نعيش هذه الأيام ذكرى مرور عشر سنوات على اندلاع الانتفاضات العربية، التي تبغي التحرر وتسعى للنهوض، وقد مُنيت هذه الانتفاضات بالكثير من الأحداث والوقائع والعبر، وبلا أدنى شك فهي مفصل تاريخي وحقبة مهمة في تاريخ حياة هذه الشعوب، فللدهر قلم والتاريخ يسجل، وستكون هذه الحقبة هي مرحلة تمهيدية لمراحل قادمة ستكون أفضل بإذن الله لاسيما أن هذه الشعوب مرّت بهزّات عنيفة من الإخفاق والفشل والنجاح ستكون رصيد تجربة وخبرة لكن تبدو ملامح رئيسة تحتاج التنبه لها والوقوف عندها في هذا العقد المليء بالأحداث، ولكن لابدّ من الوقوف عند أبرز ملامح الضعف والقوة لدى هذه الشعوب في هذه الانتفاضات وهي: ضعف الوعي السياسي والاستراتيجي لدى القوى الفاعلة الرئيسة، والشعور بزهو الانتصار لدى القوى الشعبية العريضة التي تملك الانتشار لكن لا تملك أدوات القوى الصلبة، لأن مفاصل القوة وأدوات القوة لدى النظام وذويه من الدائرة المقربة لهذا تحولت هذه الانتفاضات في قسم كبير منها إلى المواجهات العنيفة من قبل هذه الأنظمة، كما تبين غياب الأحزاب الكبيرة الفاعلة التي يمكن أن تحفظ المجتمعات، فمجتمعاتنا فقيرة بالأحزاب الكبيرة القادرة والفاعلة، إلا في بعض الدول فهناك حالة حزبية بمستوى ما.
كما لوحظ غياب العقد الاجتماعي لدى الكثير من هذه الشعوب، فاتسعت الهوة وظهرت حدية بين أطراف المجتمع الواحد، إضافة طبعاً إلى الجانب الخارجي الدولي الذي يطول الحديث عنه والذي تعامل مع هذه الانتفاضات على أساس مصلحي وترقب وحذر لاعتبارات المصلحة أكثر منه أن لهذه الشعوب الحق في تقرير مصيرها والقيم الدولية في الديمقراطية والتحرر وصندوق الاقتراع التي هي محل مقدس لا يجوز العبث به في كثير من دول العالم.
وأعتقد أن هذه الأزمات صقلت وعي هذه الشعوب بشكل كبير وهذا سيهيئ لحقبة مهمة قادمة تحتاج طريقة من العمل مختلفة عن طريقة العمل السابقة، والتغيير حتمية تاريخية لا يستطع أحد إيقافها، فكما أن الانتفاضات والثورات والانفجارات تنشأ من ظروف موضوعية داخلية لما تعيشه هذه المجتمعات، فهي تسير بحالة طبيعية إلى التغيير فالأشخاص يزولون لكن الشعوب والأوطان هي الباقية.
ولا يماري إلّا الغلاة اليوم في أنّ الثورات العربيّة تستحقّ الكثير من إعمال النقد المراجعة. بل الغلاة وحدهم مَن لا يرون ضرورة هذا النقد ولا يهتمّون بإلحاحه. بالفعل تعرّضت تلك الثورات لأنواع لا حصر لها من النجاح والإخفاق والتعثر، تداخل فيه القمح والزوان، مثلما تداخل الرأي الحرّ والغرض، أو الظاهر الأيديولوجي الحديث والباطن العصبي القديم.
نحن اليوم بحالة تطور طبيعي للعقل الجمعي وقدراته وخبرته عبر تجارب ومخاضات عنيفة وقاسية لابد أن تؤسس لمرحلة من النهوض والنماء والتحرر وما جرى حالة طبيعية للظروف التي عاشتها هذه الشعوب كأي شعوب أخرى مرت بظروف مشابهة وسعت لتغييره إلى شكل آخر مختلف تماماً وغالباً كان السبب الحقيقي في النهوض لكثير من هذه الدول والشعوب وأسس لحياة من السلام المجتمعي طويل ومهم وراسخ لا تنفك عراه بسهولة وهذا لم يكن لو لم تكن تلك الهزّات والتجارب العنيفة. ونرقب عقوداً جديدة جميلة، لنستفيد مما مرّ ويمر وسيمر.
المصدر: اشراق