القصة الكاملة للجنرال الغامض خالد الحلبي (الحلقة 2)  ثلاث دول تتعاون لحماية عميل الموساد السوري! 

محمد خليفة 

دخل العميد الحلبي فرنسا عام 2014 وقدم طلب لجوء، إلا أن السلطة المختصة (المكتب الفرنسي للاجئين – أو . إف . بي . إر . آ -) رفضت منحه حق اللجوء والاقامة رغم تدخل الاستخبارات الفرنسية لمساعدته بعد أن افتضحت شخصيته الحقيقية، ودوره الوحشي في قمع الانتفاضة السورية ، وأصبح هدفا لمنظات حقوقية كثيرة . واستندت في رفضها إلى بند في “اتفاقية جنيف” الخاصة بحقوق اللاجئين يمنع منح حق اللجوء للشخص، إذا ظهرت أدلة جدية توحي بارتكابه ” جرائم حرب ” أو ” جرائم ضد الإنسانية  ” أو جريمة خطيرة غير سياسية خارج بلد اللجوء .

وورد في تحقيق استقصائي لصحيفة التلغراف البريطانية أجراه ثلاثة من كبار صحافييها هم هنري صموئيل ، وبلاز سيسكو، وجاستن هاغلر، و نشرته في 29 نوفمبر من العام المنصرم  2020 أن الاستخبارات الفرنسية كانت بحاجة ماسة الى أي خيط يقود الى تنظيم الدولة – داعش الذي بدأ يهاجم فرنسا ، واعتقدت أن الجنرال الحلبي يمكن أن يكون هو هذا الخيط . فضلا عن أن الاستخبارات الفرنسية رأت أن الحلبي يمكن أن يلعب دورا مهما بعد سقوط الأسد !

 وجاء في التحقيق أن دولا اوروبية عديدة أرسلت الى السلطات الفرنسية تنبهها الى أهمية هذا الضابط ، وطلبت من النائب العام الفرنسي ملاحقته على جرائمه ، وعددت منها تعذيب المعتقلين والقتل والاعتداء الجنسي ، وكلها جرائم ضد الانسانية . إلا أن رفض المكتب الفرنسي للاجئين منحه حق اللجوء ، وحملة الإعلام ضده ، وتوجه القضاء لملاحقته ، قد أمكنها إحباط خطة الاستخبارات الفرنسية لمساعدته وتجنيده لصالحها .

وحسب مصادر القضاء الفرنسي أيضا فإن العميد غضب غضبا شديدا لحرمانه من حق اللجوء ، فاتصل بالمخابرات الإسرائيلية متوسلا مساعدتها ، للهروب من فرنسا الى دولة أخرى ، قبل أن يقرر القضاء الفرنسي القاء القبض عليه ، بسبب جرائمه في سورية ، أو على الأقل طرده من فرنسا .

استنفرت الموساد على أعلى مستوى ، وتصرفت باهتمام بالغ ، لحماية العميد ومساعدته .

ودرست الوضع من الناحيتين القانونية والأمنية ، وأجرت أتصالات مع بعض الدول الاوروبية لاستقباله فيها بدلا من فرنسا ، نظرا لأن قوانين اللجوء في الاتحاد الأوروبي واحدة ، وتفرض على أي لاجىء تقديم طلبه للدولة التي منحته تأشيرة الدخول ، أو التي وصل اليها أولا ، فقط . ولا يحق له تكرار الطلب في دولة ثانية ، ويحظر على دول “الاتحاد” إجابة طلبه خارج الدولة الأولى .

تجاوب جهاز الاستخبارات النمساوية مع الطلب ، وهو أحد أفضل شركاء الموساد في كثير من الملفات والعمليات الدولية الكبيرة . وبناء عليه دعت الموساد لاجتماع ثلاثي يضمها مع الاستخبارات الفرنسية والنمساوية في باريس لبحث ملف الحلبي وتوفير المساعدة له . وفي الاجتماع أبدت الاستخبارات الفرنسية عجزها عن استمرار ضمان حمايته من الملاحقة القضائية ، فكررت الطلب من النمساوية لإيجاد مأوى له عندها فوافقت ، وعلى اثر ذلك سافر نائب رئيسها فولفغانغ زوهرر في ربيع 2015 الى اسرائيل لإبرام اتفاق ثنائي خاص بحماية الجنرال السوري صديق الموساد . وأكدت هذه لأصدقائها وحلفائها النمساويين أن الجنرال (رجل نظيف) غير متورط في جرائم حرب أو ضد الانسانية في سورية !!

 نتيجة ذلك قررت الأجهزة الثلاثة أن يتولى عملاء الموساد في فرنسا نقل الحلبي للنمسا ، لأن الاستخبارات الفرنسية اعتذرت عن نقله جوا أو بالقطار ، فنفذ رجال الموساد المهمة يوم 13 يونيو عام 2015 ونقلوا (الطرد / حسب تسميتهم) برا بسيارة عبر سويسرا ، ثم ألمانيا ، وأخيرا النمسا . وحين وصلوا معبر سالزبورغ الحدودي كان رجال الاستخبارات النمساوية في استقباله ، فأدخلوه ، واصطحبوه إلى  فيينا ، وهناك مكث في فندق “شويشات” وبعد يومين ، أرسلوه بسيارة أجرة إلى مركز استقبال اللاجئين في ترايسكيركن , وألفوا له سيناريو كاذبا ليسهلوا له الحصول على الإقامة ، بدل أن يعيدوه الى فرنسا ، فزعموا أنه وصل النمسا بالقطار هاربا من فرنسا بعد تلقيه تهديدات عديدة بالقتل من لاجئين سوريين . وبناء على هذه الأكاذيب ، وبفضل ضغوط الاستخبارات على موظفي إدارة شؤون اللاجئين منحه هؤلاء إذنا بالاقامة .

 من الناحية القانونية كان على النمسا رفض استقبال الحلبي وإعادته الى فرنسا ، إلا أن اصرار استخباراتها على انتهاك القانون ، يفترض وجود “سبب استثنائي جدا ” يدخل في نطاق أسرار الاستخبارات ويتعذر بلوغه . ولكن تدخل الموساد بهذه الطريقة الطوارئية لإنقاذه إنما يثير شكوكا قوية بوجود علاقة عمل وتعاون قديمة بينهما ، يدفعها للتحرك لتسهيل تنقلاته ومرافقته ، منذ أن ” انشق ” وسلم مدينة الرقة الى جبهة “القاعدة” ، ثم وصوله الى تركيا ، ومنها الى الأردن، ومنها الى فرنسا بفيزا رسمية ، وهذه الأمور لا تتاح لشخص عادي ، مما يفتح الأمر على احتمالات مريبة كثيرة جدا !

عملية “الحليب الأبيض” في فيينا : 

التوصل الى فك لغز السبب الاستثنائي الذي يفسر ويبرر اهتمام الموساد ، والاستخبارات النمساوية ، والفرنسية ، بالجنرال الحلبي يمكن العثور عليه في أوراق الثلاثة إذ هناك عبارة وردت في ملفات الأطراف الثلاثة هي (إن الجنرال خالد الحلبي مهيأ لأن يلعب دورا سياسيا مهما بعد سقوط الأسد) .

ذلك يعني أن الاستخبارات الثلاث وربما غيرها تقوم بتجنيد وتصنيع قادة سياسيين سوريين ليكونوا جاهزين لحكم سورية في الوقت المناسب !

ويتأكد هذا الاهتمام المريب في سلوك وتعاطي الاستخبارات النمساوية مع الجنرال الهارب ، حيث استأجرت له شقة فخمة في فيينا (حي فافوريتين) . وأكدت صحيفة كورير النمساوية الرصينة بعد أن اطلعت على آلاف المراسلات ومحاضر الاجتماعات السرية ، كما قالت إن جهاز الاستخبارات ظل يتابع سير ملفه عبر دوائر الهجرة المختصة ، ويتدخل كلما اصطدم بعراقيل لتذليلها . وكان يرسل رجاله الى أي تحقيق معه ، يتعلق بشؤون اللجوء ، بشكل غير رسمي ليساعدوه ، وهو أمر مخالف للقانون .

أطلقت الاستخبارات النمساوية – الاسرائيلية على عملية انقاذ الجنرال السوري من فرنسا اسم ( الحليب الأبيض) حسب صحيفة كورير النمساوية . وقالت في العديد من تقاريرها إن الاستخبارات النمساوية قامت بالمهمة تلبية لطلب حليفتها الاسرائيلية .

أعطت النمسا اسما مستعارا لخالد الحلبي هو (اسكندر) ومنحته حق الاقامة واللجوء بسرعة منتهكة القانونين الوطني والأوروبي ، ووفرت له الحماية ، وقدمت له خمسين الف يورو . أما الموساد فكانت أكثر كرما ، إذ استأجرت له فيللا فخمة له تليق به (!) ، وخصصت له مرتبا شهريا يبلغ خمسة آلاف يورو !!

هذه الاقامة المرفهة استمرت ثلاث سنوات ، استمتع الحلبي خلالها بليالي الأنس في فيينا ، منعما بالطمأنينة والرفاهية . وفيما بعد تبين أنه سافر الى روسيا في وفد يترأسه السوري فهد المصري المعروف بعمالته المعلنة لإسرائيل ، وضم ثلاثة عسكريين منشقين ، وقابل الوفد مسؤولين في الخارجية الروسية لمناقشة الوضع السوري . كما كشفت المعلومات أن الروس لم يكونوا مرحبين بالحلبي ، وأنهم عاملوه باهتمام متدني المستوى .

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. هذه الوقائع التي يسردها المقال..
    وخاصة الفكرة المتعلقة بتهيئة العميل لمرحلة مابعد سقوط الاسد…
    يؤكد فكرة المؤامرة الواضحة التي يمارسها المتامرون على الشعوب الضعيفة ..
    والتي يبادر البعض لنفيها ..
    في حال تحليلهم لواقع الصراع القائم بين الاطراف المتصارعة

    1. صحيح ، استاذ منجد ، الى درجة تصدم من يرى النظام الغربي الديمقراطي مثاليا .. ما ورد في المقال دقيق 100% ، ويوضح أن الدول الغربية تشتغل على تصنيع قادة عملاء في مخابرها ، ويعدونهم لاستعمالهم في الوقت المناسب !

زر الذهاب إلى الأعلى