رؤية إسرائيلية لإقليم يعيش على صفيح ساخن

عدنان أبو عامر

مع دخول الساكن الجديد إلى البيت الأبيض، وحالة الترقب الإسرائيلية لطبيعة السياسة الأميركية المتوقعة تجاه ملفات المنطقة، قدم معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، ما قال إنه “سيناريو لهجوم محتمل ضد إسرائيل، رغم أن جميع الأطراف ليست مهتمة بهذه الحرب، لكنها قد تستدرج إليها من دون خيار”.

على خلفية انفجار محطة التخصيب النووي في ناتانز، واغتيال محسن فخري زاده وقاسم سليماني، يتحدث الإسرائيليون عن نموذج لما تسمى “لعبة حرب”، ويتمثل في سيناريو رد فعل محتمل لصراع من شأنه أن يؤدي إلى حرب في الشرق الأوسط بين المحور الإيراني الذي يضم سوريا وحزب الله، وبين إسرائيل والولايات المتحدة وغيرها.

بعيدا عن التفاصيل العملياتية لسيناريو الحرب المذكور، وفق ما رسمته الدوائر الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، فإن الرد المتوقع من الولايات المتحدة، يتمثل بأن تبعث برسائل لإيران، وتزيد من جاهزية قواتها في الخليج، وتجري محادثات تشاورية مع روسيا والصين بشأن طبيعة الرد المناسب من جانبها، وعلى الفور تنفذ ضربة جوية أميركية مكثفة ضد إيران.

أما موقف روسيا من الحرب، فبالنسبة للرئيس بوتين تمثل الأزمة فرصة لوضع نفسه كلاعب إقليمي ودولي رئيسي، وميزته أنه يمكنه التحدث لجميع اللاعبين، واستخدام الدبلوماسية المتسارعة أمامهم، وهي فرصة لروسيا للتحدث مع إدارة الرئيس بايدن، مع أن روسيا ترى أن تنسيق شؤونها مع إسرائيل أسهل من إيران، وفي الوقت ذاته لا تستطيع منع إيران وحزب الله من استخدام الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل، بما فيها ضد رغبة الأسد، مما قد يعكس توترات حقيقية بين روسيا وإيران في سوريا.

إيران من جهتها جزء من سيناريو الحرب، وستتصرف بطريقة محكمة لمنع نتيجتين سلبيتين لها: الأولى الهجوم على أهداف في أراضيها، والثانية تآكل القوة الصاروخية لحزب الله في لبنان، وتهدف لردع إسرائيل عن مهاجمة البنية التحتية النووية في إيران، وقد تسارع لإغلاق الموقف لمنع مهاجمة أراضيها، لكنها تفشل بمنع الحزب من العمل ضد إسرائيل، فالتوتر يعكس مصالحه، رغم اعتماده على إيران.

سوريا سيكون موقفها هو محاولة عدم التورط في القتال، رغم أنها لا تملك القوة لمنع حزب الله وإيران من العمل على أراضيها، رغم أن جميع اللاعبين يريدون تجنب تصعيد واسع، وهذه نتيجة مماثلة لما تشهده المناورات الحربية الأخرى، ولكن في حالة حدوث سيناريو مماثل في الواقع، فإن رد إسرائيل سيكون أشد مما هو معروض في عملية المحاكاة.

من الصعب للغاية رؤية موقف لا يكون فيه الرد الإسرائيلي حاسما بما فيه الكفاية، فعندما يتم إطلاق صواريخ على تل أبيب مع عشرات القتلى، فإن هذا سيناريو خطير للغاية لم تشهده في 2006، لأن أي هجوم عليها من خلال منظومة صواريخها الدقيقة سيتسبب بإصابات واسعة النطاق فيها، وبالتالي يمكن تصعيده.

صحيح أنه في التفكير العقلاني، لا تهتم كل الأطراف بالحرب، لأنها ترى تكلفتها باهظة، وفرصتها قليلة لتعزيز مصالحها الحيوية، لكن سوء التقدير، والانحراف عن التوقعات، والتعامل غير الدقيق مع الأزمة، قد يؤدي للحرب، عبر تبادل الضربات بين الطرفين، وصولا إلى النهايات الخطيرة.

في الوقت ذاته، يستعد الجيش الإسرائيلي لمواجهة عسكرية كبيرة، تشمل إيران وسوريا ولبنان، بما تحمله من سقوط خسائر بشرية واقتصادية هائلة، وليس متوقعا أن يغير الجيش طبيعة أنشطته الجوية، في حين يواصل تدريباته الأساسية لإعداد فيالقه للحرب ضد قوى ودول أخرى، مما يفسح المجال لعمليات القوات الجوية فيما باتت تسمى “الدائرة الثالثة” التي تشمل الدول سابقة الذكر.

الجيش الإسرائيلي أمامه جملة تهديدات، لا سيما من قطاع غزة بشكل روتيني، وكذلك الاستعداد ضد السلاح النووي في إيران، والوجود الإيراني في سوريا، مما يتطلب تأسيس البنية التحتية للمعلومات الاستخباراتية، ثم بناء الخطة التشغيلية، دون القدرة على تقديم إجابة واضحة حول ما لدى الجيش من إمكانيات تشغيلية خاصة، لكنه على كل الأحوال يعمل ضمن نطاقات الدائرتين الثانية والثالثة.

إن تنامي التهديدات الأمنية تتطلب من جيش الاحتلال إجراء تعديلات على الوسائل القتالية، والعمل في دائرة ثالثة ضمن نطاق التعاون مع الأميركيين في نقل المعلومات والبنية التحتية، أما عن احتمال أن تقوم طائرات إسرائيلية وأميركية بمهام قتالية مشتركة، فإن هذا السيناريو قد يكون ممكنًا في السنوات الخمس المقبلة، لكن هناك الكثير من أوجه التعاون التكتيكي والعملياتي ومراكز القيادة والتحكم.

لقد شهدت السنوات الأخيرة استثمار الجيش الإسرائيلي للكثير من الموارد في التدريب والتعاون مع نظرائه حول العالم، وإضافة لأهمية التدريب في مناطق لا يعرفها، يتم إنشاء لغة مشتركة مع الناتو والقوات الأميركية، حيث تتيح البنية التحتية التكنولوجية ربط الطيارين بمهام مشتركة في التدريبات، كشروع القوات الجوية بمناورة دولية في اليونان.

مع العلم أن سلاح الجو الإسرائيلي زاد من معدل هجماته في سوريا، بما فيها ضد أهداف تقع على بعد أكثر من 500 كيلومتر من الحدود الإسرائيلية، في منطقة البوكمال قرب حدود العراق، رغم أن الهجمات كلما ابتعدت عن إسرائيل أصبحت أكثر تعقيدا، لأن حالة عدم اليقين تزداد، والنتيجة النهائية قد تكون 10٪ من إجمالي الجهد المبذول في التخطيط للعملية، ونظرا لأن الطيران يعمل على مسافات متزايدة من إسرائيل، فإن العدو يزحف نحو حدودها.

في مواجهة إيران التي تحيط بإسرائيل من جميع الدوائر، فإن استراتيجية “المعركة بين الحروب” هي الأنسب، لأنها إضافة لما تحققه من ربح عملياتي تجنيه إسرائيل من إحباط قدرات العدو، وخططه، وبناء قوته، فإنها تعدها للحرب، إذا اندلعت، وفي حال اندلعت معركة في الشمال، فإن القوة الجوية مستعدة بشكل أفضل، رغم أن تلك الحرب ستكون معقدة، ويحتمل أن يسقط عدد غير قليل من طائراتها أثناء القتال.

يتفهم الإسرائيليون فرضية أنه في أي حرب قادمة سيخسرون المعدات والجنود، لأن طائراتهم حين تهاجم سوريا اليوم، فهي تواجه نظام دفاع جوي يحاول إسقاطها، ومجموعة الصواريخ في سوريا واحدة من الأكثر كثافة في العالم، وهذه تشكل تحديات كبيرة اليوم.

على صعيد الجبهة الجنوبية، فإذا أرادت إسرائيل ألا تجد نفسها متفاجئة على حدود غزة، فيجب أن يكون جيشها مستعدا للحرب، رغم محادثات التهدئة مع حماس، فهي تريد الوصول لتسوية معها، في ظل سوء الظروف المعيشية في القطاع، لكن السؤال كالعادة سيكون عن الثمن، حيث تطالب حماس بتخفيف الحصار، والإفراج عن الأسرى، وإسرائيل تطالبها بالتخلي عن المقاومة، وجهود التكثيف العسكري.

من الناحية العملية، فإن حماس تستعد للحرب، وفي إسرائيل وجهت القيادة السياسية الجيش للاستعداد لأي احتمال، خاصة مع إعلان رئيس الأركان أفيف كوخافي مؤخرا بأن القيادة الجنوبية والجيش الإسرائيلي ناضجان ومستعدان للغاية، لعملية واسعة النطاق، إذا لزم الأمر، لكن هذا البيان يتطلب تصريحا ملزما بالنظر للأداء المتواضع للجيش الإسرائيلي في حرب الجرف الصامد في غزة 2014.

الهدف من الحملة لن يكون احتلال قطاع غزة، والإطاحة بحكم حماس، بل القيام بعمليات عسكرية بحرية وجوية وبرية، بطريقة تضع المزيد من الصعوبات أمام قدرات حماس من خلال الإضرار بكبار أعضائها، وتشكيلاتها، ومخازن أسلحتها، وذخيرتها، وأصولها الاستراتيجية، وإضافة لذلك، يسعى الجيش الإسرائيلي للقيام بذلك بسرعة لتجنب حملة طويلة كما حصل في صيف 2014.

في الجنوب أمام حماس، وفي الشمال أمام حزب الله، تستمر التوترات منذ عدة شهور، مما يجعل إسرائيل على مسافة قصيرة من التصعيد العسكري، مع أننا نحيي في هذه الأيام الذكرى السنوية الحادية عشرة لحرب غزة الأولى 2008-2009، والإسرائيليون يستمعون إلى تجارب قادة تلك الحرب، وما واجهوه من قوى مستحيلة من الهجمات المعادية.

ما قد تواجهه إسرائيل في المرحلة القادمة هي حرب، حرب حقيقية، وفي الحرب لا يوجد وقت للشفقة على الذات، هناك مهام يجب القيام بها، ويجب الاستعداد لها، في الحرب القادمة، سواء كانت على حدود غزة مع حماس، أو حدود لبنان مع حزب الله، او على حدود سوريا مع الميليشيات التابعة لإيران.

الخلاصة الإسرائيلية أنه بدلاً من الأرتال المدرعة في مرتفعات الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية، سيلتقي الجيش الإسرائيلي مع الكوماندوز فوق الأرض وتحتها، في مناطق حضرية كثيفة من لبنان وغزة، وسيتم استبدال القوات الجوية المصرية والسورية بترسانة صواريخ هائلة لهاتين المنظمتين، مما يدفع الجيش الإسرائيلي لأن يكون مستعدًا لكل احتمال.

المصدر: موقع تلفزيون سوريا

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى