ماذا تفعل أميركا في الجزائر؟

أزراج عمر

شهدت الجزائر يوم الأربعاء الماضي زيارة وفد أميركي رسمي رفيع المستوى نادراً ما شهدت مثله طوال فترة حكم الرئيس دونالد ترامب الذي يفترض أن تنتهي ولايته يوم 20 كانون الثاني (يناير) الجاري، وقد تألف هذا الوفد الذي ترأسته وزيرة القوات الجوية باربرا باريت، من مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر وقائد القوات الجوية الأميركية في أوروبا وأفريقيا، الجنرال جيفري هاريجيان. وبدا من اختصاصات أعضاء هذا الوفد أن هذه الزيارة قد غلب عليها الطابعين الأمني والعسكري في الجوهر. وربما لهذا السبب لم تتسرب حتَى الآن أية معلومات استثنائية تتصل بتفاصيل مضمون المحادثات التي جرت بين هذا الوفد من جهة وبين وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم ومسؤولين كبار آخرين في المؤسسة العسكرية الجزائرية من جهة أخرى إلى وسائل الاعلام، ما عدا المعلومة الخاصة التي تفيد بأن ديفيد شينكر نفى أمام الوزير بوقادوم الإشاعة التي يروج لها أن الولايات المتحدة قاب قوسين من إقامة قاعدة عسكرية في غرب المنطقة المغاربية.
في هذا السياق ينبغي التساؤل: ماذا تفعل أميركا في الجزائر في هذا الوقت بالذات؟ وهل تهدف من خلال وفدها هذا إلى اختبار مدى جدية النظام الجزائري الحالي المضي قدماً في التمسك بسياسات رفض أي تواجد أجنبي في الفضاء المغاربي؟ بما في ذلك التواجد الأميركي الذي تعتبره الجزائر على مدى سنوات طويلة مساساً مباشراً بأمنها الوطني كما اعتادت النظر إلى أي تحرك عسكري أوروبي أو مقنّع بقناع الحلف الأطلسي في الجوار الأفريقي كتهديد لعمقها الاستراتيجي؟ وهل صحيح أن علاقة الجزائر بالولايات المتحدة الأميركية مؤسسة على النزعة البراغماتية وتقتصر في الغالب على تبادل المصالح؟
في الحقيقة، إن الوقائع أظهرت أشكالاً متنوعة من التنسيق الأمني وتبادل الملفات والمعلومات قد تمت بين أميركا وبين الجزائر، في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على الأقل، وذلك في مجال حسّاس جداً ومثير للجدل وهو مجال محاربة الإرهاب وتعقب تحركاته في العالم، وذلك منذ تعرّض الولايات المتحدة للهجوم الساحق في 11 أيلول (سبتمبر) 2001. وفي هذا المجال بالذات لا توجد أدلة ملموسة ورسمية تؤكد قطعاً أن الجزائر قد أوقفت، مثلاً، هذا النمط من التعاون الأمني احتجاجاً على غزو إدارة الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش العراق واحتلاله بقوة السلاح.
هنا ينبغي الإشارة إلى معلومات تم تداولها في هذه الفترة بالذات وأكد أصحابها أن إدارة بوش وحلفاءه الأوروبيين الكبار قدموا مكافأة للرئيس بوتفليقة على تعاونه معهم أمنياً، وتثميناً لذلك ضغطوا على مسؤولي البنك الدولي لتسهيل آليات دفع الجزائر لديونها المستحقة والمدمرة للاقتصاد الجزائري والمقدرة بـ 30 مليار دولار أو أكثر بقليل، قبل أوانها وبغض النظر عن القوانين الملزمة لها التي كان يجب أن تدفع الجزائر بموجبها، الفوائد الضخمة التي تغطي الفترة الزمنية المتفق عليها رسمياً بين الطرفين.
إضافة إلى هذا التعاون الأمني بين مرحلة بوتفليقة وبين الولايات المتحدة، فإن للشركات الأميركية وجوداً مادياً حقيقياً منذ سنوات في الجزائر، وذلك في مجالات عدة خصوصاً في مجالي النفط والغاز.
تقدّر التقارير الاقتصادية المحايدة أيضاً، أن حجم التبادل التجاري الجزائري – الأميركي قد قفز من 15 مليار دولار في عام 2006 إلى أكثر من 18 مليار دولار في عام 2018، ولا يزال هذا الرقم يتصاعد بوتيرة ملحوظة. ويلاحظ خبراء الاقتصاد الجزائري أن حجم هذا التبادل التجاري يفوق حجم التبادل التجاري بين الجزائر وبين الدول المغاربية مجتمعة، وبذلك يسقط قناع ما يسمى بأسطورة التكامل الاقتصادي ضمن فضاء الاتحاد المغاربي.
إلى جانب ما تقدم، فإن الإدارة الأميركية والحكومة الجزائرية قامتا في عهد بوتفليقة بتنسيق معتبر في ميدان التعليم العالي، وقد كرس الجهاز الدبلوماسي الأميركي في الجزائر هذا التنسيق وعمل على تعميقه المسؤول الأميركي عن قطاع التعليم العالي الحيوي وشهد تطبيقاً حاسماً بعد زيارته الرسمية الجزائر حينما توصل مع وزير التعليم العالي السابق الطاهر حجار إلى إبرام اتفاقات رسمية مهمة في مختلف مجالات التعليم العالي، وفي المقدمة نقل الخبرات الأميركية إلى التعليم العالي الجزائري ورفع عدد أعضاء البعثات الطلابية الجزائرية للدراسة في الجامعات الأميركية مقابل مبالغ معتبرة تدفعها الخزينة الجزائرية بالعملة الصعبة لها.
وفي إطار التفعيل الشامل لسياسات القوة الناعمة، والتي نظّر لها عدد معتبر من المفكرين السياسيين الاستراتيجيين الأميركيين منهم جوزف ناي صاحب الكتاب الشهير “القوة الناعمة” والذي تبنت أطروحاته وتوصياته وزارة الخارجية الأميركية، فقد وطدت هذه الأخيرة أنشطة المركز الثقافي في الجزائر الأمر الذي دشن في شكل عملي ورسمي بدايات الوجود الثقافي لأميركا في الجزائر، والغريب في الأمر هو أن مختلف وسائل الاعلام الجزائرية التابعة للقطاع العام أو للقطاع الخاص لا تتابع عن كثب تحركات هذا المركز ونشاطاته التي تنجز برعاية السفارة الأميركية. وفي هذا الخصوص فإنه ينبغي توضيح مسألة مهمة وتتمثل في عدم اكتفاء وزارة الخارجية الأميركية بمؤسسة المركز الثقافي في العاصمة الجزائرية، بل إنها صارت تملك ثلاثة فروع أخرى في العمق الجغرافي الجزائري وتدعى هذه الفروع بـ”الفضاءات الأميركية” وهي موجودة في محافظات استراتيجية هي قسنطينة في الشرق الجزائري، ووهران في الغرب الجزائري وورقلة بعمق الجنوب الجزائري.
ظاهرياً، لُخصت مهمات البرنامج العام للمركز الثقافي الأميركي الأساسية في الجزائر بتوفير “الموارد الثقافية والمعلومات داخل سفارة الولايات المتحدة الأميركية في الجزائر العاصمة” بهدف “تقديم أحدث المعلومات للجزائريين حول سياسة الولايات المتحدة، وتسهيل التفاهم المتبادل حول القضايا الاقتصادية والسياسية، والتجارية والثقافية والبيئية”. ولكن اعتماد هذا المركز على أسلوب تشكيل وضبط نخب وشلل تابعة له من طريق اشتراط العضوية الدائمة على الجزائريين الراغبين في حضور نشاطاته والتواصل الدائم مع فعالياته المختلفة، بما في ذلك حفلات التعارف التي يقيمها في مناسبات معينة، تعني في المقام الأول جعل الأعضاء المنخرطين فيه جزءاً عضوياً من بنية المنظومة التي أوكلت إليها مهمة تنفيذ سياسات “القوة الناعمة” الأميركية على أرض الجزائر.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى