منذ فشل مكوناتها بالاتفاق على استكمال انتخابات المكاتب الأخرى، إلى جانب منصب الرئيس فيها، والذي ذهب لصالح أنس العبدة خلفاً لنصر الحريري، وهيئة التفاوض السورية المعارضة تعاني ما يشبه الشلل، خاصة مع تعطل مسارات الحل الدبلوماسي، واقتصارها على اجتماعات اللجنة الدستورية التي تعتبر الهيئة مرجعيتها السياسية.
لكن عملياً فإن عدم إنجاز انتخابات نائب الرئيس وأمين سر هيئة التفاوض، بسبب الخلافات بين الكتل حول مصير أعضاء كتلة المستقلين فيها، جعل الهيئة بعيدة عن التأثير والفاعلية حتى على وفد المعارضة في مفاوضات اللجنة الدستورية، في ظل تسليم مثير للاستغراب من قبل كتل الهيئة لواقع الأمر وتعايش الجميع معه كما هو !
تأسست الهيئة عام 2015، ثم توسعت عام 2017 بانضمام ممثلين عن منصتي القاهرة وموسكو بعد مؤتمر الرياض-2، ليصبح عدد الكتل فيها (7) يمثلها 37 عضواً بواقع: 8 عن الائتلاف الوطني، 8 عن المستقلين، 7 عن الفصائل العسكرية، 5 عن هيئة التنسيق، 4 عن منصة القاهرة، 4 عن منصة موسكو وممثل واحد عن المجلس الوطني الكردي.
للوهلة الأولى لا يبدو أن هناك انسجاما كبيرا بين الكتل السبع، والواقع أن السنوات الماضية أثبت ذلك بوضوح، فليس تباين الموقف السياسي هو ما يقسم هذه المكونات فقط، بل إن العامل الأهم في عدم الانسجام بينها هو تباين اصطفافات هذه الكتل بين القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف السوري.
فالائتلاف محسوب كما هو معروف على تركيا وقطر، ومثله بطبيعة الحال كتلة العسكر بالإضافة للمجلس الوطني الكردي، وبالمقابل فإن منصتي موسكو والقاهرة، بالإضافة لكتلة هيئة التنسيق الوطني، محسوبة أو قريبة أو مدعومة من المحور السعودي-المصري بشكل أو بآخر، ولذلك كانت كتلة المستقلين محط اهتمام هذين المحورين من أجل ترجيح كفة كل منهما داخل الهيئة.
لكن هذه الكتلة التي دخلت الهيئة في مؤتمر الرياض-2 بالتزامن مع انضمام منصتي موسكو والقاهرة إلى هيئة التفاوض، اتهمت من قبل الكتلتين الأخيرتين وما تزال، بأنها تابعة للائتلاف وإن كان بشكل غير رسمي، وأن جميع أعضائها يدورون في فلك السياسة التركية، وهو أمر يرفضه المستقلون بطبيعة الحال، كما يرفضون إصرار منصتي موسكو والقاهرة على استبدالهم بمبرر انتهاء فترة عضويتهم.
يرى المستقلون الثمانية الأعضاء في هيئة التفاوض أن ما تريده الكتل الساعية إلى استبدالهم هو الهيمنة على قرار الهيئة وتجييرها لصالح مشروعهم السياسي ورؤيتهم للحل الديبلوماسي في سوريا، والذي لا يرقى لسقف طموحات وأهداف الثورة، وأنه أقرب للرؤية الروسية كما تبدو وجهة نظر المستقلين.
هذا على المستوى السياسي، أما على المستوى التقني، فإن الإصرار على تقديم مرشحين من تيار سياسي يمثل توجهات المنصتين وهيئة التنسيق يؤكد، من وجهة نظر الكتل الأخرى، أن الهدف هو السيطرة على الهيئة وجرها بشكل كامل باتجاه محور واحد بدل التوازن الحاصل حالياً بوجود كتلة المستقلين، وليس إصلاح المؤسسات وإعادة فاعليتها من خلال إبعادها عن الاصطفافات والمحاور.
اتهامات ودفاعات يقدمها كل طرف تحت شعار السعي لاستعادة القرار الوطني في هيئة التفاوض، وحماية مسار العمل السياسي الحالي أو المنتظر، بعيداً عن صراعات المحاور، لكن عملياً لا يبدو أن الهيئة بكل كتلها قادرة بالفعل على الفكاك من لعبة الاستقطاب وتجاوز حقل ألغام الاصطفافات السياسية التي عطلت هذه المؤسسة بشكل شبه كامل طيلة السنوات الثلاث الماضية.
فكلنا يعلم أن المحور السعودي-المصري عمل جاهداً بعد مرور عام على مؤتمر الرياض-2 من أجل استبدال ممثلي كتلة المستقلين الثمانية الذين وافقت عليهم هذه الدول رغم علمها بأنهم أقرب للتيار التركي بالنظر إلى جائزة انضمام منصتي موسكو والقاهرة إلى هيئة التفاوض. وبالمقابل فإن الائتلاف الوطني ومن خلفه المحور التركي-القطري قبل بانضمام المنصتين إلى الهيئة بعد ضمانه انضمام هؤلاء الأعضاء الثمانية المستقلين بما يعني بقاء الكفة راجحة إلى جانبه، وبالتالي عدم تغير الكثير، رغم التغير الذي حدث بالفعل جراء ذلك.
وعليه يمكن القول إن الحل الأفضل الذي وجدته دول المحورين طيلة السنوات الثلاث الماضية هو تعطيل هيئة التفاوض بالشكل الذي هي عليه الآن، وتجميد أي دور لها كما حدث بالفعل، بانتظار ما يمكن أن يطرأ على الساحتين الإقليمية والدولية، وعليه فإن انتظار منصتي موسكو والقاهرة، ومعهما هيئة التنسيق الوطني موافقة الكتل الأخرى على اقتراحهم أو مطلبهم باستبدال ممثلي كتلة المستقلين في الهيئة أمر لا طائل منه قبل تحقيق هذا الشرط، وهو حدوث تغير كبير على الساحة السياسية.
ولعل المصالحة الخليجية التي جرت الأسبوع الماضي، وما يمكن أن تفتحه من آفاق لمصالحة تركية-عربية هو المتغير الكبير الوحيد الذي يمكن أن يحدث الحلحلة المنتظرة داخل هيئة التفاوض، فيدفع كتلها إلى استكمال انتخابات مكاتبها والتوافق على كتلة المستقلين فيها، بل وكذلك صياغة توجهاتها الرئيسية للحل السياسي في سوريا، وبدون هذه المصالحة فإن الجميع سيظل قابلاً بالوضع القائم حالياً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا