الحلبي مرتبطا بعلاقة مع الموساد نتيجة تواصله معها بعلم رؤسائه في دمشق ، وربما كان مكلفا بمهمة رسمية منهم .

ويبدو هذا التفسير مقنعا وواقعيا ، وكانت مصادر سورية عديدة كشفت وجود لقاءات رسمية بين آل الأسد وقادة اسرائيل ، ربما تعود الى يوم تسليم حافظ الاسد هضبة الجولان لاسرائيل عام 1967 . وأكدت دوائر عديدة أن لقاءات متعددة قد جرت في الأعوام الاخيرة ، بين ماهر الأسد وزهير الاسد ورامي مخلوف وغيرهم في أثينا وبوخارست ولارنكا، وعواصم أخرى ، كموسكو أو أوكرانيا أو كازاخستان .

كل ما ورد في هذا التحقيق لا يمثل سوى رأس الجبل العائم والمكشوف من قصة خالد الحلبي الكاملة والحقيقية والتي لا أحد يعلم متى ستنكشف فصولها وجوانبها المعتمة ، وهل ستنكشف أم لن تنكشف كاملة إلا بعد سقوط عصابة الأسد ..؟ وثمة ما يوحي أنها قد تكون بحجم قصة كوهين أو قصة زوزو أو .. أو !

والسؤال الأخير الذي تطرحه قصة الجنرال الغامض وأمثاله : كم خالد حلبي في أجهزة الاستخبارات ، وفي القوات السورية يعملون ويتجسسون لصالح الموساد وأمان وربما الشين بيت بطمأنينة وفعالية ؟؟

لأن ما تكشف مجرد غيض من فيض .. وما خفي أعظم !

=============

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى