يرى موقع “Responsible Statecraft” التابع لمعهد كوينسي الأميركي، أن الرئيس الأميركي جو بايدن ورث أزمة عمرها 10 سنوات في سوريا ولا تزال تشكل تحديات استراتيجية وإنسانية حادة. لدى الإدارة الجديدة فرصة لإعادة تقييم سياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا، وإعطاء الأولوية للدبلوماسية لتعزيز المصالح الأميركية.
ويقول الموقع في مقال للدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان وهارير بيلمان بعنوان: “الولايات المتحدة تحتاج سياسة جديدة في سوريا”، أن المصالح الأميركية في سوريا تشمل القضاء على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، وتخفيف معاناة ملايين المدنيين الذين مُزقت حياتهم بسبب مزيج من الحرب والقمع والفساد والعقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر سوريا نقطة اشتعال للصراع بين القوى الخارجية، بما في ذلك بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وإيران وروسيا وتركيا والمشكلة التركية مع الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. هناك اهتمام مهم آخر وهو عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعية في تأجيج ردود الفعل الشعبوية.
نجحت السياسة الأميركية الحالية -التي تتمحور حول عزل سوريا ومعاقبتها- في شلّ اقتصاد البلاد الذي دمرته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي. كانت الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها للضغط على بشار الأسد لتغيير الاتجاه أو ترك السلطة غير ناجحة. وبدلاً من ذلك، ساهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سوريا على روسيا وإيران.
أدّت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بحسب الكاتبين، إلى نقصٍ حاد في العملة السورية وساهمت في انهيار العملة السورية ، لكنها لم تُضعف الدعم الرئيسي بين جمهور الأسد المحلي ولم تغيّر سلوك النخبة الحاكمة. لقد تركت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش، وروسيا وتركيا وإيران بصفتهم الحكام الرئيسيين لمستقبل سوريا. في غضون ذلك، تعثّرت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركزت على الإصلاحات الدستورية.
والأسوأ من ذلك، أن العقوبات المفروضة على سوريا تؤدي إلى عواقب إنسانية ضارّة غير مقصودة من خلال تعميق وإطالة بؤس السوريين العاديين، وتمكين مستغلي الحرب، والقضاء على الطبقة الوسطى السورية، وهي محرك محتمل للاستقرار والإصلاح طويل الأجل. من الآمن الافتراض أن قيادة البلاد لا تعاني بسبب العقوبات.
تواجه الولايات المتحدة الآن خياراً بين النهج الحالي، الذي نجح فقط في المساهمة في دولة فاشلة، أو عملية دبلوماسية أعيد تصورها من قبل مركز كارتر، تهدف إلى تطوير إطار مفصل لإشراك الحكومة السورية في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والعملية التي يمكن التحقق منها، والتي، في حالة تنفيذها، ستقابلها مساعدات موجهة وتعديلات في العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الهدف من هذا الإطار، بحسب المقال، هو وقف دوامة الانحدار في سوريا وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مرحلي يمكّن من إحراز تقدم في القضايا المنفصلة ومنح الحكومة السورية وداعميها مساراً واضحا للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية. فهو لا يتصدى للتحدي الاستراتيجي المتمثل في اصطفاف سوريا مع إيران وروسيا، وهو أمر مرفوض من الولايات المتحدة، ولا يُحاسب أي شخص على الوفيات والدمار المروعين في سوريا، لكن النهج الحالي لا يفعل ذلك أيضاً.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة جائحة كورونا في سوريا من العقوبات. وبالقدر نفسه من الأهمية سيكون تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري. سيتبع ذلك تخفيف تدريجي وقابل للعكس للعقوبات الأميركية والأوروبية.
لن يتم إطلاق هذه الخطوات إلا عندما تتحقق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من تنفيذ خطوات ملموسة يتم التفاوض عليها مع حكومة النظام السوري. من شأن آليات الرصد التأكد من التقدم في خطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإزالة الأسلحة الكيماوية المتبقية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني، بما في ذلك المشاركة بحسن نية في اجتماعات الأمم المتحدة، عملية جنيف والمزيد من اللامركزية.
ولكن يجب ألا تكون هناك أوهام؛ عوائق النجاح كثيرة. أظهرت القيادة السورية القليل من الاستعداد لتقديم تنازلات. يتطلب الزخم في هذا النهج التدريجي تحركاً سورياً يمكن التحقق منه، وسيؤدي مجرد التشدق بالإصلاح إلى تعليق الحوافز الأميركية والأوروبية وقد يؤدي إلى إعادة فرض سريعة عقوبات.
تخّلت معظم الدول التي دعت إلى رحيل الأسد عن هذا “المطلب المتطرف” منذ سنوات. لكنها استمرت في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في إنتاج أي من الإصلاحات المتصورة في هذا الاقتراح التدريجي.
هذه ليست هدية للنظام السوري، المسؤول عن الكثير من الوفيات والدمار خلال السنوات العشر الماضية. بل هو اقتراح بأن إدامة الوضع الراهن لن يؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011. من خلال الإفراج العلني عن قائمة متفاوض عليها من الخطوات المتبادلة، يمكن في جوهرها، للولايات المتحدة وأوروبا، تطبيق نوع مختلف من الضغط على سوريا لإنتاج الإصلاحات التي تم رفضها حتى الآن.
ويختم المقال قائلاً: “يوفّر تغيير الإدارة الرئاسية في الولايات المتحدة فرصة لتشخيص واختبار هذا النهج الجديد”.
المصدر: المدن