الرواية عراقية، لنجم والي، مكتوبة بطريقة التداعي الذاتي مُغرقه في الذاتية والتفاعل النفسي. لا يحكمها الّا منطق راويها، الذي يشدنا اليه وإلى هاجسة عبر حميميّته وسرده المعبأ بكل التفاعلات النفسية الإنسانية
بطل الرواية يوسف يسرد عن نفسه؛ نحن امام حالة حراك نفسي وحياتي، مسكون بهاجس انه مطارد بصوت داخلي او عبر الهاتف، يطالبه بدفع الثمن والقيامة قادمه، وهو يستعيد ذاته وذاكرتها. نعم هو من سبب في قتل تلك الطفلة. بإطعامها كعكة فيها مسامير، تختنق وتموت. والسبب ان اخاه اعطاه تلك الكعكة، واخاه هذا هو الاخ الاكبر المتسلط والسيئ ايضا. هو المخبر، رجل الأمن، حارس أحلام الناس و مراقبها. تاجر كل شيء وخاصة الممنوعات. المتسلق والمستغل والذي لا قيم له ومستعد لأي شيء ليصل لما يريد. اخوه يونس وهو يوسف. والحكاية تدور فهل هو يوسف أم يونس؟ . دخل السجن لأنه قتل الطفلة. وقد لا يكون دخل السجن لذلك السبب. وقد لا يكون هناك اصلا طفله؟ !!.ولم يقتلها عبر إطعامها كعكته؟!. لكن الاكيد ان الاخ موجود. يوسف الان مختفي وهارب، كذلك اخوه. يعتقد انه لم يذهب للجيش او ذهب. وان هناك قتل وقتال وضحايا. ويعلم أنه دخل مشفى الأمراض العقليّه.هو أو أخاه؟. غير متأكد من ذلك؟ . لكنه متأكد أنه وأخاه يتبادلون الأدوار والمواقع والاتهام ايضا. وحتى الزوجات؟.اخوه له زوجه اسمها مريم وبناتها رفقة ورحمة وشفقة ورأفة ؟!. اخوه الجلاد في السجن واسماء البنات هو صرخات ضحايا التعذيب. الاخ اختفى أو غاب طوعيا أو بالسجن أو في احدى مهامه السريّه لخدمة المصالح العليا للسلطة الظل (لكنها الحاضر المطلق)، أعمالها دائما قذرة. يتواصل مع زوجة اخيه مريم، تعتبره الاخ الغائب (الحاضر). يعاشرها جنسيا ، ويكون أبا لطفلة ستكون هي ايضا مريم. سنعرف أيضا أن الطفلة الصغيرة اسمها سراب؟! وكذلك زوجته سراب، وانه هو يوسف ويونس وهارون وكثير من الأسماء المنتحلة للتكيف مع حالة التخفي والضياع. سيجد نفسه موزع دوما بين ذاته الضائعة بين كل هذه الشخصيات. سنتعب ونحن نطارده في الرواية لنعرف من هو؟!!. وحتى آخر الرواية نبقى غير متأكدين؟!!. هو ذلك الطفل الأصغر في عائلته، البريئ، الذكي، الذي يريد ان يكون بطلا. يحب الطفلة سراب، والمرأة سراب. ويعاشر زوجة اخوه مريم. وينجب منها الابنة مريم. الاخ غائب، والبلاد فيها حروب، وفيها شعب ضحية. (بلاد المنصورين والمسحوقين). هو في مرحلة ما مختفي. وفي أخرى سجين. وهو في أخرى نزيل مشفى الأمراض العقلية. هو الآن فار ويبحث من جديد عن ذاته في البيت الذي تركه، قد يكون بيته. وفي البيت الذي يقصده قد يكون بيته أيضا. يفتقد أمه التي ماتت منتظرة ولديّها الذين أكلهم الغياب. زوجته التي يعاشرها في اجواء حب يتيم و حزين بصمت كصمت القبور، وهي في الغياب ايضا. فالزوجة قتلت في احدى التفجيرات. افتقدها ووجد انه لا يحمل الّا غصة الذكرى. زوجته وأباها العم عاصم، الذي كان نزيل مشفى الأمراض العقلية أيضا. كل أشخاص الرواية موزعين بين قتيل وسجين و هارب ومنفي. والظالم غائب بالمباشر. حاضر بكل شيء وبكل المسارات في حياة البشر. المعبر عنه أخاه يونس. نكتشف بعد ذلك أنه هرب من المشفى، وأنه مطارد كمجنون خطير، وقاتل لطفلة وزوجة وكونه مخرّب ومنتحل شخصيّة أخرى. كل صفات الأخ زرعت فيه. وان الاخ أصبح السيد الجديد (عراق اليوم). بعد أن كان أداة السيد القديم (عراق الامس). وان الصورة تكتمل عندما ينقل كل الموبقات ويزرعها في يوسف. المجرم المجنون الهارب من مشفى الأمراض العقلية. الذي تلاحقه القوى الأمنية وتقتله في حديقة بيته. وتكتمل لوحة البطل المتوج يونس القادم مع الاجنبي و القابض على البلاد والعباد. الناس مستمرون ضحايا كما الماضي. وزاد عليهم المعاناة كثير من التفجيرات المتنقلة، التي تتعرف على كل الناس وتحتضنهم بموتها المجاني والرحيم.
هنا تنتهي الرواية عبر دفقها الوجداني وتداعياتها وهواجسها وقلقها الذي ينتقل للقارئ كعدوى. والتساؤل المر في العقل والقلب. يوسف ويونس اخوة (البلاد) في كل (البلاد) هم من جعلوا البشر بين قاتل وضحية. وكل ما عداه تفاصيل. بدأ من الغرائز وإشباعها على حساب الآخر. الى الحكم المستبد. الذي أصبح مع الزمن وحشي مع الشعب. ناهب لخير البلاد. الذي يسوق العباد لحروب اللاجدوى والبطولات الوهمية المدّعاة. ولكنها تأكل عمر الناس وتجعل أقدارهم جحيم في الحياة، وفي طريقة الموت. وما بعد الموت أيضا ؟!. هكذا الناس بين قتيل وسجين ومعتقل و نزيل مشفى الأمراض العقليّة وهارب او منفي. البعض منتصرين على الشعب والشعب المسحوق.
الإغراق في الذاتية في الرواية رائع، فنحن نفهم المجتمع من خلفية الحدث العادي لمجنون في بلاد مجنونه وعالم مجنون. ولذلك كل الاحتمالات مفتوحة.
نحن في ثورتنا السورية نسأل أي عقل يفهم ما يحصل مع شعبنا وبلدنا؟!!. نظام تُرك يقتل الشعب ويدمر البلد. تحت إدعاء تافه وكاذب. العالم كله بين داعم للنظام وصامت على أفعاله ومستمتع بما يحصل. دمنا مهدور في الأرض، ومعه كثير من ماضي تعايشنا الأهلي، ومستقبل دامي قد يمتد لعشرات السنين. نعم هوالعالم المجنون. ويستدعي الجنون وهو صنو الظلم الآن. الهاجس الغائب في الرواية هو مطلب الحرية والعدالة وتحقيق إنسانية الإنسان، لكنه هو الحاضر الأكبر وعبر غيابه بالتحديد.